خليل مبروك-إسطنبول
وتخلل المهرجان إقامة ندوة علمية بعنوان “عالمية اللغة العربية وتطلّعات المستقبل” شارك فيها عدد من الأكاديميين العرب والأتراك، وفقرات شعرية ضمن الملتقى الشعري “نفحات من الشعر العربي” بحضور الشاعرين أنس دغيم وظافر دركوشي.
كما قدمت خلال المهرجان عروض مسرحية وأعمال تمثيلية للطلبة العرب والأتراك، ولوحات من الخط العربي. وافتتح في المهرجان معرض للكتاب العربي وآخر للفن والثقافة العربية، إضافة إلى سوق خيري عرضت فيه منتوجات يعود ريعها للأيتام ومشاريع التدفئة الشتوية لهذا العام.
وتشارك أكثر من 15 دار نشر عربية في مهرجان “باشاك شهير للكتاب العربي” الذي يفتتح يوم الثلاثاء القادم، ويتضمن محاضرات ثقافية وعروض “سينما الواقع للأطفال” وفعاليات ترفيهية ومحاضرات لغوية، وتم خلاله تنفيذ مسابقات وتوزيع جوائز على الفائزين.
كما افتتح في إسطنبول الخميس الماضي معرض “باجلار الأول للكتاب العربي”، والذي شمل 2500 عنوانا في مجالات الفكر والشعر والعلوم والفنون وتطوير الذات وتربية الأطفال والتنمية البشرية، إضافة الى ندوات حوارية ومحاضرات تخصصية وورشات عمل عن القراءة السريعة وتعليم اللغة العربية والخط العربي.
وتتناول فعاليات المعرض مناقشات وقراءات في بعض الكتب، وسينما للأطفال وتدريبات مهارية في العديد من المجالات.
جانب من محاضرة عن الخط العربي في معرض باجلار للكتاب بإسطنبول(الجزيرة) |
أهمية خاصة
ووفقا لوسام المدني المدير العام لمؤسسة زيد بن ثابت الأهلية التي تنظم معرض باجلار للكتاب، فإن تعاظم تعداد أبناء الجالية العربية في تركيا -الذين يقدرهم بنحو خمسة ملايين- رفع مستوى الاهتمام باللغة العربية في تركيا.
ويؤكد المدني للجزيرة نت أن الرغبة في الحفاظ على الثقافة العربية للنشء العربي في تركيا دفع بكثير من المؤسسات العربية لتنظيم فعاليات وأنشطة تهتم باللغة العربية، كحاضنة تشكل الهوية العربية لهم.
وتحظى اللغة العربية بمكانة خاصة لدى الشعب التركي، فالحرف العربي كان أول ما كتب الأتراك ليحفظوا لغتهم الشفوية بعد استقرارهم في الأناضول.
وتأثرا بالدين الإسلامي وبلغة القرآن الكريم، اعتمد السلاجقة الخط العربي في تدوينات السياسة والحكم وتنظيم شؤون الدولة ومراسلاتها الخارجية، وعلى نهجهم سار العثمانيون الذين رافق الخط العربي مسيرة دولتهم.
وبسقوط الدولة العثمانية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أكمل “الكماليون” سلخ تركيا الحديثة عن محيطها الشرقي باستبدال الحرف اللاتيني بالعربي، وتأسيس مجمع اللغة التركية الذي عمل على إبعاد ما أمكن من المفردات العربية عن اللغة التركية.
لكن كثيرا من المهتمين والدارسين للغة العربية من الأتراك أو معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، يؤكدون أن نحو 40% من مفردات اللغة التركية المعاصرة هي كلمات عربية أو مشتقة من أصول لغوية عربية.
في المقابل، أثرت اللغة التركية باللهجات المحلية المحكية في كثير من البلدان العربية، خاصة في مجالات بيرواقراطيات الحكم ودوائر العمل الرسمي وفي نسق الطبقات الاجتماعية، ومنها أخذ المصريون على سبيل المثال كلمات من قبيل “بيه” و”أفندم” و”أبلة” و”هانم”.
الإقبال المتزايد على تعلم العربية في تركيا يرجع لاعتبارات دينية وتاريخية واقتصادية وأكاديمية(الجزيرة) |
عودة للحياة
ويؤكد المدني -ككثير من الناشطين في مجال اللغة العربية- أن عودة الحياة للضاد في بلاد الترك ترجع لكثير من الاعتبارات الدينية والاقتصادية، ويقول إن الأتراك يقبلون على تعلم اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم، ونظرا لتوجه الكثير من مراكز المال والأعمال العربية لتركيا ونشاط المستثمرين العرب فيها.
وينتشر الحديث بالعامية العربية في أوساط التجار والباعة الأتراك الذين يتعلمون أساسيات العربية أو مفرداتها المرتبطة بمهنهم، خاصة فيما يتعلق بلفظ الأرقام العربية والمقاييس والمكاييل والأسعار وأساليب الإقناع والترويج.
وشاع تدريس العربية في تركيا في إطاره الديني في مدارس الأئمة والخطباء التي تقدم تعليما دينيا مكثفا إلى جانب المناهج المدنية، بل إن تدريس العربية لم يتوقف في كثير من المراكز والأوقاف الصوفية حتى في أكثر مراحل “الأتاتوركية” تعصبا في وجه الإسلام.
كما يقبل الأتراك على تعلم العربية الأكاديمية لاعتبارات علمية صرفة، فمن دونها يتعذر قراءة التاريخ التركي وتحقيق مخطوطاته، ومعرفة مكنون الكنوز التي تزخر بها المتاحف والمكتبات العريقة المنتشرة في تركيا.
ومن الطرائف الدارجة في تركيا أن تستمع إلى حوار بين زبون عربي يصر على استخدام التركية التي لا يجيدها مع بائع تركي يرد عليه بالعربية التي لا يتقنها، مما يقتضي تدخل لغات الإشارة والجسد، وفي كثير من الأحيان “مساعدة صديق” لتجاوز حاجز “حوار الطرشان”.
(المصدر: الجزيرة)