استهدفت باب الأسباط والمقبرة اليوسفية.. انتهاكات متتالية بالأقصى وتحذيرات مما هو أخطر
منذ يوم الجمعة الماضي، تتصاعد الانتهاكات الإسرائيلية داخل المسجد الأقصى المبارك وفي محيطه، وتتخذ منحى خطيرا.
وجاء الانتهاك الأول بالتزامن مع رفع أذان خطبة الجمعة الماضية، إذ بثت الشرطة الإسرائيلية تعليمات باللغتين العربية والعبرية للمصلين، تطالبهم من خلالها بالتباعد وارتداء الكمامات وعدم التجمهر.
واستخدمت الشرطة مكبرات الصوت التي رُكّب جزء منها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على سطح مدرسة ثانوية الأقصى الشرعية قرب مئذنة باب الأسباط، وعند باب المطهرة في الرواق الغربي للمسجد.
لكن مكبّرات الصوت الأقدم تم تثبيتها بعد هبّة البوابات الإلكترونية مباشرة عام 2017 على سطح المدرسة العمرية قرب مئذنة باب الغوانمة، وحينها بدأ الاحتلال التأسيس لنظام صوتي يوازي نظام الصوتيات التابع لدائرة لأوقاف الإسلامية، وسمح لنفسه قبل أيام بتوجيه التعليمات للموجودين في المسجد الأقصى.
ولا يستبعد أن تستخدم مكبرات الصوت مستقبلا لبث كل ما تريده الشرطة لترهيب المصلين وتفريق التجمعات بشكل أسهل، أو لبث إرشادات بالعبرية للمقتحمين وإقامة الصلوات التلمودية، كما يقول مقدسيون.
مشاركة خليجيين مطبعين
الانتهاك الثاني تمثل بقيام أفراد من جماعات الهيكل بوضع شمعدان عيد الأنوار (الحانوكاه) يوم الأحد الماضي ملاصقا لباب الأسباط، أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، كما تجمهر المتطرفون أمام باب المجلس مساء يوم الاثنين حاملين الشمعدان مطالبين بإدخاله للأقصى.
وأدان الشيخ محمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، وخطيب المسجد الأقصى المبارك، في بيان أصدره صباح اليوم “اقتحام مئات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، بحجة الأعياد اليهودية، وتنظيمها مسيرة ليلية عند أبواب المسجد، حاملة معها شمعدانا ضخما، وضعته عند بعض أبواب المسجد من الجهة الخارجية، وأدى المستوطنون خلال ذلك الصلوات الخاصة بالعيد، في مشهد عدواني واضح يمس بقدسية المسجد، ويفتح المجال واسعاً للاضطرابات في باحاته”.
كما استنكر الشيخ حسين هدم جرافات الاحتلال سور مقبرة “الشهداء” في الجزء الشمالي لمقبرة اليوسفية، تمهيداً لاقتحامها، وطمس القبور، وتحويلها إلى مسار للحديقة “التوراتية”، وتضم مقبرة الشهداء قبور عدة لشهداء عرب ارتقوا عام 1967، وقبور أخرى للموتى من أهالي المدينة.
وهو تطور خطير، يقول عبد الله معروف أستاذ دراسات بيت المقدس في جامعة “إسطنبول 29 مايو”، مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في المسجد الأقصى سابقا، إن “الجماعات المتطرفة لم تكن لتحلم به لولا أن رأى العالم أجمع الشمعدان أمام أعلى برج في العالم بدبي”.
ويحتفل اليهود بعيد الأنوار إحياء لذكرى “تدشين الهيكل الثاني” في القدس عام 164 قبل الميلاد، بعد تدنيسه من قبل عساكر المملكة السلوقية، وإعادة حرية العبادة للشعب اليهودي بعد حقبة من القهر القاسي.
ومن أبرز طقوس هذا العيد وتقاليده إشعال الشموع في الشمعدان الثماني بعد غروب الشمس على مدار 8 ليال، وتلاوة صلوات خاصة خلال إشعال الشموع في العيد الذي “يحيي ذكرى تحرير القدس وإعادة تكريس الهيكل ومعجزة الزيت”.
وشارك في طقوس إشعال الشمعدان وفد إماراتي وبحريني من نشطاء منصات التواصل في حائط البراق، بعد أيام من الاحتفال بعيد الأنوار في دبي، كما أظهرته تسجيلات مصورة بثها بعضهم على الإنترنت.
وبحسب معروف، فإن “نصب الشمعدان ملاصقا لباب الأسباط لم يكن ليحدث لولا أن الدول العربية المطبعة حاليا مع دولة الاحتلال، أعطت الضوء الأخضر من خلال بعض التصرفات الواضح أنها تتفق مع الرؤية التي طرحها جاريد كوشنر، والتي تعيد تعريف المسجد وتجعله مقصورا على المباني فقط، وعلى رأسها المصلى القبلي الذي تبلغ مساحته 3.5% فقط من مساحة الأقصى، بينما تعتبر الساحات التي تشكل 96.5% من مساحته، عامة وليست مقدسة للمسلمين.
موطئ قدم للاحتلال في الأقصى
ويقول معروف “لأول مرة في التاريخ الحديث نجد أن بعض الدول والأنظمة العربية تساعد الاحتلال على أن يكون له موطئ قدم داخل حدود الأقصى”.
وأعرب عن أسفه من أن الإمارات بمواقفها الأخيرة الداعمة للاحتلال بالكامل، وضعت نفسها في مواجهة الشعوب العربية والإسلامية، والعقيدة التي يؤمن بها أكثر من خُمس سكان الكرة الأرضية.
وأضاف “الأقصى بالنسبة للشعوب لا يتعلق برؤية سياسية وإنما بعقيدة يؤمن بها المسلمون في كل الأرض، وبالتالي فإن الإمارات وضعت نفسها في مواجهة الشعوب، وهذه المواجهة لن تخرج منها إلا خاسرة لأن الوقوف أمام الشعوب أثبت خسارته دائما”.
مزيد من التوغل
الشمعدان الذي ينصب اليوم ملاصقا لباب الأسباط كان ينصب سابقا في ساحة الغزالي القريبة منه، على أمل أن يتمكن المتطرفون حينها من الاقتراب أكثر، ولا يستبعد معروف أن تحاول جماعات الهيكل إدخال الرموز التوراتية -ومنها الشمعدان- للمسجد، خاصة بعد مطالبة “منتدى المعبد” في حزب الليكود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاثنين بإيقاد شمعدان الأنوار داخل الأقصى.
واعتبر أعضاء المنتدى أن “من غير المناسب أن يستمر اليهود في الاحتفال بعيد الأنوار خارج جبل المعبد رغم مرور ألفي عام على الشتات، ورغم وجود جبل المعبد تحت السيادة اليهودية”.
الأردن تنبه لخطورة التطورات الأخيرة، وهذا ما دفع الملك عبد الله الثاني -وفقا لعبد الله معروف- للتأكيد مرة أخرى في خطاب العرش قبل أيام، على أن المسجد الأقصى هو كل المساحة البالغة 144 دونما.
وترجمت إحدى المتطرفات المقتحمات للمسجد الأقصى الاثنين عدم اكتراثها بقدسية هذه الساحات، عبر مساعدة طفلها خلال الجولة الاقتحامية على قضاء حاجته تحت شجرة في الساحة الشرقية داخل الأقصى، بحسب شهود عيان.
ولا يمكن فصل الانتهاكات الثلاثة الأخيرة عما يجري منذ يومين من اعتداءات على مقبرة اليوسفية الإسلامية التي تمتد من منطقة برج اللقلق حتى باب الأسباط، على مساحة 14 دونما.
وعمدت جرافات بلدية الاحتلال على تدمير باقي الدرج التاريخي المؤدي إلى مقبرة اليوسفية والمسجد الأقصى المبارك، وهدمت الجزء الغربي من سور أرض “صرح الشهداء”، على أن تكمل أعمال التجريف والهدم تمهيدا لإقامة “حديقة توراتية” في المكان.
الخطوة الأخطر
التطورات الأخيرة التي تحدث في المسجد الأقصى وحوله من قبل جماعات الهيكل المتطرفة والحكومة الإسرائيلية، تبين -بحسب معروف- أن هذه الجماعات ترى أن الوقت الآن أصبح مناسبا لكي تتقدم نحو الخطوة الأخطر والأكبر، وهي الوجود الدائم داخل الأقصى، عبر اقتطاع جزء من أرضه وتخصيصها لليهود، وهذا الهدف لم يكن خفيا بل معلنا لدى هذه الجماعات.
وختم حديثه للجزيرة نت بأن ما يغيب دائما عن ذهن الساسة الإسرائيليين والأميركيين والعرب هو الشعب الفلسطيني في مدينة القدس الذي لن يسمح بمرور هذه المخططات، وخير مثال على ذلك وقفتهم المشرفة للدفاع عن الأقصى خلال هبّة البوابات الإلكترونية صيف عام 2017 وهبّة باب الرحمة شتاء عام 2019.
وقال “المقدسيون لن يقبلوا أن يكونوا الطرف الذي لا يحسب حسابه في هذه المعادلة، وساسة الاحتلال يخطئون خطأ إستراتيجيا كل مرة في إغفال قدرة المقدسيين على قلب المعادلة بمعادلة الردع الجماهيري في المدينة”.
(المصدر: الجزيرة)