استمرار الاحتجاجات.. لماذا غضب العلمانيون من تعيين أردوغان رئيس جامعة البوسفور؟
إعداد زاهر البيك
للأسبوع الثاني على التوالي تستمر الاحتجاجات بتأييد من أحزاب المعارضة على تعيين الرئيس رجب طيب أردوغان شخصا مقربا من حزبه رئيسا لجامعة البوسفور (بوغازيتشي) في إسطنبول والتي تعتبر أحد معاقل العلمانية الأتاتوركية، مما ينذر باتساع رقعتها.
وتعود هذه الاحتجاجات بذاكرة الأتراك إلى العام 2013 حينما اندلعت المظاهرات احتجاجا على قرار أردوغان تشييد مسجد في حديقة “غيزي” الواقعة بجوار ميدان تقسيم والمعروفة برمزيتها الأتاتوركية العلمانية.
والبوسفور هي جامعة حكومية تركية مرموقة مقرها إسطنبول، وتقع في القسم الأوروبي منها، وكانت قد احتلت المركز الثالث على مستوى الجامعات التركية خلال تصنيف عام 2018، والمرتبة 616 على مستوى الجامعات العالمية.
ويبلغ عدد طلاب الجامعة حوالي 15 ألف طالب، وتضم 700 مدرس أكاديمي وأستاذ جامعي.
ونشر أردوغان مرسوما رئاسيا يقضي بتعيين ميليح بولو، الحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال، رئيسا للجامعة.
احتجاجات ومواجهات
وفجرت الخطوة غضبا بين بعض طلاب وأكاديميي الجامعة الذين اعتبروها تدخلا في شؤونها، فهذه المرة الأولى منذ عام 1980 التي يجري فيها تعيين رئيس للجامعة من خارج هيئتها التدريسية.
وبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة يوم 15 يوليو/تموز 2016، أصبح يحق لرئيس الجمهورية -وفق الدستور التركي- تعيين رؤساء الجامعات.
وبعد يومين من قرار التعيين، اندلعت مواجهات بين قوات الأمن وبعض طلبة الجامعة الذين عدوا التعيين عملية غير ديمقراطية، وحمل الطلبة لافتات كتب عليها “ميليح بولو ليس رئيسنا” و”لا نريد رئيسا معينا من طرف الدولة”، كما أطلقوا وسما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقدوا فيها تعيين بولو.
كما اعتصم عدد من أساتذة الجامعة في إحدى ساحتها مرتدين الزي الأكاديمي وأداروا ظهورهم لمكتب الرئيس الجديد، بالتزامن مع توليه مهامه الجديدة وهتفوا “أطلقوا سراح طلابنا على الفور”.
ووثقت مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل مئات الطلبة يعتصمون في حرم الجامعة وعلى مدخلها، قبل أن تفض قوات الأمن الاعتصام.
وقال أحد طلاب الجامعة في تغريدة عبر تويتر “الاحتجاجات لم تلق أي تفاعل من قبل وسائل الإعلام الرسمية”، مضيفا أنهم “يبذلون قصارى جهدهم لإبقاء أصوات الشباب المحتجة صامتة على تعيين رؤساء الجامعات”.
من جهته، أشار طالب آخر في تغريدته إلى أنه “وفق الدستور يحق لرئيس الجمهورية تعيين عمداء الجامعات”، مبينا أن “المظاهرات تخللتها أعمال تخريبية واستفزازية وهذا مخالف للقانون”.
معالجة أمنية
وأفادت وسائل إعلام تركية بأن الشرطة أوقفت 105 أشخاص في المظاهرات، وفي بيان لوالي إسطنبول قال فيه إن قوات الشرطة أوقفت المتظاهرين في ميدان “قاضي كوي” بعد أن خرقوا قرار حظر التظاهر، وقاوموا رجال الشرطة وتسببوا في أضرار في الممتلكات العامة وسيارات الشرطة، كما تم توقيف 11 مشتبها فيهم بمنطقة “صاري يار” أثناء محاولتهم التوجه إلى ميدان التظاهر.
وذكر البيان أنه تم الإفراج عن 76 من الموقوفين، في حين تستمر إجراءات توقيف 29 آخرين، معظمهم ليسوا طلابا.
يذكر أن المظاهرات كانت طلابية بالأساس في الجامعة، لكن رقعتها اتسعت بعد قيام عدد من المتظاهرين المنتسبين لجمعيات حقوق الشواذ جنسيا بعرض صورة مسيئة للكعبة، الأمر الذي أدى إلى خروج مظاهرات أخرى منددة بالإساءة للكعبة في الصور التي رفعها بعض الطلبة المحتجين.
من جهته أعلن وزير الداخلية سليمان صويلو على حسابه في تويتر اعتقال 4 مشتبه بهم في إطار التحقيق في انتهاكات الكعبة المشرفة خلال مظاهرة أمام جامعة بوغازيتشي.
وأصدر خريجو جامعة بوغازيتشي بيانا طالبوا فيه برئيس آخر للجامعة ليس عن طريق التعيين ولكن عن طريق الانتخاب.
وبينما استمرت الاحتجاجات رغم حظر التجوال المعلن، أعلن ظافر ينال مستشار رئيس جامعة بوغازيتشي استقالته من منصبه عبر حساب “لينكد إن” الخاص به، وقال “لقد استقلت من منصبي كمستشار لرئيس جامعة بوغازيتشي حتى لا أرى جامعة ذات أبواب مقيدة مرة أخرى”، في إشارة إلى إغلاق الشرطة بوابة الجامعة لمنع المحتجين من التدفق إليها.
كما قرر مجلس شيوخ جامعة بوغازيتشي والمجلس التنفيذي للجامعة إلغاء الاجتماع مع رئيس الجامعة ميليح بولو بسبب “ظروف الجامعة”.
مواقف سياسية
وبينما لم يصدر أي تعليق من جانب حزب العدالة والتنمية الحاكم بشأن الاحتجاجات التي لاقت تفاعلا داخل الأوساط التركية بين مؤيد ومعارض، صرح رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي بأن هناك نية لإطلاق أعمال شغب من جامعة بوغازيتشي تشبه أحداث حديقة غيزي، قائلا “إنها مؤامرة يجب سحقها”.
وأضاف بهجلي، مدافعا عن قرار تعيين مليح بولو، أنه “شرعي وصالح من الناحية القانونية”.
وبينما هاجم فري برايفت نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري المعارض قرار الرئيس أردوغان، وأعلن دعم حزبه للمتظاهرين، هنّأ المرشح الرئاسي محرم إنجه الطلاب على ما أقدموا عليه، وقال “يجب إعادة انتخابات رئيس الجامعة على الفور”.
احتواء الأزمة
وفي السياق، ذكر الكاتب الصحفي التركي طه عودة أوغلو أن “الحكومة التركية تحاول حل هذه المشكلة وحصرها في الجامعة وعدم تمددها إلى مدن أخرى، وهي تقول إن المظاهرات تتجاوز الخطوط الحمراء بالخروج في ساعات حظر التجوال، إضافة إلى اتهام بعض الجهات بإثارة هذه المظاهرات لتعكير الأجواء”.
وقال عودة أوغلو للجزيرة نت إن الرئيس أردوغان لن يتراجع عن خطوة التعيين كون تراجعه سيشجع المعارضة على الضغط عليه في قرارات أخرى.
ولفت إلى أن هدف استمرار المظاهرات هو توصيل رسالة إلى الحكومة بأن المعارضة لديها القدرة على تحريك الشارع في أي وقت، مرجحا احتواء الأزمة في أقرب وقت كما تم احتواء أزمة حديقة غيزي سابقا.
(المصدر: الجزيرة)