الآثار.. وتهويد تاريخ القدس!!
إعداد عيسى القدومي
علم الآثار أريد منه أن يكون أداة في يد الصهاينة لاختلاق تاريخ يهودي كاذب ومزور في فلسطين العربية، ثم ربطه بالدولة اليهودية الحالية, تقول عالمة الآثار اليهودية (شولاميت جيفا): «إن علم الآثار اليهودي أريد له تعسفاً أن يكون أداة للحركة الصهيونية تختلق بواسطته صلة بين التاريخ اليهودي القديم والدولة اليهودية المعاصرة».
واستمرت المؤسسات الصهيونية المعنية بالتهويد والاستيطان في سياساتها الثابتة الساعية إلى تزوير التاريخ من خلال الحفريات التي تقوم بها في مدينة القدس، وإلى تغيير واقع المدينة المقدسة لتحويلها إلى مدينة ذات طابع يهودي, والاستهداف الصهيوني للآثار نابع من كونها تشكل جزءا من الهوية الثقافية والحضارية الفلسطينية؛ لذا حاول الاحتلال طمس الهوية الثقافية والحضارية الفلسطينية وإخفاء معالمها؛ حيث إن الاحتلال يعمل باعتقاد أن مرحلة حسم وجوده واستمراره على هذه الأرض باتت مطمئنة، فانتقل لحسم أمر آخر وهو التاريخ بكل أدواته ومساراته .
فالعديد من الحفريات تجري بهدف إضعاف البنية التحتية للأبنية والمساكن والمقدسات الإسلامية؛ حيث أصيب الكثير منها بتصدعات خطيرة، مثل المدرسة العثمانية، والمدرسة المزهرية، والمدرسة الجوهرية في باب الحديد، ورباط الكرد، والزاوية الرفاتية، والمدرسة التنكزية في باب السلسلة، هذا فضلاً عن مئات المنازل التي سقطت أرضياتها وتصدعت جدرانها وتمنع السلطات أي ترميم فيها .
والاعتداءات اليهودية لم تمس الأحياء وحدهم؛ بل طالت الأموات في قبورهم كمقبرة باب الرحمة (الأسباط)، حيث أتت حفريات الجرافات الصهيونية على مئات القبور، وتبعثرت عظام الموتى بحجة التطوير والأعمار، وكذلك ما حدث في مقبرة (مأمن الله) العريقة، وسيطر اليهود على هذه المقبرة وتوقفت عملية دفن الموتى منذ ذلك الحين، وتناقصت مساحتها التي لم يتبق منها سوى 19 دونما بعد أن كانت 136 دونما، وهي تستخدم اليوم مقراً رئيسياً لوزارة التجارة والصناعة الصهيونية، وما زالوا يعبثون في قبورها التاريخية التي تضم رفات بعض الصحابة والعلماء المسلمين.
وفي ظل هذه الأحداث أسهمت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو من خلال إصدار قرار يسمح لسلطات الاحتلال في فلسطين بالإشراف على باب المغاربة وهو أحد أبواب المسجد الأقصى، وأجازت منظمة اليونسكو بذلك لسلطات الاحتلال إجراء الترميمات – حسب زعمهم – في باب المغاربة، وأعطيت بذلك السلطات اليهودية الشرعية الدولية من أجل إجراء التغيرات الشاملة في ساحات حارة المغاربة وبابه الذي هو جزء من المسجد الأقصى وأحد أبوابه.
وهذا القرار يضع باب المغاربة على لائحة التراث العالمي بوصفه (تراثاً يهودياً)!! والذي سيتيح لسلطات الاحتلال المضي قدماً في تنفيذ مخططاتها الرامية لتهويد مدينة القدس وتغيير معالمها وطابعها الإسلامي والسيطرة النهائية على المسجد الأقصى، وفرض أمرٍ واقع لا يمكن رجوع اليهود عنه في أي مفاوضات جارية أو قادمة!!
تهويد الحجارة والتاريخ
من أساليب التحريف والتزييف في مدينة القدس والمدن والقرى التي احتلها الصهاينة عام 1948 م إزالة آثار القرى العربية وطمسها، واستخدام حجارتها في بناء المغتصبات اليهودية، فبلدية القدس تتجنب البناء بالأسمنت المسلح لكي يخيل للزائر أن هذا السور بني من قبل مئات السنين ولكي يعملوا على إعادة استخدام هذه الآثار في تركيب تاريخ يهودي مزور؛ لذا كان إهمال الآثار في منطقة القدس والتغاضي عما يحدث فيها من نبش ونهب وسرقة في وضح النهار، وأطلق الكيان اليهودي العنان للتجار اليهود لممارسة أبشع أشكال التجارة والسرقة غير المشروعة للمعالم الأثرية، فلم تبق خربة إلا وعاث فيها اللصوص خراباً وتدميراً، ولم تتبق حارة أو زاوية في القدس إلا وتعرضت لهذه الحفريات، وعندما توجد أي آثار إسلامية كانت تلقى الإهمال والضياع والتدمير ولا يتم توثيقها.
فالكيان المحتل يريد لهذه الحجارة أن تصبح حجارة يهودية، ويريد للتاريخ أن يكون تاريخا يهوديا، سرقوا الآثار لتصبح آثارا يهودية، ويدمرون كما حدث في جرف حارة المغاربة وحارة الشرف وما حوته الحارتان من أوقاف ومبان تاريخية وآثار حينما احتلوا شرقي القدس في عام 1967م، ثم يدعون أنهم يبحثون وينقبون عن آثارهم!!
