استقبال عيد الفطر بين الواجبات الشرعية والجماليات الأدبية
بقلم محمد مكركب
شرع الله سبحانه لأمةِ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم عيدين مباركين{عيد الفطر} وهو اليوم الأول من شوال من كل سنة، ويأتي بعد أداء عبادة الصيام خالصة لذي الجلال والإكرام. و{عيد الأضحى} وهو اليوم العاشر من ذي الحجة من كل عام، ويأتي يوم تمام أداء فريضة الحج. عن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ](أبو داود.باب صلاة العيدين.1134) ولا يجوز للمسلمين ابتداع تسميات أيام يسمونها عيدا سنويا، فلا عيد للمسلمين إلا يوم الفطر (1شوال) ويوم الأضحى (10ذي الحجة) فلا (يوم بعاث) الذي كان عيداً للأوس والخزرج في الجاهلية، ولا (يوم الزينة) الذي كان في عهد فرعون، وكان يوم الزينة يوم عيدهم، ولا عيد شم النسيم، ولا عيد الربيع، ولا عيد رأس السنة الميلادية، ولا غيره من المحدثات. وهذا النهي عن تشريع عيدلم يشرعه الله تعالى لا يلتبس مع الذكريات فالذكريات التاريخية كثيرة، ووقفات التذكر في أيام الذكريات من قبيل الدراسات التاريخية والاعتبار، وليس من باب العبادة، فلنفهم هذا الفرق بين عيدي العبادة وأيام الذكريات التاريخية ولا تسمى أعيادا.
وهل يجوز لمسلم مشاركة قوم من أهل الكتاب وغيرهم شرعوا أعيادا لأنفسهم بما لم يأذن به الله تعالى؟ لا يجوز ذلك أبدا، فكل من خالف شريعة القرآن ولم يتبع خاتم النبيين فهو على ضلال لأنه خارج عن مجال حب الله تعالى، فكيف يشارك المسلم في عمل ليس من كتاب ولا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. عمل في غير اتباع القرآن والسنة هو عمل في غير حب الله تعالى:﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾[آل عمران:31] وقال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾[البقرة:208].
1 ـ ما هو العيد؟ ولماذا شرع العيد؟ العيد: الموسم الديني الذي يجتمع الناس له في أيام معينة من السنة، وله علاقة مباشرة بالعبادة. وفي الحديث:[لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ](مسلم.1151) ومن معاني العيد أنه الشيء الذي يعود ويتكرر، ولكن لا ينبغي أن يكون ثمة عيد إلا بإذن شرعي.
فيوم عيد الفطر يفرح من صام لله إيمانا واحسابا، ويكون فرحه كبيرا كالقائد المنتصر على أعتى عدو، إنه الانتصار على الشيطان. فرض الله سبحانه على المسلمين أن يجتمعوا في السنة مرتين في عيد الفطر وعيد الأضحى، صبيحة العيد لصلاة العيد، ويكون ذلك في الصحراء أو الساحات الكبيرة، لا في المساجد ولا في الدور، فيجتمع فيها كل أهل البلدة في لقاء جماعي مشهود، وهذه من السنن والشعائر الإسلامية العظيمة.
2 ـ ما هو أول عمل يقوم به المسلمون يوم العيد؟ يستحب الغسل ليوم العيد وليس واجبا، وأول عمل هو الخروج للصلاة بعد أن يكون الناس قد أخرجوا زكاة الفطر قبل الصلاة ولا يجوز تأخيرها كما علم المسلم من الأحكام السابقة. يخرج المسلمون رجالا ونساء إلى المصلى، وهم يكبرون ويسبحون، ويستحب أن تقام صلاة العيد في الساحات الكبيرة في ضواحي القرى والمدن، فإذا دخل وقت الضحى عندما ترتفع الشمس قدر رمحين في عيد الفطر وقد رمح في عيد الأضحى يشرع الأمام في الصلاة، ويخطب في المصلين خطبة بعد الصلاة، وفي الخبر:[ أن النبي صلى الله عليه وسلم، قام يوم الفطر فصلى، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب الناس]( أبو داود.1141) وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان، ولا إقامة. ولا سنة قبلية ولا بعدية. ويستحب لمن وفق لذلك أن يذهب لصلاة العيد في طريق، ثم يرجع في طريق آخر. كما يستحب يوم الفطر أن يأكل قبل الخروج للصلاة، ويوم الأضحى حتى يرجع من الصلاة. ويحرم صيام يوم العيد. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ، يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ](مسلم.1138).
وصلاة العيد ركعتان، ويكبر في الأولى سبعا قبل القراءة يعد فيها تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات لا يعد فيها تكبيرة القيام. والقراءة فيهما جهرا.
والمسلم يذكر الله يوم العيد في خروجه من بيته في عيد الفطر، وعيد الأضحى حتى يأتي المصلى، وذلك بالنسبة للإمام والناس كذلك، فإذا دخل الإمام للصلاة قطعوا ذلك، وفي أيام النحر ليكبر الناس دبر الصلوات من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرابع منه وهو آخر أيام منى يكبر إذا صلى الصبح ثم يقطع.
3 ـ يستحب إظهار النعم والفرح يوم العيد بالتطيب ولبس أحسن الثياب: قال الله تعالى:﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ ولكن لا يكون الفرح إلا بالحلال المباح، قال الله تعالى:﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (58) قال القرطبي:{قوله تعالى:﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ قال أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما:” فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام” قلت: وهذا قول جامع لمدلول الآية وشامل للمعنى والمقاصد.
4 ـ التذكير بقضاء دين رمضان: على المسلم والمسلمة من كان عليه دين لما أفطر بعذر شرعي أن يقضي الدين بعد أيام العيد عند الاستطاعة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال:[أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟] قالت: نعم، قَالَ: [فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ](مسلم.1148) وجب القضاء على من أفطر يوماً أو أكثر من رمضان، بعذر كالمرض والسفر والحيض لقول الله تعالى:﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة:184] وقالت عائشة رضي الله عنها:[كنا نحيض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنؤمر بقضاء الصوم].
1 ـ من أفطر في رمضان لعذر شرعي هل يجوز له أن يصوم التطوع قبل قضاء الدين الذي عليه؟ بل يكره لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوع بصوم. فمن منطق العقل والشرع أن من عليه فريضة لا يتركها ويؤدي النافلة، وفي الحديث:[وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ](البخاري.6502) ووجه الاستدلال بالحديث أن التقرب إلى الله بالطاعات بما يحبه الله في الدرجة الأولى هو التقرب إليه بالفرائض، فإذا حان وقت الفريضة وجب الابتداء بها وترك النافلة، لأن الحساب يكون على الفرائض لا على النوافل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: [فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ]. فهل من عليه دين الزكاة يجوز له أن ينفق تطوعا للفقراء، وهو لم يعطهم حقهم المشروع؟ والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
2 ـ هل يجوز لمن عليه دين صوم رمضان أن يؤجله إلى آخر العام ولو كان قادرا على الصوم؟ لا يجوز تعمد التأخير في أداء أي عبادة حان وقتها، فكيف بقضاء عبادة فات وقتها؟ بل المبادرة عند الاستطاعة أوجب وألزم. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
3 ـ هل يجب التتابع في صيام قضاء الدين؟: ليس من الواجب التتابع في قضاء الدين، فيصح بالتتابع والتفريق، وإنما الواجب الوفاء بعدد الأيام، ولكن المبادرة في الاستطاعة أولى. وقلت لا يلزم في القضاء التتابع، لقول الله تعالى:﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أوْ علَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَر﴾ فمن كان مريضا، أو مسافرا فأفطر، فليصم عدة الأيام التي أفطر فيها في أيام أخر، متتابعات أو غير متتابعات، فإن الله أطلق الصيام ولم يقيده. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
4 ـ صوم السُّنَّة ستة أيام من شوال سنة مستحبة: بعد العيد، وبعد قضاء الدين لمن ترتب عليه صوم القضاء، يستحب صيام ستة أيام من شهر شوال. عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ](مسلم.1164) ويجوز صوم هذه الستة أيام متتابعة أو غير متتابعة، كما يجوز صومها في النصف الأول أو الثاني من شهر شوال.
1 ـ صيام ستة أيام من شوال لمن عليه قضاء دين من رمضان هل يجوز له أن يبدأ بها ؟ أم يبدأ بقضاء الدين الذي عليه؟ هو أن الجواب في الحديث نفسه بأن من عليه دين يبدأ بقضاء الدين. ففي الحديث:[مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ] فمن لم يتم صيام رمضان كيف يتبعه؟ ومعلوم من التعبير اللغوي أن من أفطر في رمضان يوما أو أكثر فإن صيامه لرمضان غير تام. والمقتضى أنه يتمه ثم يتطوع. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)