مقالاتمقالات المنتدى

ارفع مستوى النقاش يسقط أصحاب الانتفاش

ارفع مستوى النقاش يسقط أصحاب الانتفاش

 

بقلم د. بلخير طاهري الإدريسي الحسني المالكي الجزائري (خاص بالمنتدى)

 

#قصةوعبرة:

    #قيل: أن الغراب هو الوحيد من الطيور  الذي يستطيع أن يركب ظهر النسر.

    #وله فعل خسيس أنه يأخذ في نقر رأس النسر حتى يثقبه، ويتأثر النسر ويسقط.

     #ولكن النسر يبقى نسرا في شكله، وفي حدة بصره، وفي قوة مخالبه، و خصيصة أخرى هي قدرته على التحليق في المعالي والعوالي.

     #وعليه: فهو لا ينزعج من فعل الغراب الخسيس، ولا يدخل معه في جدال للتوقف عن فعله المشين، و إنما فقط يزيد في تحليقه في الآفاق حتى ينقطع الأكسجين على الغراب، فيغمى عليه ويسقط في الأنفاق.

الدرس المستفاد:

قد رشَّحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ …

       فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ

    #أولا:  الملتفت لا يصل، كما قال سيدنا زروق في قواعده، فحدد الهدف وامضي حيث قررت.

    قال تعالى:﴿فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا_يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون﴾ [الحجر:65]

     وإياك وبنيات الطريق فإنها من المشغلات، والمشوشات.  قال تعالى :” وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ”(19) سورة لقمان.

   فالقصد هو تحديد الهدف، وغض الصوت، هو عدم التفكير بصوت عالي، فإن الأفكار لا تنضج وتنتج حتى تدفن في أرض الخمول، فيكون الكمون.

    #ثانيا: إرفع مستوى النقاش، ولا تفتش عن الدقائق بالمنقاش، فإن الشيطان يسكن في التفاصيل. فعن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما :”  إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ ، و أَشرافَها ، و يَكرَهُ سَفْسافَها” الجامع الصحيح

   #ثالثا: (لا تصحب من لا ينهضك حاله، ويدلك على الله مقاله) . كما قال سيدنا ابن عطاء الله السكندري في حكمه.

     فإن لباسك يرفعك قبل جلوسك، ولسانك يرفعك بعد جلوسك.

    إما أن تكون نسرا في صورته، و إما ان تكون غربا بسمعته!

     قال تعالى:” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ” سورة الأنعام(165).

    فعلى قدر رفع الدرجة، يكون البلاء، فاصبر واحتسب.

     #رابعا: إرفع مستوى التفكير، ولا ترفع مستوى الصوت،  وإياك والشخصنة، فسوف تدخل في دوامة التبرير، وحظوظ النفس مهما اجتهدت.

    ولا تبدأ اعتراضك بلا لا لا، وإنما استمع جيدا ولو كان يتقيئ كلاما، ثم كر على كلامه بأداة واحدة وهي ( ولكن) التي تستدرك على كل ملفوظاته، إنها القوة في استمالة الخصم، وعدم صده عن السماء من البداية، قال تعالى: ” وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” سورة سبأ(24).

    #خامسا: كن حاد البصر كالنسر في رؤية الأشياء على حقيقتها، وإياك والسطحية، فسوف تكون انت أول ضحيتها.

     مقدرا موقع الرجل قبل خطوه جاعلا اول الفكر آخر العمل، كما قال العلامة البشير الإبراهيمي.

    فإن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والقلب الحي عند ورود الشهوات.

     قال تعالى:” إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ” سورة الأعراف(201).

    #سادسا: كن كالنسر في تحليقه في أفق المعالي لاستجلاب الأسرار والمعاني، فكلما ارتفعت اتضحت الرؤية واتسعت زاوية الاستيعاب. “فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ” سورة النمل(22).

    #سابعا: المخالطة مندوبة، ولكن التميز أحيانا صفة محبوبة، بأن ترتفع قليلا عن احتكاك الأكتاف، حتى تقوى على الاستئناف، (فما نفع القلب من عزلة يدخل بها ميدان فكرة) كما قال سيدنا ابن عطاء الله السكندري في حكمه.

     و إن ضجيج النقاش، يسقطك في وحل المراء، وطيش الفكر، فارتفع بنفسك قليلا وقم. “قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا” سورة سبأ(46).

    #ثامنا: التخلق صفة مطلوبة، والحلم عملة مفقودة، ولكن هذا لا يعني ألا تكون لك مخالب كمخالب النسر، في قوة البطش عند استهانة الخصم. قال تعالى: “لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا” النساء(148).

   #تاسعا: لا يكون الغراب أذكى منك أيها الإنسان، فقد ترك مهاجمة جميع الجسم، وركز على الرأس، لأن السمكة تفسد من رأسها، والعصى تعوج من رأسها، فركز في نقاشك على مخاطبة العقل، فإنه هو مناط التكليف، ومنه يبدأ التنظيف.

     قال تعالى :”وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ” سورة العنكبوت(43).

   #عاشرا:  لا ترتفع الا بالقدر الذي تحافظ فيه على توازنك، لأنك اذا اخترقت احترقت، فقل لمن يدعي في العلم فلسفة، علمت شيئا، وغابت عنك أشياء.

     فإنه : “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” البقرة(286).

     وقال:” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا” سورة الطلاق(7).

   فهناك وسع وهناك إتيان، فاعرف حجمك، ورحم الله امرء عرف قدر نفسه فوقف دونه.

#الخلاصة:

     ما أكثر الغربان في زمن النسور، وقد قال الصادق المصدوق: “بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ.” رواه مسلم.

    فلا تقتلوا أسودكم فتأكلكم كلاب أعدائكم.

    و إن صناعة النسور من أهل العلم واجب، وحفظ ماء وجوههم أوجب.

    وإن كثرة الغربان من المليشيات الفيسبوكية صناعة مقصودة و تتبعهم لعورات العلماء مرصودة، ولهم دعم وقوة ويد ممدودة.

     فاللهم اكفنا شرهم، وارفع قدر علمائنا فوقهم.

 

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى