بقلم أحمد أبو دقة
الكثير من التفاصيل والمواقف سجلت في مسيرة الثائر الشهيد محمد زهران علوش، لكن أبرزها النشأة السليمة التي تلقها على يد والده منذ ولادته في ديسمبر 1971م وحتى ارتقائه إلى العلياء شهيداً في 25 ديسمبر 2015م في غارة نفذتها طائرات روسية قتل خلالها عدد من قيادات جيش الإسلام.
يعتبر محمد زهران علوش من أبرز قادة الحراك الإسلامي في سوريا منذ اندلاع الثورة في آذار عام 2011م، فقد أثرت فيه النشأة السلفية التي عاشها في منزل والده الشيخ عبد الله علوش أحد دعاة مدينة دوما في الغوطة الشرقية، والذي سار على نهجه حتى أكمل دراسته في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وتخرج منها.
في عام 2010م سجن علوش بتهمة حيازة أسلحة من قِبل النظام السوري وأمضى في سجن “صيدنايا” عامين، حيث أُفرج عنه عقب ذلك بعفو عام مع بداية الثورة عام 2011م. عقبها بدأ علوش بالمشاركة المسلحة في الثورة حيث أسس سرية الإسلام التي أصبحت في ما بعد جيش الإسلام الذي هو بمثابة أحد أبرز أعمدة الحراك الإسلامي المسلح ضد النظام السوري.
موقف علوش من الحل السياسي ثابت لم يتغير منذ بدءِ الثورة السورية؛ حيث أكد على رفض الحل السلمي قبل تنحية النظام السوري، كذلك أكد على رفضه لأي مخطط من شأنه المساهمة في تقسيم سوريا وكان من أبرز الفصائل الإسلامية التي قاتلت تنظيم “داعش”.
خلال فترة وجوده في المملكة العربية السعودية أتيح لعلوش فرصة تلقِّي العلوم الشرعية عن نخبة من علماء الأمة منهم الشيخ محمد بن ناصر الدين الالباني، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله بن عقيل والشيخ عبد المحسن العباد والشيخ عبد الله الغنيمان والشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي والشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي.
في سبتمبر 2013م أعلن عن توحّد 43 لواء وفصيل وكتيبة في كيان جيش الإسلام الذي كان يعد وقتها أكبر تشكيل عسكري معارض، وكان يقوده علوش، قبل أن ينضم هذا الجيش إلى الجبهة الإسلامية التي يشغل فيها علوش منصب القائد العسكري العام. اهتم الشهيد علوش رحمه الله بالتركيز على التربية العقدية للثوار، وأشرف على تنظيم جيش الإسلام الذي يتبع لمجلس قيادة، ويضم 64 كتيبة عسكرية تنتشر في مناطق واسعة من سوريا.
عقب إعلان استشهاده ذكرت مصادر في جيش الإسلام أن مجلس الشورى قام بتعيين القيادي البارز في الجيش عصام بويضاني الملقب (أبو همام) خلفاً لزهران علوش وقائداً جديداً لجيش الإسلام. وهو من القياديين البارزين في صفوف “جيش الإسلام”، وشغل منصب قائد “لواء الأنصار” ومن ثَمَّ قائد عمليات الجيش في الغوطة الشرقية، وأشرف على إدارة العديد من المعارك، وساهم في وضع استراتيجية دفاعية لحماية الغوطة.
إذا أردنا تفسير عملية استهداف زهران علوش في هذه الفترة الحرجة من عمر الثورة السورية؛ فإنها تأتي في سياق القضاء على القيادات السنية البارزة المحركة للثورة لا سيما عقب وجود توافق أمريكي روسي على مستقبل النظام السوري، يؤكده ما ذكرته صحيفة “الرأي” الكويتية عن وجود توافق روسي أمريكي حول إمكانية ترشح الرئيس السوري بشار الأسد لفترة رئاسية مقبلة عقب توقيع اتفاق سياسي. إذا نجح مثل هذا الاتفاق فإن ذلك يذكِّر بما فعله الموساد الصهيوني قبل توقيع اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية والصهاينة حيث تم تصفية جميع القيادات الرافضة للاتفاق أمثال أبو جهاد وصلاح خلف وأبو إياد وغيرهم كثيرون من رافضي المساومة على الحق الفلسطيني.
في الختام، إذا كان ثوار سوريا يريدون أن يتركوا لغارات النظام السوري وحلفائه في واشنطن وموسكو وطهران تحديد مسار الثورة، فإن أُولى بوادر ذلك، الانحناء أمام الفاجعة التي أصابتهم مؤخراً بخسارة الشهيد زهران علوش، لكن التجارب علمتنا أن ارتقاء شهيد إلى الجنان يجعل الله من دمائه شعلة يحملها بعده صف من الأنقياء الذين يبتغون حرية شعبهم وهزيمة أعدائهم… فلسطين وأهلها تقاتل منذ 67 عاماً ولم تنحن أمام فظائع العدو الصهيوني، قدمت الكثير من قادتها وخانها قلة من أبنائها لكن شعلة الثورة مضيئة بدماء الخيرين من أبنائها..
المصدر: البيان.