اعتراف أعداء الأمة الإسلامية بعدالتها – نماذج وشهادات
بقلم د. علي الصلابي (خاص بالمنتدى)
بلغت عدالة هذه الأمة يوم أن كانت في أوج قوتها، ونفوذ سلطانها، وقدرتها على البطش، والظلم ـ إن أرادت ـ حدّاً أذهل الأعداء، والخصوم، وجعلهم مشدوهين أمام عظمة هذه الأمة، والدين الذي تدين به، وتدعو الأمم إليه، ومما جعلهم ـ على ما في قلوبهم من غلٍّ، وحقدٍ، وحسد ـ يشيدون بعدالة هذه الأمة، وسماحتها، وقيامها بالقسط مع خصومها، ومن يعيش في كنفها من أهل الديانات الأخرى قبل أبنائها، ومواطنيها، فنطقت ألسنتهم بما رأوا، ولمسوا من العدل، والإنصاف، والسماحة التي عاشوها، وعوملوا بها في رحاب هذه الأمة، وتحت سلطانها، وحين تأتي الشهادة لهذه الأمة من الأعداء والخصوم؛ فهي شهادة غير متَّهمٍ، ولا محابٍ، بل هي شهادة عدو، وخصم أنطقه واقع العدل الذي نعم به في جوار هذه الأمة، والرحمة التي مسته مما لم يجد لها مثيلاً حتى من بني قومه، وعقيدته.
وقديماً قيل: والفضل ما شهدت به الأعداء.
وهذه مجموعة من اعترافات، وشهادات الأمم، وأهل الأديان الأخرى بعدالة هذه الأمة، وإنصافها لمن عاش تحت شريعتها منهم:
1 ـ روى البلاذري من طريق سعيد بن عبد العزيز؛ قال: بلغني: أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع، وبلغ المسلمين إقبالُهم إليهم لوقعة اليرموك؛ ردُّوا على أهل حمص(الحموي، 1989،ح2، ص302) ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، وقالوا: قد شغلنا عن نصرتكم، والدفع عنكم، فأنتم على أمركم. فقال أهل حمص: لَوِلايتكم، وعدلكم أحبُّ إلينا مما كنا فيه من الظلم، والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم….(البلاذري،1987، ص143)
وكان أهل حمص نصارى، صالحهم المسلمون على أن يدفعوا الجزية، والخراج، ويتكفل ولي أمر المسلمين بحمايتهم، ودفع الأعداء عنهم، وقد كانوا قبل حكم المسلمين تحت حكم الروم، وهم على دينهم. فلما رأى المسلمون: أنهم غير قادرين على الوفاء لهم بشرط الحماية؛ ردُّوا عليهم ما أخذوا منهم، فأكبر ذلك أهل حمص ؛ لأنهم لم يعهدوا مثله في أمة غير المسلمين، وأشادوا بعدل المسلمين، وحسن ولايتهم عليهم، وأنَّهم أحب إليهم من الروم مع كونهم على دينهم. وهذه شهادة صريحة بعدالة هذه الأمة التي مارست منهج القرآن في حياتها.
وهذا اعتراف اخر، وشهادة أخرى من أهل وادي الأردن: لقد كتبوا إلى قائد المسلمين انذاك ـ وهو أبو عبيدة عامر بن الجراح، رضي الله عنه ـ معربين عن تمنِّيهم لحكم المسلمين؛ لما لمسوا من عدالتهم، ووفائهم، ورأفتهم بهم، وأنهم يفضلونهم على الروم؛ وإن كانوا على دينهم قائلين: (يا معشر المسلمين! أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، أنتم أوفى لنا، وأرأف بنا، وأكفُّ عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا، وعلى منازلنا).
2 ـ شهادة المستشرق توماس وارنولد:
يقول في كتابه: (الدعوة إلى الإسلام) وهو يتحدث عن اضطهاد الفرس للمسيحيين موازناً بين سلوكهم، وسلوك المسلمين: ولكن مبادئ التسامح الإسلامي حرَّمت مثل هذه الأعمال ـ التي كان يمارسها الفرس على رعاياهم من المسيحيين التي تنطوي على الظلم ـ بل كان المسلمون على خلاف غيرهم؛ إذ يظهر لنا: أنهم لم يألوا جهداً في أن يعاملوا كلَّ رعاياهم من المسيحيين بالعدل، والقسطاس.
