اختلال الحكم على مجريات التاريخ والحوادث
بقلم صفوت بركات
تختل الأحكام على الأمور والحوادث بمحاكمتها بمعايير مختلة، أو بغير موازينها، التي تزن عليها، فالعالم والحضارة الإنسانية اصطلحت على معايير وأوزان لكل شيء، منه ما يقيس الثقل، ومنه ما يقيس المسافات، ومنه ما يسمى ميزان الأرباح والخسائر، ومنه ما توزن به الكتل والأحجام، وغيرها.. وعند قياس، أو وزن شيء على غير معياره وميزانه، يأتي الحكم مختلًا.
جدلية المعايير ومحاكمة الأمم
حركة المجتمعات نحو المستقبل لا تقاس بمعايير التجار من ربح وخسارة ولا بمعايير الحروب بقدر الغنائم والمغارم، ولا بعدد الضحايا والأسرى، ولا بعدد التجارب الفاشلة، أو أنصاف التجارب غير المكتملة.. ولكن بحجم سقوط مسلمات تقود العقل وتحكم تصوره عن الواقع والمستقبل بكل متطلباته.
كانت أسس التخلف وقيوده التي أحاطت به وسادت في الماضي واستبدالها بأسس لا يقوم للأمم قائمة إلا بها.. ولا يمكن لها مزاحمة غيرها في المستقبل مجردة منها ولهذا كل عمليات النقد الذاتي للمجتمعات حين تصدر من أنصاف علماء الاجتماع أو غير المختصين تكرس للهزيمة واليأس في أوقات تقترب الأمم من آخر خطوات مغادرة الماضي بكل معاناته وهزائمه..
ولا توجد أمة مكتملة البنيان بين الأمم منذ نزول الوحي على محمد عليه الصلاة والسلام وحاضرة في كل عصر إلى اليوم وعلى كافة المستويات من مرجعيات مكتملة وجغرافيا إستراتيجية وتنوع ثروات طبيعية وبشرية وتنوع مهارات حتى أدق التخصصات العلمية والفائقة التقدم وتستطيع الاشتباك مع المستقبل وتدفع أو تبذل كل التكلفة اللازمة بأوفر ما تطلبه وفوق ما تتخيله أكبر ملكات المتخيلون في العالم إلا أنه ينقصها فقط الرأس الرباني والنداء حتى من يصلح أن يكون من حواري هذه الرأس اليوم بوفرة لم تسبق لها مثيل فيما مضى ولهذا كل نقد للصحوة الإسلامية واتهامها بأنها لم تؤتِ أكلها نقد يجافي الحقيقة وما السعار الشرس على الأمة وعلى كافة المستويات اليوم إلا أن أعدائها يوقنون بأن الأمة حتى وهى مبعثرة وتعمل في جزر بعضها ضد بعضها وبعضها ينازل عدوها إلا أنها حاضرة وحية وبعافية برغم كل الآلام و أقرب ما يكون للحظة التمام والكمال والنزال مع المستقبل بكل مكوناته.
وحين ييأس فقهاء الطوائف من الإجابة عن أسئلة المستقبل وعلاج الحاضر بفقههم سيضطرون لفقه الأمة والذي يعتمد التكامل وليس التضاد والإيثار وليس الشح واتساع ذمة الأمة لتحمل ضعافها قبل أقويائها ووحدة الجغرافيا ووحدة المسئولية وحينها تستأنف الأمة بعثها من جديد.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)