مقالاتمقالات المنتدى

“اتّفاقية إبراهام” لتصفيّة القضيّة الفلسطينية

“اتّفاقية إبراهام” لتصفيّة القضيّة الفلسطينية

بقلم د. محمد فتحي الشوك (خاص بمنتدى العلماء)

أطلّ علينا الرّئيس الأميركي رونالد ترمب فرحا مستبشرا مهلّلا معلنا عن اتّفاق “ابراهام التّاريخي” بين ولي عهد أبو ظبي محمّد بن زايد و رئيس الوزراء “الاسرائيلي” بنيامين نتنياهو و لم يخف قمّة سعادته فيما يعتقد أنّه توصّل إليه،مبشّرا بفتوحات أخرى ستتحقّق في قادم الأيّام الحبلى بالأخبار المفرحة الّتي قد تشهد عقد قران شرعي للمطبّعين الرّاغبين في التخلّص من عقدة الذّنب و وخز الضّمير جراء علاقاتهم العابرة خصوصا و أنّ كثيرا منهم بدأت تظهر لديهم علامات الحمل و صار همّهم البحث عن اعتراف بالأبوّة لستر عارهم!
ربّما سيكون حفل زواج كاثوليكي جماعي يضع نهاية لعذابات الهجر و ممارسات العشق الممنوع ، فما الّذي جعلهم يجهرون بكلّ وضوح و بدون أيّ تحفّظ عمّا كانوا يمارسونه سرّا و من وراء السّتار؟ ثمّ ما الدّاعي لإعلان مثل هذا الاتّفاق في هذا التوّقيت بالذّات و من المستفيد من ذلك؟
_كذبة أخرى و خيانة أخرى:
اتّفاق ابراهام الّذي أعلن ترمب على التوصّل إليه هو عبارة عن عمليّة تطبيع كامل للعلاقات بين الإمارات و “اسرائيل” و يشمل تبادل السّفارات و الرّحلات و التّعاون في مختلف المجالات الاقتصادية و الثقافية و الأمنية و روّج للعمليّة بأنّها اختراق تاريخي لإرساء سلام مستقرّ و دائم في شرق أوسط جديد خال من الاحتقان و الصّراعات ،خطوة “شجاعة” دشّنتها الإمارات لتفتح المجال لبقية دول المنطقة العربية و الإسلامية لتلتحق بالرّكب.
برّر وليّ عهد أبو ظبي بأنّ ما قام به هو لإيقاف خطّة الضمّ” الاسرائيلية” لأراضي الضفّة الغربية ليتحدّث ترمب عن مجرّد تأجيل و يعقّب نتنياهو بان فرض السّيادة لا زال على الأجندة و ملتزمون بتنفيذه و أن لا تغيير في خطّة ضمّ السّامرة و يهودا.
فعن أيّ إلغاء للضمّ يتحدّث عنه بن زايد و بقيّة من يبرّرون هذه الاتّفاقية الّتي وصفها الفلسطينيون بأنّها خيانة موصوفة و طعنة غدر في ظهر الشّعب الفلسطيني؟
و في الواقع فان خطّة الضمّ هذه مجمّدة حاليا لأسباب “اسرائيلية” داخلية في ظلّ الأزمة السياسية و الاجتماعية الّتي يعيشها الكيان الغاصب زيادة على الضّغوطات الأوروبية و بعض التحفّظات العربيّة و الرّفض الفلسطيني القاطع.
