إعداد خالد مصطفى
عندما بدأت الفكرة العلمانية في الانتشار في الغرب بشر بها بعض المنتسبين للعلم والثقافة في عالمنا العربي ودافعوا عنها بشدة بزعم أنها “تحفظ للجميع حرية التعبد على حسب معتقداتهم”, وادعوا أن “الدولة في هذا النظام لاتتدخل في شؤون أصحاب الديانات”..
ومع مرور الوقت وجدنا أن الغرب الذي صدر لنا هذه الفكرة يستخدمها من أجل التضييق على المسلمين ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية والواجبات المفروضة عليهم بل وأصبح يتدخل بشكل تعسفي في هذه الأمور حتى أن بعض المنظمات الحقوقية الغربية انتقدت بشدة مثل هذه الممارسات واعتبرتها تنافي المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان..
العجيب أننا لم نسمع من مدعي الثقافة و”التنوير” في عالمنا العربي أي إدانة لهذه الممارسات البغيضة التي تقوم بها بعض الحكومات الغربية وبعض المسؤولين البارزين فيها رغم أنهم لا يتوانون عن شن الهجمات تلو الهجمات على الشريعة الإسلامية ووصمها بأبشع الصفات تحت لافتة الهجوم على “الفكر المتطرف” في حين أننا لا نرى “مساهماتهم الجليلة” في تفنيد الفكر اليميني المتصاعد في الغرب بل نجد منهم التبرير الدائم له وتحميل المسلمين أيضا مسؤولية بروز هذا الفكر, يعني المسلمين والشريعة الإسلامية في كل الأحوال هم الشغل الشاغل لهذا الطابور الخامس الذي ابتلينا به في العقود الأخيرة..
الأعجب أنك تجد وسائل إعلام غربية تدافع عن المسلمين في مثل هذه الأمور وتشير إلى الحقائق بوضوح دون لبس بينما وسائل إعلام عربية تقف في صف المعتدين؛ فقد أكدت صحيفة أمريكية أن مدينة “بوكير” جنوب فرنسا تشهد معركة جديدة بشأن مكان الإسلام في المجتمع العلماني هناك، وذلك بعد حظر “جوليان سانشيز” عمدة المدينة البالغ من العمر 34 عاماً، والمنتمي لـ”الجبهة الوطنية” اليمينية المتطرفة، استخدام بدائل لحوم الخنزير في مطاعم المدارس، بزعم أن الاستثناءات الدينية تنتهك مبادئ الجمهورية الفرنسية…
وأشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن الرسالة كانت واضحةً لكثيرين، وهي أن كونك فرنسياً تعني أكلك للحم الخنزير، أما المسلمون واليهود فلا مكان لهم.
وأضافت أن موقف عمدة “بوكير” أشعل جدلاً في فرنسا خاصة في أوساط الآباء والمعارضة المحلية وقادة المسلمين وحتى الحكومة الفرنسية…ونقلت الصحيفة عن وزيرة فرنسية أن ما قام به عمدة “بوكير” أكبر مثال على قيام شخص ما بالتلويح بالعلمانية كسلاح سياسي ضد المسلمين واليهود…ولفتت إلى أن المسلمين تعرضوا لحملات مختلفة في فرنسا خلال السنوات الأخيرة، بدأت بحظر ارتداء الحجاب في المدارس العامة وذلك في 2004، وحظر النقاب في 2010. واعتبرت زعيمة معارضة محلية أن الهوية الفرنسية إذا ارتبطت بأكل لحم الخنزير فإن هناك مشكلة كبرى….هذا الكلام من الصعب أن تسمعه من بعض الكتاب في عالمنا العربي وإذا حدث يتم اتهامهم بأنهم من “الرجعيين” وأنهم يريدون إعادة المجتمع إلى الوراء مثلما حدث خلال أزمة منع الأذان في بعض البلدان الأوروبية وقضية الرسوم المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم…
لقد وصل الأمر إلى منع مدرسة بريطانية الطالبات لديها اللاتي يقل سنهن عن 8 سنوات من ارتداء الحجاب والصيام خلال تواجدهن بها، بحجة أن ذلك قد يمثل خطرا على صحتهن…
وشكا أولياء الأمور من تعرض أطفالهم للعقاب بسبب ارتدائهن الحجاب ومنعهن من الصيام، موضحين أن ذلك لا يؤثر على المدرسة ولا يضر بالأمن العام.
وأوصى المفتشون بالتشكيك في نوايا الطالبات اللاتي يرتدين الحجاب والطلاب الصائمين، وأثارت تلك الخطوة استياء العديد من النشطاء والمعلمين، موضحين أنها تعتبر عنصرية وتمثل تمييزا ضد الأديان…
ما الضرر من ارتداء فتيات صغيرات للحجاب على المجتمع العلماني؟! وهل التنورة القصيرة والشعر المكشوف من مبادئ العلمانية؟! المجتمعات الغربية تجاهلت لعقود طويلة المصائب الأخلاقية التي تنهش في أركانها وصدرت لنا مفاهيم مغلوطة عن الاختلاط والعري حتى صدق بعض الناس في بلادنا أن علاج التحرش والكبت الجنسي فيهما, ثم انفجر البركان ليكشف أن المجتمعات الغربية التي تعيش في قمة العري والاختلاط والحرية الجنسية تموج بالتحرش والاعتداءات الجنسية وجرائم الاغتصاب التي لا مثيل لها في المجتمعات الإسلامية خصوصا التي تحافظ على قيمها الدينية.
(المصدر: موقع المسلم)