وبدعوى البحث عن تاريخ القدس يقول (يوسف أبيرام) المتخصص في الآثار من جمعية (أبحاث أرض إسرائيل وآثارها) مسوغاً أفعالهم: «إننا نريد أن نعرف تاريخ القدس من بداية قيامها كما هو مذكور في التوراة إلى أيامنا هذه».
ويرد على ذلك الادعاء أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب (شلومو زند) بالآتي: لقد حاولت الصهيونية منذ بدايتها خلق علاقة تاريخية بين اليهود في العالم وهذه الأرض أي فلسطين، في العهد العثماني ثم في عهد الانتداب عن طريق تجنيد التوراة وتحويلها إلى كتاب تاريخي، كان هذا بمنزلة القوشان الأول الذي ربطت به نفسها بهذه الأرض وأعطت شرعية للاستعمار، وضعت كل المعجزات جانبا وأبقت على الأساس التاريخي الذي ماذا يقول؟ إن هذه الأرض كانت للعبرانيين القدماء ولليهود»!! وأضاف (شلومو زند): «لن أشوه التاريخ من أجل إعطاء الشرعية للاستعمار هنا، أريد أن أشدد على أنني أعد هذا استعمارا صهيونيا، وأعتقد أن كل المبررات التاريخية كذب وافتراء»!!
لم تكتف المؤسسات الاحتلالية بما تقوم به من حفر وهدم وتنقيب، بل جندت بأموالها لصوصا يقومون بأعمال سرقة منظمة ولهم ارتباطات مع دولة الاحتلال وعصابات خارجية، حيث يقومون مجتمعين بتهريب الآثار وبيعها في السوق السوداء التي تفتح ذراعيها لكل من يبيع التاريخ لشطب جزء من تاريخ تلك الأرض المباركة .
وعرف عن بعض قادة اليهود كوزير الدفاع الصهيوني السابق (موشيه ديان) تعلقهم بتنقيب الآثار وشراؤهم للمقتنيات الأثرية، وقد تعرضت الكثير من المواقع الأثرية الفلسطينية للتدمير، وسرقت الأرض ليقام عليها مرافق يهودية حديثة كما حدث في الكثير من المواقع التاريخية والأثرية بالقدس بحجة تطوير السياحة.
وكشف الأكاديمي والباحث وأستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب (شلومو زند) مدى الهوس والتخريف الذي وصلت إليه مؤسسات الاحتلال لإثبات علاقتهم بتلك الأرض؛ يقول: «لكون المسألة صعبة الإثبات من الناحية التاريخية فإنهم يبحثون في الـ (DNA)، من أجل إثبات أنهم من هنا، وهناك مختبرات في جامعات القدس وتل أبيب والمعهد التقني تبحث عن (DNA) يهودي، وجندوا الأموال من أجل البحث عن قرابة جينية بين اليهود». وأضاف: «لماذا يفعلون هذا؟! إن الشيء الوحيد المشترك بين يهودي من (كييف) ويهودي من مراكش ويهودي من (لندن) هو الدين.. لم يكن هناك أي رابط دنيوي بينهم، فقد كانوا يأكلون ويعيشون ويتحدثون أحاديث مختلفة، عندما نقول شعبا فإننا نعني مجموعة بشرية تجمعها قيم دنيوية مشتركة ولا دينية، عليك أن تدرك أنه حتى في الـ (DNA) وفي الحفريات الأثرية منذ أن بدأت الهجرة الصهيونية تم البحث عن المسوغات الدينية في الأرض وبالأساس في التوراة؛ إذ كان لا بد من العثور على كل شيء مكتوب في التوراة في الأرض، وقد سارت الأمور كما أرادوا بادئ الأمر وكانوا يقولون: آه هذه إسطبلات سليمان، آه وهذا في الواقع قصر داود! وفي الثمانينيات والتسعينيات وجد الكثير من علماء الآثار (الإسرائيليين) ومعظمهم يحملون الفكر الصهيوني أن هناك تناقضات، لا يوجد شيء من هذا القبيل».
لذا صعد الكيان اليهودي عبر مؤسساته العلمية والتراثية نشاطه في عقد المؤتمرات والندوات وتقديم الدراسات لتوثيق ما يزعمون أنها أملاك اليهود في العديد من الدول العربية، ومصر على وجه الخصوص، والعمل على إيجاد قاعدة بيانات خاصة بها.
ما سبق يؤكد عدم اكتفاء الصهاينة بادعاء الآثار والتاريخ في القدس وفلسطين، بل يتجاوزون ذلك إلى محاولات لتزوير تاريخ المنطقة والعبث به، وإيجاد مبررات لزرع أنفسهم في أي مكان فيها، كالمطالبة بإقامة متحف يهودي في القاهرة بدعوى أن الآثار اليهودية في مصر كثيرة ، رغم تأكيد علماء الآثار أنه ليس لليهود في مصر آثار تستدعي وجود مثل هذا المتحف المستقل.. ولا شك أن مثل هذه المطالبات تأتي في إطار مخططات اليهود ولهاثهم وراء مزاعم وأكاذيب لا أساس لها؛ لإيجاد موطئ قدم لهم بيننا.
(المصدر: هيئة علماء فلسطين في الخارج)