اختتام (جواهر التدبر)
بقلم د.فؤاد البنا
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد حوالي شهرين انتهينا من كتابة الجزء الثالث من (جواهر التدبر)، وخلال ١٠٠ حلقة استعرضنا عشرات العناوين التي سنضعها هنا بين قوسين، وندعو الله أن تعين القارئ المؤمن على الاستبصار بكتاب ربه والتوطن العبادي في محراب الحياة؛ فقد عرفنا في هذا الجزء أن الله أنزل القرآن (لقوم يؤمنون..) بمعنى أن الإيمان يسبق القرآن، وأيقنّا ب(فاعلية القرآن الكريم) في تحقيق الهداية الشاملة لمن أراد، ورأينا (صفات القرآن تبرز قوته الذاتية) بجلاء.
و(عندما يتولى الله ورسوله تعليم القرآن) فإنهما يؤكدان لنا عظمة فريضة التدبر وضرورة فهم مراد الله في نصوص القرآن، وقد ثبت لنا بالبرهان العلمي والعملي (دور تلاوة القرآن في صناعة الحياة)، واتضحت لنا (استقامة طريق القرآن)، وإمكانية أن ننسلك في طريق هدايته إذا انطلقنا في القراءة من (التعقل الخاشع للقرآن) وكنا من أصحاب (المتابعة الحثيثة للقرآن)، وتجنبنا الوقوع في (جريمة تبعيض القرآن)، وأدركنا وقوع (هداية القرآن بين الإنعام والإضعاف) بحسب تعاطينا معه، واستطعنا رؤية (آيات الله بين عطية التصريف وعقوبة الصرف)،
وبهذا الصدد ينبغي ان نتعامل مع (إنعام الهداية) بما يليق بها من شكر، فنستنبط (أنواع الهداية) من ثنايا النصوص، ونستفيد من (تعاضد القرآن والصلاة) في الترقي بذواتنا وتوطين الإسلام في حياتنا.
وقد لفتت أنظارنا هذه الجواهر إلى (دور الخشوع في تيسير الصلاة)، ورأينا رأي العين (الشغف النبوي بالهداية) حتى رأينا معاتبة الله له على إرهاقه الشديد لنفسه، وتجسدت أمامنا (أخلاق الهداة) وتساقطت علينا (الثمار العملية للعلم)، وتدربنا على (العروج إلى الحكمة)، من خلال أمور عديدة، وأهمها استثمار (منافع التعلم المنهجي)!
وأبرزت جواهر التدبر بجلاء (أفياء التآلف)، وأوضحت أن (التنوع قوة للمناعة الاجتماعية)، وساقت الأدلة على إمكانية (تعدد الصواب) في نفس المسألة، وبرهنت على بُعد (المسافة بين وحدة الدين وتفرق المتدينين)، وأوضحت الفرق الشاسع (بين التفرق في الدين والدخول إليه من أبواب متفرقة)، ورسمت خارطة (المقاصد والوسائط)، وحثت في ذات السياق على (تجفيف منابع العصبيات)، وأبرزت بصورة سافرة (مخاطر ثقافة القطيع)، وحذرت من (مصائب التفرق)، ولم تكتف بهذا بل وفرت بدائل إيجابية يمكنها تحقيق التآلف والاتحاد، من خلال الكشف عن أهم (مقومات الوعي الجمعي) في القرآن بعشر حلقات مطولة انتظمت أهم المقومات التي ينبني عليها الوعي الجمعي لمن يريد التحرر من الفردية العليلة!
وانطلقت بعد ذلك لتبين (شمائل الرجال) وخاصة (شمائل المخبتين)، واستخرجت من بحر القرآن (نفائس التقوى) و(ذخائر الحرية)، وقدمت كشفاً أولياً لما يمكن أن يجنيه المسلم من (أرباح الإيمان)، ذلك الإيمان الذي يطلب من أصحابه تحمل (أثقال المسؤولية) أينما كانوا!
