مقالاتمقالات مختارة

اجتهاد الحكام المعاصرين في أحكام الدين

بقلم مسعود صبري

يلاحظ أن بعضا من حكام الدول العربية اليوم يحرصون على تقديم أنفسهم أن لهم اجتهادا في الدين، فيقدمون بعض الآراء التي تتعلق بالحلال والحرام، رغم وجود مؤسسات دينية خاصة بالإفتاء، ووجود منصب المفتي في تلك البلاد، فلا يكتفون بما قد تقوله المؤسسات الدينية والشخصيات الفقهية مع أنها – في غالب الحال- تقول ما يريده هؤلاء الحكام.

ففي مصر مثلا قال حاكم السلطة فيها: إن طلاق الرجل الشفوي لا يقع، وأنه لا يقع إلا أمام المأذون أو المحكمة، وقد رفض مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ذلك،  وهو أعلى مؤسسة دينية لها حق الاجتهاد في مصر، رغم وجود أصوات شاذة أيدت ما قاله رئيس السلطة في مصر.

وفي تونس قال السبسي في يوم الاحتفال بالمرأة إنه يدعو إلى مساواة المرأة بالرجل في الميراث، وأنه يجب أن يتاح للمرأة المسلمة أن تتزوج بغير المسلم، ورأى أن هذا من الحرية للمرأة.

ثم خرج بيان من مفتي تونس يؤيد ما ذهب إليه رئيس تونس من آراء تتعلق بالحلال والحرام.

والتساؤل هنا:

لماذا يصر بعض هؤلاء الحكام على أن تصدر الآراء التي لها علاقة بالحلال والحرام منهم، ولا يكتفون بأن تخرج تلك الآراء  من الجهات المعنية بالإفتاء، حتى لو كانت خطأ وعلى هواهم؟

وما هي أهم الملامح لتلك الآراء التي تتعلق بالحلال والحرام والتي تخرج من هؤلاء الحكام؟

أول ما يلاحظ أن كل الآراء التي يتكلم فيها الحكام هي من الآراء المقطوع بها في الدين،  والتي هي ليست محل اجتهاد، فقد استقر اجتهاد كل الفقهاء في كل العصور عليها، وأنها من النصوص المقطوع بحكمها، والتي قال الله تعالى فيها: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7].

ولعل اختيار تلك الأحكام لأن من هم على رأس المؤسسة الدينية أو جهة الإفتاء إن خرج بها، فسيرد عليه كثير من الفقهاء، كما أن صورة المفتي العلمية تهتز حتى من عوام الناس، وسيكون محل انتقاد كبير.

ورغم انتقاد هؤلاء  الحكام، إلا أن هناك قطاعا كبيرا من الناس يخدع بهذا الخطاب، ويرى في رئيسه مبدعا ومفكرا، مما يعني تحسين صورته أمام قطاع من العوام الذين لا علم له في الدين.

الأمر الآخر: وهو إقحام هؤلاء الحكام أنفسهم في قول بعض الآراء فيما يتعلق بالحلال والحرام له بعض الأهداف السياسية، ومن أهمها:

أولا – تحسين صورة الرئيس، وأنه مهتم بالأسرة والمرأة، وخطاب المرأة خاصة فيما يتعلق بحقوقها أو ما يدعى أنها حقوق، ولو بصورة مزيفة، فيه كسب لشعبيته عند كثير من النساء، وهو قطاع عريض يغفل عنه الخطاب الديني الرسمي، وغير الرسمي، والرؤساء بحاجة إلى أصوات النساء خاصة في الانتخابات الرئاسية.

ثانيا – إظهار صورة الرئيس أنه متدين، وأنه يهتم بالشؤون الدينية، وهذا يجعله يخاطب شريحة من عوام الناس التي تحب التدين والمتدينين، فيظهر الرئيس أمامهم أنه رئيس يحرص على الدين، ويحرص على تجديد الخطاب الديني، بدرجة تفوق العلماء في البلد، مما يحسن صورته عند بعض من لا علم له من عوام الناس. وهذه حيلة استعملها فرعون قديما حين أراد أن يسوء صورة موسى نبي الله عليه الصلاة والسلام أمام الشعب المصري، فقال لهم، كما قص القرآن: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } [غافر: 26]، ففرعون يخاطب الشعب المصري قائلا أنه يخاف على مصلحتهم، وأن موسى إنما جاء ليبدل دينهم ويجعلونهم كافرين، وأنه يسعى في الأرض فسادا، ولا شك أن هذا الخطاب رغم فحشه، فإن بعضا من السذج من الناس ينطلي عليه، ويصدقه.

ثالثا – أن مثل هذه الآراء حين تخرج من الحكام، فإنه تجرئ كثيرا من الأقلام الأخرى التي تعادي الإسلام من العلمانيين وغيرهم، كما قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54] فإن كان أعلى فرد في السلطة يتجرأ على الدين، فمن باب أولى أن يتجرأ غيره لأنه يأخذ نوعا من الحصانة، فيأمن عدم محاكمته في بلاده على أفكاره التي تخالف الدستور والقانون والدين والأعراف، بل يجرئ أيضا العامة من الناس على تكرار كلام الرئيس، فيصير ما يقوله حديث الناس في الشوارع، مما ينشر في الناس الاستهانة بالدين، ليس فيما قاله الرئيس فحسب، بل في أمور أخرى.

رابعا – قد يكون مقصود الحكام هو صرف انتباه العامة ، وإحداث حالة من الفوضى الفكرية، حتى ينصرف الناس عن السياسات الفاشلة، والانتقادات اللاذعة لبعض القرارات، أو بعض السياسات التي تنقص من شأن الحكام عند عموم الشعب، ولهذا، يفجر الحاكم ( قنبلة دينية)، حتى تنتثر غازاتها عقول الناس، فلا ينشغلون إلا بها.

ولعل خروج بعض الحكام بمثل هذه الآراء هي من الأمور المدروسة، وليست العشوائية، بل هو أمر مخطط له.

ولكن الذي لا شك فيه أن مقصود الحكام من الحديث في هذا الكلام يأتي بنتيجة عكسية، فما كان الله ليوفق من عصاه، ولا أن يقذف حب الناس في قلبه، بل تبغضه قلوب المؤمنين وتعلنه، بل يلعنه من في السماء والأرض.

ولا يظنن من يفكر للرؤساء بهذه الطريقة أنهم يخدمونهم، بل على العكس، فهم يورطونهم، ويحطون من قدرهم عند شعوبهم المؤمنة، وهذا جزاء كل من يتجرؤ على دين الله تعالى، والأمر كما قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [الصف: 7]

(المصدر: إسلام أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى