اعترافٌ إسرائيلي بخسارة معركة القدس
كَتب مُحلِّل صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية Zvi Bar’el يوم 15 ماي الجاري، وهو أستاذ تاريخ الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي بالجامعة العبرية بالقدس، مقالا ذا دلالة، ترجمة عنوانه الحرفية كالتالي: “وهي تبحث عن انتصار على حماس في غزة، خسرت إسرائيل معركة القدس”. وفي تدوينة له، قال الكاتب والمصور الإسرائيلي “يوسي جربيتس”، نقلتها شبكة “الجزيرة” أن “إحدى الأكاذيب التي أصبحت حقيقة مقبولة هنا، وهي تثير اشمئزازي بشكل خاص- الادِّعاء بأن حماس تطلق النار من المباني المدنية”. واعتبر ذلك منافيا لقوانين الفيزياء. وتداولت شبكات التواصل الاجتماعي فيديوهاتٍ لا حصر لها لصحفيين أمريكيين بالخصوص يجهرون بعدائهم للكيان الإسرائيلي ويؤيدون تماما ما تقوم به المقاومة الفلسطينية باعتباره حقا مشروعا. كما لم يعُد خافيا اشمئزاز أغلب صحفيي العالم من ذلك الموقف الأمريكي المؤيد بطريقة عمياء للكيان الصهيوني الرافض لإدانة حتى قتل الأطفال الأبرياء، كما حدث مع الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد بريس.
إذا أضفنا إلى هذا أنه لم تخرج في العالم ولا مظاهرة واحدة مؤيدة للعدوان الإسرائيلي، كما كان يحدث في العقود السابقة، عندما كانت الدعاية الصهيونية تستعطف العالم بزعم أن العرب سيرمون اليهود في البحر لتبرير جرائمها المعروفة، وكيف كسبت في المقابل القضية الفلسطينية تعاطف كل شعوب المعمورة، وأصبح يُنظَر إليها بالفعل كقضيَّة شعبٍ اغتُصِبت أرضُه ويتم الاعتداء عليه باستمرار…
يتأكد لنا بحق كيف أن الكيان الإسرائيلي خسر بالفعل اليوم وإلى الأبد من خلال هذه المقاومة الباسلة معركة القدس، وتم دفن فكرة أنها عاصمة موحّدة وأبدية للكيان الإسرائيلي إلى غير رجعة.
ولم يعُد بإمكان أيِّ دولة أخرى التجرُّؤ على الاعتراف بذلك بعد اليوم. وهذا نصرٌ مبين.
فضلا عن هذا، فإنَّ صورة الإسرائيلي المظلوم والمُعتَدى عليه والبريء قد انقلبت إلى عكسها تماما.. إنه اليوم المتجبِّر والمتعجرف بالأسلحة الفتَّاكة والمستقوي بالأسلحة النووية لقتل الأطفال الأبرياء ومَنع أصحاب الأرض من حقهم في الحياة.
كما أن العالم اليوم لم يعُد يرى في الكيان الإسرائيلي تلك الدولة الصغيرة التي يحيط بها أعداءٌ عرب من كل جانب وهي تحاول البقاء:
لقد أدى التطبيع فعله العكسي، وأصبحت كافة الأنظمة العربية المحيطة بالكيان أنظمة صديقة، واكتشف العالم حقيقة الصراع على الأرض بين شعب صغير مضطَهَد وقوة نووية تملك أفتك الأسلحة تحاول مَنعه من الحق في الحياة، وتعتدي على مقدساته وتهجِّره من أرضه قسرا ومن غير وجه حق.
لذلك، فإنه مهما كانت تضحيات الفلسطينيين اليوم البشرية والمادية كبيرة، يكفي أنها حققت هذا، قضت على فكرة القدس عاصمة أبدية للكيان الإسرائيلي، ووحَّدت الشعب الفلسطيني في معركته ضد الاحتلال، لا فرق بين الضفة والقطاع والأراضي المحتلة سنة 1948 واللاجئين خارج فلسطين. بعبارةٍ مختصرة، لقد أعلنت بداية تحول كبير في طبيعة الصراع في المنطقة، وفتحت باب الأمل واسعا ليأخذ التاريخ مجراه، ويستعيد أصحابُ الأرض أرضهم المغتصبة ولو بعد حين.
(المصدر: صحيفة الشروق الالكترونية)