ومارست جواهر التدبر (لفتات حول الموضوعية) المفقودة في حياة المسلمين، وكشفت عن وجود (أسلحة معنوية للمؤمنين) يمكنهم التسلح بها للاحتماء من مكر أعدائهم، مع التعلق ب(حبال السماء)، وإتقان (آداب الدعاء)، في طريق التأهل للحصول على (عطاء الفاعلية)!
وأوضحت الجواهر وقوع (قلوب العباد بين الصرف والتصريف)، وضرورة استفادتهم من (تدابير الرحمن) في هذا الكون، وإدراك (أهمية التفكر في المآلات)، والانتباه لوجود (فروق قرآنية دقيقة) بين كثير من الثنائيات المتقاربة والمصطلحات المتشابهة، وضربت المثل بموضوع (التزكي بين الأقوال والأفعال)!
وسعت الجواهر لإكساب متابعيها زاد الحكمة، من خلال إبراز (التجليات الدنيوية لكون الله سريع الحساب)، وتبيين (ازدواج الجزاء في المعاش والمعاد) وملاحظة (التواشج بين جنتي الأرض والسماء)، وإبراز (القوام المعنوي للحياة)، داعية إلى (مراعاة التكوين المزدوج للإنسان) بالجمع بين المثالية والواقعية، وإلى (تمازج التبشير والإنذار) في الدعوة إلى الله، مع الحرص في كل الأحوال على (عقلنة الجوارح)!
وقد تألقت الجواهر في استبصارها لآيات الأنفس بالنظر للإنسان (من زوايا الضعف البشري)، وركزت بشكل خاص على (طبائع بشرية) و(سلائق بشرية) بحد ذاتها، ومن هذه الطبائع العجلة والخوف، حيث أبرزت (خيبات التعجل)، وحلّلت (أنواع الخوف) التي تغزو النفوس البشرية!
وانطلقت بعد ذلك للكشف عن (انقلاب المصطلحات) في عصرنا، ومن ثمارها العلقمية وجود صنف غريب من الناس وهم (الذين يعادون أنفسهم) ولا يتورعون عن السعي لتحقيق (المكاسب القاتلة) على حساب إيمانهم!
وأبانت الجواهر مدى اختلال القيم (عندما تنقلب الموازين) عند البشر، ومن آثار هذا الانقلاب كثرة (آفات العقول) وبروز (آفات المتدينين) وتنوع (آفات اللسان) في زمن الإعلام المفتوح ووسائل التواصل الاجتماعي، داعية إلى (التبين والحذر) عموما مع (الحذر من الجبناء) والتوقي من (مخاطر الغفلة) وكاشفةً عن (دور المعاصي في حلول الذل والهوان) بالأمة!
و(عندما يصد المسلمون عن سبيل الله)، كما نرى بعضهم يفعلون فإنهم يكونون قد أصيبوا ب(تفاهات العقول) وابتعدوا عن (مقومات الشهود الحضاري) على الأمم؛ مما استوجب (حلول عذاب الخزي بالمسلمين) كما نراه في الواقع المعاصر، وآذن بذهاب (ريح الرهبة) منهم، وبالطبع لا نشك بوجود (دور للبطانة في فرعنة الحاكم) الذي أدخل الأحرار (سجون الفراعنة) وجمّد (المقاصد الأساسية للدولة الإسلامية) واقترف سائر (الخطايا المتعدية) في حق الجماهير!
وقبل الختام حددت الجواهر (استراتيجية الشيطان) وكشفت (أسلحة الشيطان)، وأبانت (أصناف الكائدين)، ثم أبرزت (انقلاب الكيد الخبيث على أصحابه)، ورسمت (أواني الزمان) موضحة لقضية (مراكمة الزمان لأعمال الإنسان)!
وختمت بتصوير (أطيار الناس) ورسم (تقاسيم الوجوه)، مؤكدة خطورة (مآسي اليأس) على الإرادات، وضرورة مواجهتها عبر (نفحات التفاؤل)!
لمتابعة هذه السلسلة وغيرها من كتابات وكتب د. فؤاد البنا تابع قناة الكاتب على التليجرام:
https://t.me/ProFB