اقتحامات المسجد الأقصى ليست صدفة
بقلم د. سلمان السعودي (خاص بالمنتدى)
منذ بدية عام 2022م وهناك تصاعد متسارع في اقتحامات المسجد الأقصى، والمتأمل في هذه الاقتحامات وإرهاصاتها يجد قبل كل اجتياح أو حرب ضد المقاومة سواء على غزة أو جنوب لبنان، أو حتى ضرب سوريا، وقبل كل اقتحام للمسجد الأقصى، أنّ هناك إرهاصاتٍ تسبق ذلك.
الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967م، اتخذ قرارًا بعدم الاقتراب أو السيطرة، أو الادعاء على المسجد الأقصى بكل ساحاته ومبانيه خوفًا من الغضب العربي، ولكن بما أنهم يعملون وفق نظرية حساب المخاطر، يرون اليوم ألّا مخاطر تعود عليهم من الاقتحامات، فعند إحراق المسجد الأقصى قالت حكومة الاحتلال: بأن الفاعل مختلٌ عقليًا، ولم تنم جولدا مائير تلك الليلة خوفًا من العرب، ولكن صبيحة اليوم الثاني اطمأنت جولدا مائير، وكانت أول خطوة أمان لدولة الاحتلال من الجانب العربي والإسلامي، ومنذ ذلك الوقت بدأت عملية الاستيطان خارج القدس لفحص مدى المخاطر، وبدأت سياسة الخطوة خطوة، بوضوح منذ 2015م حتى الآن وحكومة الاحتلال تقيس عدد المقتحمين للأقصى بالرسم البياني، ويعدونهم بالشخص، وعدد المرات، وعدد الفرق.
فقبل سبع سنوات كان عدد المقتحمين ( 14094) مستوطنًا، وفي عام 2021م ( 25582) وعام 2022م بلغ العدد ( 51254) ومقابل هذا التصعيد لم يوجد رد عربي أو إسلامي.
ومع هذا فإنّ الدور الرسمي العربي والإسلامي لم يبقَ محايدًا، ولكنه يمارس دورَ الضاغط على المقاومة، ولا يتحرك دائمًا إلا لمنع الانفجار، فمثلا: في معركة سيف القدس، ردت المقاومة على اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، ومنذ ذلك الحين إلى يومنا والدور المصري يتمركز في الضغط على المقاومة لعدم الرد على تدنيس المسجد الأقصى، حتى في المعركة الأخيرة (وحدة الساحات) كان دورها واضحًا حين طلبت من حماس عدم التدخل لأنّ إسرائيل فقط سوف تضرب الجهاد الإسلامي.
وفي ظل حكومة التغيير الإسرائيلية ( لبيد، وبنت، وعباس منصور ) تضاعف عدد هدم وحدات البناء، ففي القدس الشرقية تم هدم (132) وحدة بناء عام 2021م، وذلك لعدم وجود ردع عربي.
وعلى صعيد آخر، قبل اغتيال قادة الجهاد الإسلامي والاعتداء على غزة في معركة(وحدة الساحات) منحت الحكومة الإسرائيلية (4000) تصريح عمل لأهل غزة، وقبل الإعلان عن طوفان اقتحام المسجد الأقصى في أعيادهم أعلنوا عن منح أهل غزة (1500) تصريح إضافي.
طبعا لم تُصدر دولة الكيان هذه التصاريح من باب الحب والمساعدة والإنسانية، بل لأنّ تصاريح العمل تقول للناس: من له اعتراض على ما نقوم به لن يأخذ تصريحًا، فهذا عقاب مسبق، أو تحذير مسبق بالعقاب لمن يعترض على ما تقوم به دولة الاحتلال.
وكذلك فإنّ المشغل الإسرائيلي يقوم بدور المحقق الخفي مع العمال ويقدم تقريره حول الوضع في قطاع غزة.
وعلى صعيد آخر، نجد قبل أي اقتحام للأقصى بأنّ الضباط والمسؤولين الإسرائيليين يتوجهون إلى الأردن وتركيا ورام الله ويطلبون منهم تهدئة الأوضاع، ويتحججون بأنّ ما يقومون به ليست باقتحامات، وإنما هي زيارات سياحية فردية للمسجد الأقصى، ثم تتحول إلى جماعية، ثم حراسة من الجيش والشرطة، ثم الألبسة التوراتية، ثم الصلاة الملحمية، ثم نفخ بالبوق، وذبح وتقديم القرابين الحيوانية والنباتية، ومحاولة إدخالها بالتدرج إلى ساحات الأقصى، وفي مقابل ذلك تقوم السلطة الفلسطينية بقمع المقاومين، والأردن تطلب التهدئة، ومصر تحذر المقاومة حتى لا ترد، والإمارات تكون في تل أبيب وقت الاقتحامات، والسعودية تفتح أجواءها للطيران الإسرائيلي عشية الاقتحامات.
كل هذا يطمئن الإسرائيليين بأنه لا يوجد رد، وبهذا يكون الاستفراد بالساحة الفلسطينية، وعيونهم على لبنان كي لا تتدخل.
إذًا بحسب هذه المعطيات نستطيع القول بأنّ التصعيد بالاقتحامات لم يأتِ صدفة، بل يأتي بعد فحص الإمكانيات، ليتأكدوا من اقتحام الأقصى دون تدخل من السلطة الفلسطينية في رام الله، أو المقاومة في غزة، كما فعلوا في ضرب الجهاد الإسلامي دون تدخل من رام الله وحماس.
وعلى صعيد آخر يروجون بأنّ إسرائيل جاهزة لترسيم الحدود مع لبنان لتحييد حزب الله من التدخل وتخريب ذلك.
فالمطلوب هو: إلى جانب وحدة الساحات هو وحدة العمل في الميدان في وقت واحد في جميع الساحات.
إنّ التحديات كبيرة جدًا، وما لم تتحد الجهود الجماهيرية مع الرسمية سيبقى الوضع على ما عليه دون نتائج، وللأسف نجد أنّ الجهد الرسمي لم يبقَ على حياديته، بل تجاوز ذلك إلى أن أصبح مقاومًا للجهد الشعبي، وهذا هو واقع الحال، والاعتقالات دليل على ذلك، والتصريح من بعض الأنظمة العربية بإرهابية المقاومة، والتنسيق الأمني المقدس، أعطى الضوء الأخضر للكيان بالتوسع في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، فعند عقد اتفاقية أوسلو كان عدد المستوطنين في الضفة (75000) والآن أصبح (270000) ، وتم سحب هويات من المقدسيين (14500) هوية، عدا التهجير والإبعاد القسري، وإغلاق المؤسسات وضرب التجارة في القدس الشرقية، وتدمير السياحة بسبب التصعيد المستمر والإغلاقات.
كل هذا حدث في ظل الوصاية الأردنية، والجامعة العربية، ومسؤول ملف القدس ملك المغرب، وأوسلو، والتنسيق الأمني، والتطبيع العربي، والخريف العربي المصطنع.
ولهذا لا بدَّ من التحرك الشعبي العربي والمسلم في جميع أنحاء تواجده، وألّا يترك الفلسطيني في الداخل وحيدًا في المواجهة والتحديات.