بقلم ماهر جعوان
في غمرة الحماس والطموح والسعي إلى الكمال المطلق وربما في غمرة الابتلاء والمحن والشدائد ومع طول الظلم وتجبر الظلام، قد يطول الأمد على البعض فينسى كثيرا من المسلمات والثوابت والمبادئ والأركان التي تربى عليها وآمن بها فتتغير المفاهيم وتتبدل وتختل الأولويات ويتدخل الشيطان فيفسد القلوب والعقول إذ أن سلامة الصدر وإحسان الظن والتأول للمخطئ والعفو عن الهفوات أبجديات القلوب الطاهرة والصدور النقية.
تربينا وتعلمنا تجنب الخوض في الأعراض والبعد عن اتهام النيات وتفادي سوء الظن فإنه أكذب الحديث وعلينا التثبت والتبين والاستيضاح ولا نطلق العنان للألسن قبل تدبر القول وإمراره على العقل (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) فنصيب قوما بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين باتهام الأبرياء وأكل لحوم الأهل والأحباب (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم).
التربية بالمواقف والأحداث والصبر على كر الزمان من أهم ما يتربى به الصادقون، فالمقارنة والربط بين مواقف الفرد وموقعه وتصرفاته وكلماته وأخلاقه وتزكيته في الماضي والحاضر في الرخاء والشدة يوضح معيار ومقدار تكامل التربية وشمولها وتمامها وبهائها، فبقدر ما يجد يكون الإخلاص والتقدم والنماء والنقاء والارتقاء والمفاهيم التي تجري في العروق.
جلد الذات ولوم النفس التشاؤمي المذموم بالنظر إليها دوما بعدسة الفشل؛ مما يقلل من أي إنجاز نحققه، كما أن عقلية الفشل لا تأخذ في الاعتبار الظروف الصعبة التي واجهناها أو مدى الصعوبات التي تخطيناها، والسعي للكمال أمر محمود بينما لوم النفس المذموم السعي للكمال المطلق، وتجاهل طبيعتنا البشرية وقدراتنا المحدودة، وهناك أبحاث توضح أن الأشخاص التواقين للوصول للكمال المطلق هم الأكثر عرضة للاكتئاب والقلق والانتحار. وأيضًا هم أكثر الأشخاص عرضة للإصابة بمتلازمة التعب المزمن (حالة من التعب المتكرر الذي لا يختفي حتى بعد الراحة).
الأصل أن الإنسان طائع عابد مدرك حقيقة الوجود (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وقد أرسل الله الرسل من أجل ذلك فيأتي شياطين الإنس والجن فيقلبون القلب والعقل رأسا على عقب فيصاب الفرد والمجتمع بل معظم العالم بالانتكاس (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) فاحذروا مرض الانتكاس حيث تصلب الفكر عند لحظة معينة أو موقف معين لا يريد ولا يحب ولا يحاول تجاوزها كي تسير الحياة بتجاوز الماضي وتلافي الأخطاء في المستقبل.
البكاء على الأطلال والتحسر الشديد على أخطاء الماضي، يعيق التقدم للمستقبل، ويفتح الباب للتعاسة، ويقول المختصون: “كلما استرجع المرء ذكرياته السلبية، فإنه يعيشها بكل تفاصيلها ويتعايش معها بكل انفعالاته؛ إلا أن قدر هدر الطاقة المبذولة يحد من نشاطه العقلي، لدرجة يحتاج فيها إلى مدة زمنية أكبر للقيام بنفس المهمة؛ فينعكس ذلك سلبا على صحته النفسية، وينزلق دون رغبة في مزالق الإحباط، ما يزيد الأمر سوءا بسبب التداخلات النفسية العصبية المرَضية التي تبرز في أعراض التدهور المفاجئ لمعظم المهارات الذهنية، وخاصة القدرة على التذكر والتركيز والتردد في اتخاذ القرارات الاعتيادية بسبب فقدان الثقة في الذات” .
المصدر: موقع طريق الاسلام.