أمّا الحديث عن اتّفاقية سلام فضحك على الذّقون و سردية كوميدية سوداء و كأنّ الإمارات كانت في حالة حرب و صراع مع الكيان الصّهيوني و هي الّتي تعيش معه في وئام و تناغم منذ ربع قرن أو يزيد،و هل تخفى علاقات الإمارات الحميمية السّاخنة بإسرائيل؟
مناورات عسكرية مشتركة، تدريب للطيّارين الإماراتيين حتّى أنّهم ساهموا في قصف غزّة،تنسيق أمني و مخابراتي و تمكينهم من طائرات الدرون لقنص اليمنيين و الليبيين،تمكينهم من شبكة تجسّس الكترونية فائقة الدقّة لتعقّب الأحرار و تخريب الأوطان،تبادل للزّيارات بين المسؤولين على أعلى مستوى،تناغم في الخطاب الإعلامي الرّسمي و الافتراضي إلى حدّ الاعتقاد بأنّ المصدر واحد ، نشاط كثيف لسفير الإمارات في الولايات المتّحدة الأميركية يوسف العتيبة ذي العلاقات الجيّدة مع اللّوبي الصّهيوني و عرّاب صفقة القرن كوشنير ، و أخيرا و ليس آخرا هبوط الطّائرات الإماراتية كم من مرّة في مطار بن غريون بتعلّة المساعدة في مجابهة جائحة كورونا.
كذبة أخرى و مؤامرة أخرى و خيانة أخرى من قبل من مرد على الكذب و التآمر و الخيانة، يتحدّثون عن تحالف لمواجهة إيران مع أنّ هذه الأخيرة الّتي تحتلّ لهم ثلاث جزر (أبوموسى و طنب الكبرى و طنب الصغرى) هي الأكثر تعاملا مع الإمارات و لها اتفاق معها لتستعملها فزّاعة للجوء إلى الكيان الصهيوني!
وصف اتّفاق العار هذا بأنّه تاريخي وهو كذلك بمعيار السّقوط الأخلاقي في سابقة لم يشهد لها التّاريخ مثيلا، حين يبادر من يبحثون عن تاريخ و لو بالنبش في الفضلات أو على سطح المرّيخ بتلطيخ صفحاته بإفرازاتهم النّتنة و المسمومة.
وحّد إعلان اتّفاق “ابراهام” الطّرف الفلسطيني صاحب الحقّ و المغيّب عن الصّورة و هو المعنيّ بالأمر لتتجاوز السّلطة و الفصائل خلافاتهم و يصدرون قولا واحدا: انّها خيانة موصوفة و طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني و مؤامرة تستهدف تصفية القضيّة نهائيا ،كما صدر موقفان مشرّفان من ليبيا و اليمن في انتظار تبيّن بقيّة مواقف الدّول العربية و الإسلامية و على أمل أن يوقظ أحدهم جامعة الدّول العربية و منظّمة المؤتمر الإسلامي و مجلس التعاون الخليجي من سباتهم العميق عسانا نسمع موقفا و لو محتشما عن هذا الانتهاك الواضح لمعاهدة السّلام العربية و الخرق الفاضح لثوابت القضية الفلسطينية.
كان متوقّعا تهليل مصر المختطفة و إعادة التغريد من قبل البحرين الّتي ستكون التّالية في مخطّط التّطبيع التّام أو كما أطلق عليه يوسف العتيبة المشروع الاستراتيجي الكبير للشرق الأوسط أو ما يعرف بصفقة القرن،و من المنتظر كذلك أن تنصاع الشقيقة الكبرى و العظمى المملكة السعودية لتلتحق علانية بالركب كمهر يقدّمه بن سلمان لاعتلاء العرش.
_ما سرّ توقيت إعلان الاتّفاق؟
حاول ترمب خلال إعلانه عن اتّفاق ابراهام الّذي ودّ لو سمّي باسمه لولا خوفه من ردّة فعل الإعلام تسويق ما تمّ التوصّل اليه باعتباره انجازا يحسب له و هو الّذي في حاجة ماسّة لأيّ انجاز يدعم حظوظه المتهاوية و الّتي بدا يعتريها الشكّ في عبوره بنجاح استحقاق الرّئاسيات الأميركية القادمة في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني2020، الى حدّ محاولة تأجيلها ، فترمب الّتي أحبطت جائحة كورونا بعضا من نجاحاته الدّاخلية و عرف الفشل في سياسته الخارجية سواء مع الصّين أو روسيا أو فينيزويلا أو في الخليج و حتّى في أوروبّا، يسعى الى تسجيل هدف و لو في الوقت الضّائع و أن يصبح مثل جيمي كارتر و بيل كلينتون و هو الّذي يعتقد أنّه أفضل رئيس عرفته أمريكا و هو يستحقّ أن يكون وجهه منحوتا في جبل راشمور .
