استقلال السنة بتشريع الأحكام (تأصيل ودفع شبهة)
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
أعذر الله تعالى إلى خلقه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حيث جعل طاعتَه كطاعة الله سبحانه؛ فقال عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]، والمعنى: من يطع منكم -أيها الناس- محمدًا صلى الله عليه وسلم فقد أطاعني بطاعته إيَّاه، فاسمعوا قولَه وأطيعوا أمرَه، فإنَّه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي، فلا يقولنَّ أحدُكم: “إنما محمد بشرٌ مثلنا، يريد أن يتفضَّل علينا”!([1]).
ومع وضوحِ هذا الأمرِ واستقراره في قلبِ كلِّ مؤمن اعتقادًا وإيمانًا، وانعقاد إجماع علماء الأمة عليه؛ فقد خالفته طوائف من منكري السنة النبوية([2])؛ محاولين تفريغَ السنة النبوية من مقصودها الأسمى ومرادها الأعلى -أعني: الاحتجاج بها-؛ بدعوى أنها غيرُ صالحة لتشريع حكمٍ لم يرد في القرآن الكريم، ويعتبرون الأحكامَ التي دلَّت عليها السنةُ وسكَت عنها القرآن مخالفةً للقرآن، وما يخالِف القرآنَ يكون باطلًا([3]).
وفي هذِه الورقةِ العلميةِ إبطالٌ لتلك الشبهة وتفنيدٌ لها من وجهين صحيحين:
أولهما: التأصيل العلمي لاستقلال السنة بالتشريع.
وثانيهما: دفع ما استَند إليه أهل البدع في تقرير شبهَتهم.
أحوال السنة مع القرآن الكريم:
قبل الولوج إلى صلب الموضوع نقدِّم ببيان أحوال السنَّة النبوية مع القرآن الكريم في دلالتها على الأحكام، وقد قرَّر علماء الأصول أنها على ثلاثةِ أقسامٍ لا رابعَ لها، وهي([4]):
القسم الأول: أن تكون السنةُ موافقَة للقرآن من كلِّ وجه؛ فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلةِ وتضَافُرها. ومن أمثلته: قوله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجّ، وصوم رمضان»([5]).
القسم الثاني: أن تكونَ بيانًا لما أريد بالقرآن وتفسيرًا له، كما كانت سنته صلى الله عليه وسلم في تبيين عدد ركعات الصلاة وصفتها، على أصل جملة فرض الصلاة، ونحو ذلك.
القسم الثالث: أن تكون مثبتة لحكم سكت عنه القرآن؛ إيجابًا أو تحريمًا، وهذا القسم هو المقصود بالدراسة في هذه الورقة.
وتجدُر الإشارةُ إلى أن بعضَ أهل العلم قبلوا القسمَ الثالث وجعلوه داخلًا في القسم الثاني؛ حيث رأوا أنَّ تلك الأحاديثَ تندرج تحت نصوصِ القرآن بوجهٍ من الوجوه([6]).
ولا ينبغي الوقوفُ كثيرًا أمام هذا الخلاف بين العلماء المتقدِّمين؛ إذ هو من قبيل الخلاف اللفظيِّ الذي لا يترتَّب عليه أثرٌ؛ فإن كلًّا من الفريقين يعترف بوجودِ أحكامٍ في السنة لم تثبت في القرآن، ولكن أحدهما لا يسمِّي ذلك استقلالًا، والآخر يسمِّيه، والنتيجةُ واحدة([7]).
إذا تبين هذا: فقد تضافرت الأدلَّة من الكتاب والسنة والاستقراء والمعقول على استقلال السنة بالتشريع، كما اتفق العلماء على ذلك، وقبِلوه من غير نكيرٍ؛ وتفصيلُ ذلك في الفقرات الآتية:
الوجه الأول: التأصيل العلميُّ لاستقلال السنة بالتشريع:
أولًا: دلالة الكتاب على استقلال السنة بالتشريع:
وردت آيات كثيرةٌ مثبِتة لاستقلال السنةِ بتشريع الأحكام الشرعية، ومنها:
1- قول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
وجه الدلالة:
حتى يتَّضح وجه الدلالة من الآية لا بد من ذكر سبب نزولها؛ وهو ما رواه عبد الله بن الزبير: أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبيرَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شِراج([8]) الحَرَّة([9]) التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سَرِّح الماء([10]) يمرّ، فأبى عليهم، فاختصَموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: «اسقِ يا زبيرُ، ثم أرسلِ الماء إلى جارِك»، فغضِب الأنصاري، فقال: يا رسول الله، أن كان ابنَ عمَّتك؟! فتلوَّن وجه نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «يا زبير اسقِ، ثم احبِس الماءَ حتى يرجع إلى الجدر»، فقال الزبير: والله إني لأحسِب هذه الآيةَ نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا}([11]).
وبناءً عليه: فإنَّ هذا الحكمَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في كتابِ الله، ومع ذلك نزلَت الآيةُ تقرُّه وتؤيِّده، ثمَّ جاءَت بالوعيدِ الشَّديد في عدَم الرِّضا به.
2- وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
وجه الدلالة:
قرَّر العلماءُ أن الردَّ إلى الله هو الردُّ إلى كتابه، وأن الردّ إلى الرسولِ هو الرجوعُ إليه إن كان حيًّا، فإن قبضه الله إليه فالرد إلى سنته([12])، وعليه فإذا أثبتتِ السنة حكمًا زائدًا عما في الكتاب وجب امتثاله، أمرًا كان أو نهيًا.
3- وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92].
4- وقوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
5- وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} [محمد: 33].
6- وقوله تقدست أسماؤه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [التغابن: 12].
7- وقوله عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
وجه الدلالة من هذه الآيات:
في هذه الآيات الكريمة دلالة واضحة على أن طاعةَ الله سبحانه وتعالى ما أمر به ونهى عنه في كتابه، وأن طاعةَ الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن؛ إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله تعالى([13])؛ لما تقرر في القواعد: أن العطف يقتضي المغايرة.
وفي الآية الأخيرة دلالةٌ قاطعة على أنَّ طاعةَ الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما أمر كطاعةِ الله تعالى في وجوب الامتثال والاحتكام إليها.
8- وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وجه الدلالة:
في قوله تعالى: {عَنْ أَمْرِهِ} دلالة على اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء يُطاع فيه، وذلك الشيءُ هو الأحكام التي سكَت عنها الكتاب([14]).
9- وقوله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
وجه الدلالة:
لفظ الآية عامٌّ في وجوب امتثال أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونواهيه؛ ولذلك استدلَّ بها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على المنع من لبس المحرِم المخيطَ، ولعن الواشمة والواصلة في القرآن؛ لورود ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم([15]).
10- وقوله سبحانه: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
وجه الدلالة:
أنَّ الآيةَ يدخل فيها ما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كتاب الله، سواء كان فيما سنَّه نصٌّ من كتاب الله أو لم يكن؛ يقول الإمام الشافعي: “وقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كتاب الله، وسنَّ فيما ليس فيه بعينه نصُّ كتابٍ، وكلّ ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه، وجعل في اتباعِه طاعته، وفي العنود عن اتباعها معصيَته التي لم يعذر بها خلقًا، ولم يجعل له من ترك اتّباع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَخرجًا، وما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنَّه، وكذلك أخبرنا الله تعالى في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}”([16]).
ثانيًا: دلالة السنة على استقلالها بالتشريع:
1- عن المِقْدامِ بن معدي كَرب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا إني أُوتيتُ الكتاب ومثلَه معه، ألا يوشك رجلٌ شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه، ألا لا يحلّ لكم لحمُ الحمار الأهليّ، ولا كلّ ذي ناب من السبع، ولا لُقطة مُعاهد، إلا أن يستغنيَ عنها صاحِبُها، ومن نزل بقومٍ فعليهم أن يَقرُوه، فإن لم يقروه فله أن يعقبَهم بمثل قِراه»([17]).
2- وعن أبي رافع رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ألفين([18]) أحدَكم متَّكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري! ما وجدنا في كتاب الله اتَّبعناه»([19]).
وجه الدلالة من الحديثين:
أنَّ المراد بالمماثلةِ بين القرآن والسنَّة: المماثلة في الحجية ووجوب الاتِّباع والعمل بما فيهما، وليس المراد المماثلة من كلِّ وجهٍ.
وقد دلَّت الأحاديثُ على أنّه مهما ثبتَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجَّةً بنفسِه، ولا حاجة إلى عرضِه على الكتاب، وأنَّ السنة تأتي بما ليس في الكتاب من أحكام([20])؛ ولهذا يقول الحافظ الدارمي: “قوله: «أوتيت القرآنَ، وأوتيت مثلَه» من السنن التي لم ينطق بها القرآنُ بنصِّه، وما هي إلا مفسِّرة لإرادة الله به؛ كتحريم لحم الحمار الأهليِّ، وكلِّ ذي ناب من السباع، وليسا بمنصوصين في الكتاب”([21]).
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله» الحديث([22]).
وجه الدلالة:
في الحديثِ دلالةٌ على أنَّ طاعةَ الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به واجبةٌ، وأنَّ من أطاعه فيما جاء به -سواء كان موافقًا لما في القرآن أو بيانًا له أو زائدًا عما فيه- فقد أطاع اللهَ، كما في قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحجَّ، فحجوا»، فقال رجل: أكلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم»، ثم قال: «ذروني ما تركتُكم، فإنما هلَك من كان قبلكم بكثرةِ سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطَعتم، وإذا نهيتُكم عن شيء فدَعوه»([23]).
وجه الدلالة:
في قوله صلى الله عليه وسلم: «لو قلتُ: نعم لوجبت»، فقد علَّق الوجوبَ على قوله: نعم، وفي هذا دليلٌ على أنَّ للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بأحكامٍ ليست في القرآن، وسواء كان ذلك بطريقِ الاجتهاد أو عن طريقِ الوحي؛ يقول الإمام النووي: “فيه دليلٌ للمذهب الصحيحِ أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يجتهدَ في الأحكام، ولا يُشترط في حكمه أن يكونَ بوحيٍ، وقيل: يُشترط، وهذا القائلُ يجيب عن هذا الحديثِ: بأنه لعلَّه أُوحي إليه ذلك”([24]).
5- وعن أبي جُحَيفة رضي الله عنه قال: قلت لعلي رضي الله عنه: هل عندَكم شيءٌ من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: «لا والذي فلَق الحبةَ وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهمًا يُعطيه الله رجلًا في القرآن، وما في هذه الصحيفة»، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: «العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يُقتل مسلم بكافر»([25]).
6- وعن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: خطبنا عليٌّ فقال: ما عِندنا كتابٌ نَقرؤه إلا كتاب الله تعالى، وما في هذه الصحيفة، فقال: فيها الجراحات وأسنان الإبل: «والمدينة حَرَم ما بين عير إلى كذا، فمن أحدَث فيها حدثًا أو آوى فيها محدثًا فعَليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمَعين، لا يُقبلُ منه صرفٌ ولا عَدل، ومَن تولى غيرَ مواليه فعليه مثل ذلك، وذمَّة المسلمين واحِدة، فمن أخفَر مسلمًا فعليه مثل ذلك»([26]).
وجه الدلالة من الحديثين:
في الحديثين تصريحُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأن الصحيفةَ التي كانت معه فيها بعض السنن، وهي تشتمل على أحكام لم ترد في القرآن، ومنها: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر، وغير ذلك.
ثالثًا: استقراء الشَّريعة دال على استقلال السنة بالتشريع:
من تتبَّع أحكامَ الشريعة واستقرأها وقَف على أحاديثَ كثيرةٍ -تفوت الحصر- جاءت بأحكامٍ لم يُنصَّ عليها في القرآن الكريم، ومن الأمثلة على ذلك:
1- تحريم نكاح المرأة على عمَّتها أو خالتها: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجمع بين المرأة وعمَّتها، ولا بين المرأة وخالتها»([27]).
2- التحريم بالرضاعة لكلِّ ما يحرم بالنسب: فعن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنها أخبرته: أن عمَّها من الرضاعة -يسمَّى أفلح- استأذن عليها فحجبته، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: «لا تحتجِبي منه؛ فإنَّه يحرم من الرضاعة ما يحرُم من النسَب»([28]).
3- تحريم الحمُر الأهلية: فعن أبي ثعلبة رضي الله عنه قال: «حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحومَ الحمر الأهلية»([29]).
4- تحريم كلِّ ذي نابٍ منَ السباع: روى أبو ثعلبة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كلِّ ذي ناب من السباع([30]).
5- تحريم توريثِ المسلِم من الكافر والعكس: فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث المسلمُ الكافر، ولا الكافرُ المسلمَ»([31]).
وقد اتفق فقهاء الإسلام على الأخذ بهذه الأحكام.
رابعًا: دلالة المعقول على جواز استقلال السنَّة بالتشريع:
لا مانعَ عقلًا من جواز استقلالِ السنةِ بتشريع الأحكام ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم معصومًا من الخطأ، ولله تعالى أن يأمُر رسولَه بتبليغ أحكامِه إلى الناس من أي طريق، سواء كان بالكتابِ أو بغيره، وما دام جائزًا عقلًا، وقد وقع فعلًا باتفاق الجميع، فلماذا لا نقول به؟!([32]).
خامسًا: اتِّفاق أهلِ العلم على أن السُّنَّة تستقلُّ بتشريع بعض الأحكام:
اتَّفق أهلُ العلم على أن السنةَ النبويةَ قد تستقلُّ بتشريع بعض الأحكام الشرعية التي سكَت عنها القرآن؛ يقول الشوكاني: “اعلم أنه قدِ اتفق من يُعتدُّ به من أهل العلم على أن السنةَ المطهرة مستقلَّة بتشريع الأحكام، وأنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا وإني أوتيتُ القرآن ومثلَه معه»، أي: أوتيت القرآن وأوتيت مثلَه من السنة التي لم ينطق بها القرآن، وذلك كتحريم لحوم الحمر الأهلية، وتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلبٍ من الطير، وغير ذلك مما لا يأتي عليه الحصر”([33]).
لذا فقد أجمع المسلمون على أحكام شرعيةٍ ليس لها دليل إلا السّنة، ولم يرِد لها ذكر في كتاب الله تعالى، ومنها ميراث الجدة -أم الأم، وأم الأب- وأنها تأخذ السدسَ فرضًا؛ يقول أبو بكر بن المنذر: “وأجمَعوا على أن للجدةِ السدسَ إذا لم يكُن للميت أمّ”([34]).
سادسًا: الاقتصار على الاستدلال بالكتاب منهج أهل البدع:
الاقتصارُ على الاستدلال بالكتاب دونَ السنة رأيُ قومٍ لا خلاقَ لهم، خارجين عن السنة، وقد أدّى بهم هذا إلى الانسلاخ والخروج عن الجماعة، وأوقَعهم في تأويل القرآن الكريم على غير ما أنزل الله تعالى، ولهذا يقول الخطابي -في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: «يوشِكُ شبعانُ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن» الحديث-: “يحذِّر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من مخالفةِ السننِ التي سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس له في القرآن ذكر، على ما ذهبت إليه الخوارجُ والروافض، فإنهم تعلَّقوا بظاهر القرآن، وتركوا السننَ التي قد ضُمِّنت بيان الكتاب، فتحيَّروا وضلّوا”([35]).
وقد تفطَّن الصحابةُ -رضي الله عنهم- إلى هذا المسلَك المبتدَع، فحذَّروا منه:
- يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إنه سيأتي ناسٌ يجادلونكم بشبهاتِ القرآن، فخُذوهم بالسنن، فإن أصحابَ السنن أعلَم بكتاب الله عز وجل”([36]). فبيَّن عمر رضي الله عنه أنَّ الأخذ بالسنن وإعمالها هو الذي يدفع الشبهاتِ التي تحاك حولَ القرآن.
- ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: “إنكم ستجِدون أقوامًا يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورِهم، فعليكم بالعلمِ، وإياكم والتبدُّعَ، وإياكم والتنطُّع، وإياكم والتعمُّق، وعليكم بالعتيق”([37]). فكشف ابن مسعود رضي الله عنه عن طريقة أهل البدع في إظهارهم التمسُّك بكتاب الله، وهم في الحقيقة يتركونه وراءَ ظهورهم، وأنَّ العلمَ والتمسّكَ بالسنَن هو السبيل لردِّ شبهاتهم.
وقد تتابع العلماءُ على التحذيرِ من طرائقِ أهلِ البدع، بتأويل القرآن بآرائهم الكاسدة وطرح السنن وراء ظهورهم:
فهذا سعيد بن جبير يحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا، فيعترض عليه رجل بقوله: إن الله تعالى قال في كتابه كذا وكذا، فقال: “ألا أراك تعارض حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله تعالى، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أعلمُ بكتاب الله تعالى”([38]).
وهذا عبد الرحمن بن يزيد يرى محرمًا عليه ثيابُه، فنهى المحرم، فقال: ائتني بآية من كتاب الله تعالى بنزع ثيابي، فقرأ عليه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]([39]).
فهل يشكُّ عاقل بعد هذا البيانِ في استقلالِ السنة بأحكامٍ شرعية سكَت عنها القرآن؟! يقول ابن القيم: “بل أحكام السنةِ التي ليست في القرآن إن لم تكن أكثرَ منها لم تنقص عنها؛ فلو ساغ لنا ردُّ كل سنة كانت زائدة على نصِّ القرآن، لبطلت سنَن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلُّها إلا سنَّةً دلَّ عليها القرآن، وهذا هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع، ولا بدَّ من وقوع خبره”([40]).
الوجه الثاني: دفع ما استند إليه أهل البدعِ في تقرير شبهتهم:
لقد حاول بعضُهم تقويةَ شبهتهم القائلة بأن السنة لا تستقلُّ بتشريع الأحكام، وذلك عن طريق انتزاع بعضِ الآيات والأحاديث من سياقها، وفهمها بمنأى عن الآيات والأحاديث الأخرى في الموضوع، وتوظيفها في غير محالها، ومن ذلك:
أولًا: استدلالهم بقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]:
فأخذوا من الآية أنَّ الحكمَ والأمرَ والنهيَ والتشريع لا يكون إلا لله سبحانه، فليس للنبي صلى الله عليه وسلم أن يستقلَّ بإصدار أحكامٍ جديدة لم ترِد في القرآن، وما جاء في السنة من ذلك فهو مردود؛ لمخالفته القرآن.
دفع الاستدلال بالآية على شبهتهم:
الاستدلال بالآية الكريمة على قصر التشريع على الكتاب وحدَه دون الرجوع إلى السنة استدلالٌ خاطئ باطل؛ إذ فيه ضربُ الآيات القرآنيةِ بعضِها ببعض، وبيان ذلك:
أن الآية قصرت الحكمَ على الله تعالى، وهذا صحيحٌ، لكن على اعتبار أنَّ آيات القرآن الكريم الأخرى قد دلَّت على أن مِن حكم الله سبحانه امتثال طاعة رسوله فيما أمر والانتهاء عما عنه نهى وزجر، بل إن القرآن الكريم يجعل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كطاعة الله سبحانه؛ فقال عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]، ومما تدل عليه هذه الآية([41]):
1- أنه لا تعارضَ البتة بين القرآن والسنة، فما كان من السنة زائدًا على القرآن فهو تشريع مبتدَأ من النبي صلى الله عليه وسلم تجب طاعتُه فيه، ولا تحلُّ مخالفته أو الإعراض عنه بحال.