وقال عن إيثار أهل القدس، وفلسطين لحكم المسلمين، واغتباطهم به: (ومن المؤكد: أن المسيحيين من أهالي هذه البلاد ـ أي: القدس ـ قد اثروا حكم المسلمين على حكم الصليبيين).(تومانس،1957،ص116)
3 ـ شهادة واعتراف المستشرق الأمريكي «وول ديورانت»:
وهذا مستشرق يهوديٌّ صهيونيٌّ حاقدٌ، وضع في كتابه (قصة الحضارة) السم في الدَّسم، وطعن في الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم وتعرض للمسيح ـ عليه السلام ـ بالطعن كثيراً، مما يجعلني أن أحذر من هذا الكتاب، وأذكر من أراد أن يطلع عليه أن يتوخى الحذر، ويتنبه لتلك السموم التي نشرها في كتابه هذا، ومع هذا أراد الله أن يظهر الحق على لسان هذا العدوِّ اللدود. يقول «ديورانت» مبيناً أوضاع حال أهل الذمة الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية: ولقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون واليهود، والصابئونيتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجةٍ من التسامح لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم، ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زِيٍّ ذي لون خاص، وضريبة عن كل شخص، تختلف باختلاف دخله.. ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها: الرهبان، والنساء، والذكور الذين هم دون البلوغ، والأرقاء، والشيوخ، والعجزة، والعمي، وذوي الفقر الشديد. وكان الذميُّون يعفون في نظير هذه الضريبة من الخدمة العسكرية… ولا تفرض عليهم الزكاة… وكان لهم على الحكومة أن تحميهم.(ديورانت،1988،ج13، ص 131)
وهذا الشاهد التاريخي من مستشرق يهودي صهيوني يثبت: أن المسلمين في الأندلس عاملوا أهل ذمتهم وفق القواعد التي وضعها، وحدَّدها الإسلام، وهي قواعد توفر لأهل الذمة الحماية، وعدم الظلم، وتسبغ الرحمة، والعطف على الفقراء، وذوي الأعذار، وتوفر لهم حرية ممارسة دينهم، وحرية الاكتساب، وهذا غاية العدل، بل هو إلى الفضل أقرب.
4 ـ اعتراف المستشرق «ستانلي لين بول»:
نقل عنه صاحب (قصة الحضارة) العبارة التالية: لم تنعم الأندلس طول تاريخها بحكم رحيم، عادل كما نعمت به في أيام الفاتحين.
ثم عقَّب المستشرق اليهودي ـ بقوله ـ: (ذلك حكم يصدره مستشرقٌ مسيحي عظيم) ثم غلب عليه حسده، وخبثه، وحقده، وأراد أن يقلل من شأن هذه الشهادة والإشادة مع اعترافه بصحة حكم ستانلي، قائلاً: (قد يتطلب تحمُّسه شيئاً من التقليل من ثنائه، لكن هذا الحكم بعد أن نقص منه ما عساه أن يكون فيه من التحمس يظلُّ مع ذلك قائماً صحيحاً).(ديورانت، 1988،ج13، ص 292)
______________________________________________
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، الوسطية في القرآن الكريم، مكتبة الصحابة،1422ه-2001م صص99-95
الذهبي، ميزان الاعتدال، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت. 1382 هـ – 1963
شهاب الدين بن عبد الله الحموي، معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، بيروت، طبعة 1399 هـ- 1989م.
أبي العباس البلاذري، فتوح البلدان، مؤسسة المعارف، بيروت، طبعة 1407 هـ- 1987م.
الشهرستاني، الملل والنحل، محمد عبد الكريم، تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل، مؤسسة الحلبي وشركاه، 1387 هـ/ 1968م.
ويل ديورانت، قصة الحضارة، دار الجيل، بيروت، 1408 هـ – 1988 م
سير تومانس، الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إبراهيم وزملائه، نشر مكتبة النهضة، الطبعة الثانية، 1957م.