وقد منحه بن زايد فرصة تحقيق انجاز دعما له و خوفا ممّن سيخلفه الّذي قد يعرقل مشاريع الإمارات التخريبية ،زيادة على أنّ أيّ رئيس أميركي تتضاعف حظوظه طرديا مع ما يقدّمه من قرابين على عتبات معبد اللّوبي الصّهيوني حتّى و لو كان شعبويّا و بلا كفاءة تذكر.
أمّا رئيس الوزراء “الإسرائيلي” و الّذي يعيش أزمة داخلية سياسية و اجتماعية فلا مانع لديه أن يتقبّل هدية على طبق من ذهب و هو من سيقبض دون أن يدفع.
أمّا الإمارات و هي الّتي حاربت بشراسة ثورات الرّبيع العربي و استعدت الشّعوب في رغبتها للاستنهاض و تطلّعها للحياة الحرّة الكريمة واصفة ما يجري بأنّها مؤامرة عبرية وهي كما يبدو تنفّذ دورا وظيفيا تخريبيا كتفريخات سرطانية خبيثة ذات العلاقة الوطيدة مع الورم الأمّ المزروع في جسد الأمّة،فقد اضطرّت لأن تكشف عن وجهها القبيح و لعلّ الانتعاشة النسبية لإرادة الشعوب في التحرّر و صمود قطر أمام الحصار الجائر و تعافي تركيا و صعودها الصّاروخي و وقوفها كحجر عثرة أمام بعض مشاريعها العبثية خصوصا في ليبيا و الصّومال ، هي من الأسباب الّتي عجّلت بسقوط الأقنعة.
دعا الرّئيس “الاسرائيلي” ولي عهد أبو ظبي لزيارة القدس خلال الأسبوع القادم تكريسا لإعلان القدس عاصمة لإسرائيل و تنفيذا لبروتوكولات صفقة القرن ليتبيّن أنّ الهدف الأساسي هو تصفية القضيّة الفلسطينية بالكامل و هو ما يشير إلى أنّنا أمام نكبة أخرى أشدّ وطأة من سابقاتها، فكامب دافيد و اوسلو و وادي عربة أنشأت علاقات علنيّة رسمية مع الكيان الصّهيوني دون أن تنتج تطبيعا كاملا معه نتيجة للرفض الشعبي المتجذّرو محورية القضية الفلسطينية في ضمير و مخيال العربي و المسلم و كلّ إنسان حرّ.
ما يحاك من مؤامرات يتجاوز مستوى خيانة ما قد سبق إلى حدّ تجريم صاحب الحقّ المظلوم و تبرئة الغاصب المحتلّ الظّالم بل و مكافأته على صنيعه.
هكذا تغتصب المعاني و تشوّه الحقائق و يزيّف الوعي في محاولة لإعادة تشكيل الذّاكرة و إيجاد حاضنة متقبّلة لواقع المذلّة و النّذالة في زمن صارت فيه الخيانة وجهة نظر.
و أمام قتامة المشهد التّعيس فان ما يبعث فينا بعض التّفاؤل و الأمل هو ذاك الطّفل الفلسطيني الّذي يمسك بيده حجرا و هو يواجه الدبّابة و ذاك الشّيخ المحتفظ بمفتاح بيته العتيق في إحدى القرى الّتي محوها من الخريطة و بقيت تسكن قلبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى