استغلال الدين للوصول إلى السلطة !
بقلم مصعب الأحمد
كتب أحد المتعالمين ما نصّه : “إن أخطر الناس من يستغل الدين للوصول للكرسي ! “
وما نعلم هل ما كتبه كره في الدين أم دفاع عن الدين ؟
وعلى كلا الوجهين، لا نكتب ردًا
على شخص بعينه بل على تيارات تحاول تشويه الدين وأهله ، وتستعمل العبث بالألفاظ للضحك على البسطاء ..
وقبل أي شيء:
يجب أن نعرّف الاستغلال
وهو جعل الشيء المستَغَلّ، سببًا للوصول إلى هدف ..
ولست أدري هل هذا مدح للإسلاميين أم ذم لهم ؟
ولو نظرت في حال هذا الكاتب ، لرأيت ثم رأيت حمقًا وعجبًا كثيرًِا ، تراه قد جمع في نفسه من المتناقضات ما تفرق في غيره ، فلا هو من هؤلاء ولا من أولئك، عبد رقيق لم يستغل الدين لـ ( الحصول على الكرسي) ، ولم يحصل عليه ..!
كل أحد بنظر العلمانيين والليبراليين، وأنصاف المثقفين، والأشباه، والنظائر يحق له أن يطالب بالكرسي، ويحكم البلاد، ويحصل على الحكم حتى هوان الأرض ، إلا المتدينون أصحاب المناهج الدينية الإسلامية ..
ويكأنهم أرادوا أن يقصروا الدين على طقوس عبادية كهنوتية؛ ليفصلوا الدين عن الدولة ، صرفًا للإتباع عن إتباع الخصوم، تنفيذًا للقضاء على الأديان وإقامة الهيكل المزعوم في نفوسهم ونفوس أبنائهم ..
إن ما يعاب علينا هو ذات ما نفخر به.
استغلال الدين للحصول على الحكم جزء من الدين وأساس ركين فيه ، ومن لم يعمل ليحكم بشرع الله ستحكمه القرود بشرع الشياطين ودساتير الدببة الروسية ، وقوانين رعاة البقر الأمريكية ، وسيكون في الآخرة من الخاسرين ..
من قال إن من شروط السياسة أن يكون المرء بلا دين ، أو أن يخلع عباءته الدينية، ثم يدخل عالم السياسة؟ من قال إن الدين يعارض السياسة، وليس من حق المتدين أن يدخل عالم السياسة ..
لمَ يحق لكل راكب أن يركب ما يشاء إلا المتدين ؟
أيها الغلام :
إن كنت لا تعلم فاعلم، وأعلم من خلفك من المتحذلقين . أن ثلاثين دولة في العالم تشترط دينًا رسميًا للدولة ، حتى الولايات المتحدة الأمريكية راعية بقر الديمقراطية في العالم ..
ثمانون دولة في العالم تنحاز لدين بعينه، أو تشترط العناية بدين معين دونًا عن كل الأديان، وتضع شروطًا له، وللتعامل معه ..ولا أتكلم هنا عن( الدول الإسلامية) بل عن الأرجنتين، والمكسيك، وهندوراس، والسلفادور، ومالطا، وموناكو، والأورغواي، والبيرو، وكوستاريكا، وبنَما..
كلها دول تنص في دساتيرها على إن الكاثوليك هو الدين الرسمي للبلاد ..
أكدت دساتير دول أوربية غربية على أن المسيحية اللوثرية ديانة رسمية لها، منها الدنمارك، وأيسلندا والنرويج، مع نصِّ دستوري، للدنمارك، وأيسلندا على دعم الدولة، وحمايتها للكنيسة التي تمثل هذا المذهب المسيحي تحديداً.
ومن الدول التي نص دستورها على أن المسيحية الأرثوذكسية هي الديانة الرسمية لها: اليونان، وجورجيا، وبلغاريا..
وما ذالك إلا لأن أتباع تلك الأحزاب، التي تحكم البلاد خرجوا من كنائس، ويعملون لأجلها ، استعملوا الدين للوصول إلى السياسة، ثم لما وصلوا لم يهملوا جانب الدين، بل وضعوه في أول مواد دساتير بلادهم ، شكرًا وامتنانًا ..
لم يكن ترامب هو الرئيس الوحيد الذي أظهر تدينه للملأ ،وتكلم بمافي داخله معبرِا عن سياسة الولايات المتحدة القائمة على فكر ديني رغم شعار العلمانية التي ترفعه ..