2- أنه ليس في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما زادَه من أحكام تقديمٌ للسنة على الكتاب؛ بل فيها امتثال لما أمر الله تعالى به من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
3- أنه لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطاعُ فيما زادَه من أحكام لم ترد في القرآن الكريم لم يكن لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصَّة به، وفي هذا إبطال لمعنى الآية الكريمة وغيرها من الآيات الدالة على طاعته صلى الله عليه وسلم، وقد تقدَّم بعضُها ضمن الوجه الأول.
ثانيًا: استدلالُهم بحديث: “ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله”:
زعم أصحابُ هذه الشبهة أنه قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم ما يؤيِّد عدم استقلال السنة بالأحكام؛ حيث قال: “ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فأنا قلته، وإن لم يوافقه فلم أقله”.
دفع استدلالهم بهذا الحديث:
روى سالم عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمر، لعلَّ أحدَكم متكئ على أريكته ثم يكذبني، ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فأنا قلتُه، وإن لم يوافقه فلم أقله»([42]).
وهذا الحديث قد حكم عليه العلماء بأنه حديث باطلٌ موضوع([43])؛ قال الشافعي: “ما روى هذا أحدٌ يثبت حديثُه في شيء صغُر ولا كبر”([44])، وقال أيضًا: “فهذا غير معروف عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا خلاف هذا”([45])، وقال السَّاجي: “هذا حديث موضوع عن النبي صلى الله عليه وسلم”([46])، وقال الدارقطني: “بلغني عن علي ابن المديني أنه قال: ليس لهذا الحديث أصلٌ، والزنادقة وضعت هذا الحديث”([47]). وإذا ثبَت هذا سقَط الاستدلال به.
ثالثًا: استدلالُهم بحديث: “إني لا أحرِّم إلا ما حرَّم الله في كتابه”:
ادَّعوا أن هذا الحديثَ يدلُّ على أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم لا يقول بتحريم شيء لم يرد في القرآن الكريم، كما لا يقول بحلِّ شيء لم يرد به القرآن.
دفع الاستدلال بهذا الحديث:
بداية: هذا الحديثُ مقتطَع من سياقه، ولو ردُّوه إلى سياقه لفهموه على وجهه الصحيح -إن ثبتت صحته-، وقد جاء من ثلاث طرق:
إحداها موصولة: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمسِكوا عليَّ شيئًا، فإني لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله في كتابه، ولا أحرِّم إلا ما حرَّم الله في كتابه»([48]).
وله طريقان أخريان منقطعتان:
الأولى: عن ابن أبي مليكة، أن عبيد بن عمير الليثي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصليَ بالناس -فذكر الحديث- إلى أن قال: فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه، وجلس إلى جنب الحُجَر يحذر الفتن وقال: «إني والله لا يمسك الناس عليَّ بشيء إلا أني لا أحلّ إلا ما أحلّ الله في كتابه، ولا أحرّم إلا ما حرم الله في كتابه»([49]).
والثانية: عن ابن طاوس، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: «لا يمسكنَّ الناسُ عليَّ بشيء؛ فإني لا أحلُّ إلا ما أحلَّ الله في كتابه، ولا أحرِّم إلا ما حرم الله في كتابه»([50]).
ويُدفَع استدلالهم بهذا الحديث بأمرين:
الأمر الأول: أنه حديثٌ ضعيف، لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما الرواية الموصولة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال الطبراني: “لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلا علي بن عاصم، تفرد به الزعفراني”، وعلي بن عاصم ضعيف، قال ابن عدي: “الضعفُ بيِّن عَلَى حديثه”([51])، وقال ابن القيسراني: “علي بن عاصم ضعيف”([52]).
وأما الطريقان الأخريان فهما منقطعتان؛ الأولى: من رواية عبيد بن عمير الليثي وهو ثقة من كبار التابعين([53])، وأقلّ أحوال الحديث أنه مرسل، قال ابن حزم: “هذا مرسل لا يصح”([54]). وقال الشافعي عن الرواية الثانية: “هذا منقطع”([55]). ومن المعلوم أن المرسلَ والمنقطعَ من أقسام الحديث الضعيف، فيكون الحديثُ مردودًا غيرَ محتجٍّ به، خاصّةً إذا أُضيف إلى ذلك معارضتُه للسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني: على التنزُّل وفرض التسليم بصحته؛ فإنه يقال لهم: وكذلك صنع صلى الله عليه وسلم وبذلك أمَر، ولم يخرج عن ذلك قيدَ أنملةٍ، وقد افترض الله سبحانه عليه أن يتَّبع ما أوحى إليه، ونشهد أنه صلى الله عليه وسلم قد اتَّبعه، وما لم يكن فيه وحي فقد فرض الله في الوحي اتباعَ سنته، فمن قبِل عنه فإنما قبِل بفرض الله؛ قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]([56])، والآيات والأحاديث متكاثرة متظاهرة على إثبات ذلك، وقد مر طرف منها في الوجه الأول.
الأمر الثالث: وعلى فرض صحَّة الحديث أيضًا؛ فإنه يقال: إن المراد بقوله: «في كتابه» يعني: فيما أوحى الله تعالى إليّ؛ وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظَ الكتاب وأراد به الوحيَ عمومًا من كتاب وسنة.
ودليل ذلك فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما: أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر -وهو أفقههما-: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلم، قال: «تكلم». قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا -قال مالك: والعسيف الأجير- زنى بامرأته، فأخبَروني أن على ابني الرجمَ، فافتديتُ منه بمائة شاةٍ وجارية لي، ثم إني سألت أهلَ العلم، فأخبروني أن ما على ابني جلدَ مائة وتغريبَ عام، وإنما الرجم على امرأته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والذي نفسي بيده، لأقضينَّ بينكما بكتاب الله، أمَّا غنمُك وجاريتك فردٌّ عليك»، وجلَد ابنَه مائة وغرَّبه عامًا، وأمر أُنيسَ الأسلميَّ أن يأتيَ امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها([57]).
ففي الحديث أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم استعمل لفظ: “ كتاب الله” على ما هو أعمُّ مما جاء في الكتاب؛ فقد حكم صلى الله عليه وسلم على العسيف بحكمين: أحدهما: الجلد وهو في كتاب الله تعالى، والثاني: التغريب عامًا، وهو حكم زائد في السنة ليس موجودًا في الكتاب، كما حكم صلى الله عليه وسلم على الجارية بالرجم، وهو حكم زائد لم يرد في القرآن تلاوةً.
وقد كان هذا المعنى مستعملًا عند الصحابة -رضي الله عنهم- من غير نكيرٍ؛ يقول ابن مسعود رضي الله عنه: “لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيِّرات خلقَ الله، ما لي لا ألعنُ من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله؟!“([58])، ويعني بذلك قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] كما ثبت في رواية أخرى([59]).
ومعلومٌ أن لعن الواشمات والمستَوشمات وغير ذلك ليس مَنصوصًا عليه في الكتاب، بل هو من الأحكامِ الثابتة بالسّنة، ولم ترد في القرآن، ولا مانعَ من استعمال لفظِ الكتاب في هذا؛ فإن ما حرَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس في كتاب الله هو من كتاب الله تعالى؛ على اعتبار أن الله تعالى أمرنا بطاعته صلى الله عليه وسلم ونهانا عن مخالفته، ولا حاجة بنا إلى إعادة الآيات والأحاديث الدالَّة على ذلك.
ألا فليراجع أناسٌ أنفسَهم في مخالفتهم لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بالامتثال لأمرِ رسول الله والانتهاءِ عما نهى؛ حذرًا من الوقوع في الفتنة أو العذاب الأليم؛ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [النور: 63].
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) ينظر: تفسير الطبري (8/ 561).
([2]) ومنهم: محمد شحرور؛ حيث ينفي نفيًا قاطعًا أن تكون نصوص السنَّة مستقلةً بالتشريع، ذكره في كتابه: الكتاب والقرآن (ص: 568)، وتجدر الإشارةُ إلى أنَّ في مركز نماء ردًّا على أفكاره حول السنة بعنوان: “مفهوم السنة من منظور القراءة المعاصرة لمحمد شحرور”، ودونك رابطه:
([3]) ينظر: الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية.. عرض وتفنيد ونقض، لعبد العظيم المطعني (ص: 179).
([4]) ينظر: الرسالة للإمام الشافعي (1/ 90-93)، وإعلام الموقعين عن ربِّ العالمين لابن القيم (4/ 84-85).
([5]) أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
([6]) وممن ذهب إلى هذا الشاطبي في الموافقات (4/ 319).
([7]) ينظر: السنة ومكانتها في التشريع للسباعي (ص: 420)، وأصول مذهب الإمام أحمد لعبد الله بن عبد المحسن التركي (ص: 220).
([8]) الشراج: مسايل الماء، واحدها شرجة. ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 107).
([9]) الحرة: الأرض الملسة فيها حجارة سود. ينظر: المرجع السابق.
([10]) أي: أرسله. ينظر: المرجع السابق.
([11]) أخرجه البخاري (2359)، ومسلم (2357).
([12]) ينظر: تفسير الطبري (8/ 504-505) مسندًا عن مجاهد وقتادة وميمون بن مهران والسدي، والشريعة للآجري (1/ 423) مسندًا عن عطاء.
([13]) ينظر: الموافقات (4/ 321).
([14]) ينظر: الموافقات (4/ 322).
([15]) ينظر: تفسير ابن جزي (2/ 360).
([16]) ينظر: الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (1/ 260-261).
([17]) أخرجه أحمد (17174)، وأبو داود (4604)، وصحَّحه ابن حبان (12)، وصححه الألباني في الحديث حجة بنفس (ص: 28).
([18]) لا ألفين أي: لا أجد وألقى. ينظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (4/ 262).
([19]) أخرجه أبو داود (4605)، والترمذي (2663)، وقال: “حديث حسن”، وحسنه البغوي في شرح السنة (1/ 201)، وصحَّحه ابن حزم في الإحكام (2/ 82).
([20]) ينظر: شرح السنة للبغوي (1/ 201).
([21]) ينظر: البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (6/ 7).
([22]) أخرجه البخاري (2957)، ومسلم (1835).
([24]) شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 101).
([26]) أخرجه البخاري (3172)، ومسلم (1370).
([27]) أخرجه البخاري (5109)، ومسلم (1408).
([28]) أخرجه البخاري (6156)، ومسلم (1445).
([29]) أخرجه البخاري (5527)، ومسلم (1936).
([30]) أخرجه البخاري (5530)، ومسلم (1932).
([31]) أخرجه البخاري (6764)، ومسلم (1614).
([32]) ينظر: مجلة البحوث الإسلامية (9/ 108).
([33]) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (1/ 96).
([36]) أخرجه الدارمي (1/ 240)، والآجري في الشريعة (1/ 409)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 250)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 139).
([37]) أخرجه الدارمي (1/ 251)، والمروزي في السنة (ص: 29)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 1202).
([38]) أخرجه الآجري في الشريعة (1/ 417).
([40]) إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 93).
([41]) ينظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 84-85).
([42]) أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 266).
([43]) ينظر: الأنوار الكاشفة (ص: 248).
([46]) ينظر: الإبانة الكبرى لابن بطة (1/ 266).
([47]) التعليقات على المجروحين (ص: 181).
([48]) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (6/ 43).
([49]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 120).
([50]) أخرجه عبد الرزاق (4/ 534)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (1/ 119).
([51]) الكامل في الضعفاء (6/ 331).
([52]) ذخيرة الحفاظ (5/ 2640).
([53]) ينظر: التاريخ الكبير للبخاري (5/ 455)، والكنى والأسماء للإمام مسلم (1/ 606).
([54]) الإحكام في أصول الأحكام (2/ 78).
([56]) ينظر: معرفة السنن والآثار (1/ 119)، ومفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي (ص: 27).
([57]) أخرجه البخاري (6633)، ومسلم (1697).
(المصدر: مركز سلف للبحوث والدراسات)