استشهاد الحسين بن علي (رضي الله عنه) ومعركة كربلاء: وصول خبر مقتل مسلم بن عقيل للحسين، ولقاء طلائع جيش عبيد الله بن زياد
(المقالة الرابعة)
بقلم: د. علي محمد الصلَّابي (خاص بالمنتدى)
9 محرم 1444ه/ 7 أغسطس 2022م
خرج الحسين – رضي الله عنه – من مكة يوم التروية الموافق لثمان من ذي الحجة سنة ستين، أدرك والي مكة عمرو بن سعيد بن العاص خطورة الموقف فأرسل وفداً إلى الحسين وعلى رأسهم أخوه يحيى بن سعيد بن العاص فحاولوا أن يثنوه عن عزمه ولكنه رفض فنادوه: يا حسين، ألا تتقي الله؟ تخرج عن جماعة المسلمين وتفرق بين هذه الأمة، فردَّ الحسين قول الله – تعالى -:﴿لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: 41]. فخرج الحسين متوجهاً إلى العراق في أهل بيته، وستين شيخاً من أهل الكوفة.
وكتب مروان بن الحكم إلى عبيد الله بن زياد: أما بعد، فإن الحسين بن علي قد توجه إليك، وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين، وإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء ولا ينساه العامة، ولا يدع ذكره، والسلام عليك.
وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص ينهاه عن التعرض للحسين ويأمره بأن يكون حذراً في تعامله مع الحسين: قائلاً له: أما بعد، فقد توجه إليك الحسين وفي مثلها تعتق، أو تعود عبداً تسترق كما يسترق العبيد.
وفي الطريق إلى الكوفة قابل الحسين الفرزدق الشاعر المشهور بذات عرق. فسأله الحسين بن علي عن تصوره لما يقوم به أهل الكوفة حياله، ثم أراد أن يعطي الفرزدق إيضاحاً أكثر وقال: هذه كتبهم معي، فرد عليه الفرزدق: يخذلونك فلا تذهب، فإنك تأتي قوماً قلوبهم معك وأيديهم عليك.
وعندما علم يزيد بن معاوية بخروج الحسين من مكة واتجاهه للكوفة، كتب إلى ابن زياد يحذره ويقول: بلغني أن حسيناً قد سار إلى الكوفة وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلاد، وابتليت به من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تتعبد العبيد.
أولاً: عبيد الله بن زياد يتخذ التدابير الأمنية:
اتخذ ابن زياد بعض التدابير لكي يحول بين أهل الكوفة وبين الحسين، ويحكم سيطرته على الكوفة، فقام بجمع المقاتلة، وفرق عليهم العطاء؛ حتى يضمن ولاءهم.
ثم بعث الحصين بن تميم الطهوي صاحب شرطته حتى نزل بالقادسية، وقام بتنظيم الخيل ما بين القادسية إلى خفان، وما بين القادسية إلى القطقطانة، وإلى لعلع، ثم أصدر أوامره إلى الحصين بن تيم بأن يقبض على كل من ينكره، ثم أمر ابن زياد بأخذ كل من يجتاز بين واقصة إلى طريق الشام، إلى طريق البصرة فلا يترك أحداً يلج ولا يخرج، وأراد ابن زياد من الإجراء الأخير قطع الاتصال بين أهل الكوفة وبين الحسين بن علي، ومضى الحسين بن علي في طريقه إلى الكوفة ولم يكن يعلم بتلك التغيرات التي حدثت في الكوفة بعد خروجه من مكة، ولما بلغ الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة وكتب معه إليهم برسالة يخبرهم فيها بقدومه، ولكن الحصين بن تميم قبض على قيس بن مسهر مبعوث الحسين حين وصوله إلى القادسية، ثم بعث به إلى ابن زياد فقتله مباشرة، ثم بعث الحسين مبعوثاً إلى مسلم فوقع في يد الحصين بن تميم، وبعث به إلى ابن زياد فقتله، وكانت لتلك الإجراءات الصارمة التي اتخذها ابن زياد أثر كبير على نفوس أتباع الحسين، فهم يرون أن من كان له علاقة بالحسين فإن مصيره القتل، وعلى أبشع صورة، فأصبح من يفكر في نصرة الحسين فإن عليه أن يتصور نهايته على ذلك النحو المؤلم، وكان الحسين – رضي الله عنه – يحس أن الأمور تسير سيراً غير طبيعي في الكوفة وخاصة عندما أخبره الأعراب أن أحداً لا يلج ولا يخرج من الكوفة مطلقاً.
واستمر التحذير من بعض رجال القبائل العربية الذين مرَّ بهم، وبينوا له ذلك الخطر الذي يقدم عليه، ولكن الحسين كان يدلل على نجاح مهمته بالإشارة إلى ذلك العدد الهائل من أسماء المبايعين التي كانت بحوزته، ولما بلغ الحسين زبالة، وقيل شراف جاءه خبر مقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن بقطر، إضافة إلى تخاذل أهل الكوفة عن نصرته، وكان لهذا الخبر المفجع المؤلم وقعه الشديد على الحسين – رضي الله عنه-، فهؤلاء أقرب الناس إليه قد قتلوا، والشيعة في الكوفة تخاذلوا في نصرته.
ثانياً: الحسين يعطي الأذن لأصحابه بالانصراف:
لما بلغ الحسين مقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وتخاذل الناس عنه أعلم الحسين من معه بذلك، وقال من أحب أن ينصرف فلينصرف، فتفرق الناس عنه يميناً وشمالاً، وقال له بعض من ثبتوا معه: ننشدك الله إلا ما رجعت من مكانك؛ فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة، بل نتخوف أن يكونوا عليك، فوثب بنو عقيل -إخوة مسلم- وقالوا: والله لا نبرح حتى ندرك ثأرنا أو نذوق كما ذاق مسلم.
ثالثاً: ملاقاة الحر بن يزيد التميمي ومعه طلائع جيش الكوفة:
انصرف الناس عن الحسين – رضي الله عنه – فلم يبق معه إلا الذين خرجوا معه من مكة، واستمر في سيره حتى بلغ شراف، وهناك أمر فتيانه أن يستقوا ويكثروا، ثم سار حتى إذا كان منتصف النهار كبَّر رجل من أصحابه، فقال الحسين: الله أكبر ما كبَّرت؟ قال الرجل: رأيت النخل، فقال رجلان، إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط، فقال الحسين: فما تريانه رأى؟ قالا: نراه رأى هوادي الخيل، فقال الرجل: وأنا والله أرى ذلك…
وبالفعل كانت طلائع خيل ابن زياد عليها الحر بن يزيد وكان عددها ألف فارس وقد أدرك الحر بن يزيد الحسين ومن معه قريباً من شراف، ولما طلب منه الحسين الرجوع منعه، وذكر له أنه مأمور بملازمته حتى الكوفة، وقام الحسين وأخرج خرجين مملوءة بالكتب التي تطلب منه القدوم إلى الكوفة، فأنكر الحر والذين معه أي علاقة لهم بهذه الكتب، وهنا رفض الحسين الذهاب مع الحر إلى الكوفة وأصر على ذلك، فاقترح عليه الحر أن يسلك طريقاً يجنبه الكوفة ولا يرجعه إلى المدينة، وذلك من أجل أن يكتب الحر إلى ابن زياد بأمره، وأن يكتب الحسين إلى يزيد بأمره، وبالفعل تياسر الحسين عن طريق العذيب والقادسية واتجه شمالاً على طريق الشام، وأخذ الحر يساير الحسين وينصحه بعدم المقاتلة ويذكِّره بالله، وبيَّن له أنه إذا قاتل فسوف يقتل، وكان الحسين يصلي بالفريقين إذا حضرت الصلاة .
رابعاً: ملاقاة عمر بن سعد بن أبي وقاص والمفاوضات:
ولما وصل الحسين إلى كربلاء أدركته خيل عمر بن سعد ومعه شمر بن ذي الجوشن، والحصين بن تميم، وكان هذا الجيش الذي يقوده عمر بن سعد مكوناً من أربعة آلاف مقاتل، وكان وجهة هذا الجيش في الأصل إلى الري لجهاد الديلم، فلما طلب منه ابن زياد أن يذهب لمقاتلة الحسين رفض عمر بن سعد في البداية هذا الطلب، ولكن ابن زياد هدده إن لم ينفذ أمره بالعزل وهدم داره وقتله، وأمام هذا الخيار رضي بالموافقة.
ولما وصل الحسين كربلاء أحاطت به الخيل، -ويطلق على المنطقة كلها اسم الطف- وبدأ الحسين بن علي بالتفاوض مع عمر بن سعد، وبيَّن الحسين أنه لم يأت إلى الكوفة إلا بطلب من أهلها، وأبرز لعمر بن سعد الدليل على ذلك، وأشار إلى حقيبتين كبيرتين تضمن أسماء المبايعين والداعين للحسين، وكتب عمر بن سعد لابن زياد بما سمعه من الحسين وقال: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي، فسألته عما أقدمه وماذا يطلب، فقال: كتب إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم، فسألوني القدوم ففعلت، فأما إذا كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم. فلما قريء على ابن زياد تمثل قول الشاعر:
الآن إذا علقت مخالبنا به | يرجو النجاة ولاة حين مناص؟ |
ثم كتب ابن زياد لعمر بن سعد: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية وجميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام.
ولما اطلع عمر بن سعد على جواب بن زياد ساءه ما يحمله الجواب من تعنت وصلف، وعرف أن ابن زياد لا يريد السلامة.
رفض الحسين هذا العرض، ثم لما رأى جهامة الموقف وخطورته طلب من عمر بن سعد مقابلته، وعرض على عمر بن سعد عرضاً آخر يتمثل في إجابته واحدة من ثلاث نقاط:
أ – أن يتركوه فيرجع من حيث أتى.
ب – وإما أن يتركوه ليذهب إلى الشام فيضع يده في يد يزيد بن معاوية.
ج – وإما أن يسيِّروه إلى أي ثغر من ثغور المسلمين فيكون واحداً منهم، له ما لهم وعليه ما عليهم.
وقد أكد الحسين – رضي الله عنه – موافقته للذهاب إلى يزيد.
وكتب عمر بن سعد إلى ابن زياد بكتاب أظهر فيه أن هذا الموقف المتأزم قد حُلَّ، وأن السلام قد أوشك، وما على ابن زياد إلا الموافقة، وبالفعل فقد أوشك ابن زياد أن يوافق ويرسله إلى يزيد، لولا تدخل شمر بن ذي الجوشن الذي كان جالساً في المجلس حين وصول الرسالة فقد اعترض على رأي ابن زياد في أن يرسله إلى يزيد، وبيَّن لابن زياد أن الأمر الصائب هو أن يطلب من الحسين أن ينزل على حكمه – أي ابن زياد – حتى يكون هو صاحب الأمر المتحكم فيه، فلما وصل الخبر إلى الحسين – رضي الله عنه – رفض الطلب وقال: لا والله لا أنزل على حكم عبيد الله بن زياد أبداً، وقال لأصحابه الذين معه: أنتم في حل من طاعتي، ولكنهم أصرُّوا على مصاحبته والمقاتلة معه حتى الشهادة، واتخذ ابن زياد إجراءً احترازياً حين خرج إلى النخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، وضبط الجسر، ولم يترك أحداً يجوزه، وخاصة أنه علم أن بعض الأشخاص من الكوفة بدأوا يتسللون من الكوفة إلى الحسين.
رابط كتاب “استشهاد الحسين بن علي (رضي الله عنه) ومعركة كربلاء لمؤلفه الدكتور علي محمد الصلابي تجدونه في موقعه الرسمي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/8.pdf
#كتب_الدكتور_علي_الصلابي
#الصلاة_على_النبي