الرئيس “جونسون” ردد قائلاً: “إن ديانته المسيحيّة اشتُقَّتْ من ديانة إسرائيل اليهوديّة”،
جون كيندي الرئيس الكاثوليكي الوحيد ، قد أكّد على أنّ “يَهْوَه هو الذي يحرس الولايات المتحدة ويحميها، لا الجيوش ولا الأساطيل”.
الرئيس الديمقراطيّ “جيمي كارتر” أقل إيمانيّة من سابقيه، وهو الذي اعتبره الأمريكيون مؤمنًا حقيقيًّا من غير بريق أضواء ، ولهذا فقد قال غير مرة إن إسرائيل: “هي الباب إلى المجيء الثاني”، تلك العقيدة التي يعتقدها ملايين الأمريكيتين، وتشكّل ضاغطًا على صناعة القرار السياسيّ تجاه القضية الفلسطينيّة ..
أما في روسيا فعندما دخل بوتين الحرب في سوريا رفعت الجماعات المتطرفة، وصحفها والصفحات الالكترونية إلى اتهام بوتين بأنه شيوعى لا دين له (وهذه حقيقة) والدين يدعو إلى محاربه، وهزيمته إلا أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية سارعت بإصدار بيان باسم البطريرك كيريلوس أعلنت فيه دعمها الغارات التى تنفذها المقاتلات الروسية فى سوريا، واعتبرت أن حرب بوتين «حرب مقدسة » ضد الإرهابيين ..
في إيران اعتبرت المرجعية الفارسية الشيعية أن الحرب على العراق، والمنطقة حرب مقدسة ، ووزعت مفاتيح الجنة على الأطفال والنساء ، وصكت الصكوك وباعت الأراضي في الفردوس لمن يشتري من أتباع الولي الفقيه ..
هكذا تدار الأمم وهكذا هي الدول، فلمَ تعيبون فقط على إسلاميي الأحزاب سعيهم إلى السلطة بغلاف ديني؛ لكسب المؤيدين ، وكأنهم يرتكبون أفظع الجرائم والفواحش ..
الإسلام ملة ، والكفر ملة مضادة ، والفجور ملة ، والملل كثيرة ، ولكن ؟ لمَ سكت على أن تطلب ملة الكفر الكرسي ، وفجرت عندما طلبته ملة الإسلام؟
إن لم تكن مسلمًا فلا أقل من أن تكون منصفاً، وعادلاً ..
ما تقوله ليس جديدًا، ولا بدعًا من القول ، قاله غيرك، ممن هو أعلم منك ، ولكنك كالببغاء تردد ما يقوله الإعلام، بيد أن الببغاء يلتزم الصمت إن لم يفهم ، وأنت لست كذلك ..
هذا الاستغباء الذي يمارسه أنصاف المثقفين ، جعل كثيراً من غلمان الليبرالية، والعلمانية، المصابين (بمتلامة الإخوان المسلمين ) – يترحمون على أيام مبارك ، وعبد الناصر، والسادات وحافظ الأسد ، بل وحتى على أيام رمسيس ، وتحتمس ، وتوت عنخ آمون ..
فأي وصف يمكن لهؤلاء أن يوصفوا به وقد كتب في بطاقتهم الشخصية أنهم (مسلمون) …
هب أننا نستعمل الدين للوصول إلى الحكم ..
هب أننا نحرك عواطف الناس لتأييدنا ..
هب أننا نستعمل الدين لنصل إلى السلطة التي هي مادة حفظ الدين، ونشره، وحمايته ..
ما العجب في ذلك ؟
كل الأمم، و الأحزاب، والجامعات، والفرق، والفصائل تفعل ذلك، بل وأكثر من ذلك فلمَ تنكر عليهم دون سواهم ؟..
لما استعمل (أجدادك) الدين، وحكموا به البلاد كانت لك أمة ، وكان لك وطن ، وكنت حراً، عزيزاً، لك وجود ، تهابك الدول ، ويحسب لك ألف حساب ..
الإسلام الذي عرفه علماء ومفكرو الأرض جعل غوستاف لوبون يتأسف، ويتمنى لو أن المسلمين لم يقفوا عن تخوم فرنسا ..
جعل ويليام إ.فيبس، أستاذ الفلسفة والأديان في ولاية فيرجينيا الغربية في الولايات المتَّحدة الأمريكية يقول “إنه مِن الصعب أن تجد الاحتِرامَ الذي يَستحقُّه محمد – صلى الله عليه وسلم في الغَربِ”.
هذا الدين الذي ترفض من أن يكون سبيلًا للوصول إلى السلطة ؟ جعل كرهك للإسلاميين سببًا في كرهك للدين ..
(المصدر: رسالة بوست)