مقالات مختارة

ابو العُرّيف الدعوي…!

بقلم د. حمزة آل فتحي

ما برحنا نرتاح من (أبي العريف السياسي) – وهي متسعة هذه الأيام – أو الاقتصادي واللغوي والمعلوماتي، والناشب في كل قضية، والمتطفل في كل موضوع، والملتحف بكل فضائية، حتى طلع علينا،،،(أبو العريف الدعوي) الناشط الموسوعي، والحاذق الشمولي،،!

يدعي الفهم وليس بفاهم،،،!

ويشاور، ويستبد في المشورة ،،،!

ويتكلم بلا خطة، ويفتي بلا حاجة،،،!

قليل الخبرة، متسع التخصص، مشوش الرؤية ،،!

ولا يدع لمشارك ومعاون فرصة..!

ويؤلمك ادعاؤه امتلاك المؤسسة والدائرة الدعوية إذا تربع فيها، فلا يرينا إلا ما يرى، ولا يطبّق إلا مذهبه وطريقته،،،!

في وضعية فرعونية أبطلها القرآن ((ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)) سورة غافر .

أو يقدم (مقاطع يوتيوبية) ومصورة وكأنه فَقِيه أو داعية،، وتزبب وهو حُصرُم،!!

وصح في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم قوله: ((إن من أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر)) قيل الأحداث وقيل أهل البدع،،!

وتجاوز تنظيره القطر المحلي، فحل ضيفاً في قضايا الأمة، ومشكلات الحركات الإسلامية، ونظّر دون وعي ودراية، ولم يراجع أهل الاختصاص، أو يكلف نفسه البحث في مراجع محددة…؟

والدعوة في حسه وتحركاته ردود أفعال منخولة، ومسالك عكسية منقولة ، تعوزها الرؤية والفحص والتخطيط الاستراتيجي ،،،!

وحينما تسطحت الدعوة في كلمة وموعظة، طار بها الجهال وظنوا أن في وسعهم قول كل ما يريدون، وفعل ما له يشتهون،،،! فوقع الخلل، واشتعل التخبط، وأثمر البليات،..!

تصدر للتدريس كلُّ مهوسٍ// جهولٍ تسمى بالفقيه المدرسِ

وزاد الطين بلة، اتساع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فبات بعضهم (مصلحا اجتماعيا)، بل حتى أمميا، يفتي في النوازل الجسام، ويتكلم في الدماء ويجرّح ويعدل،،،! وهو لم ينضج بعدُ علميا ولا فكريا، أو عمريا، بل قرأ قراءتين وسافر سفرتين، ظن أنها تمكنه من الإدلاء العلمي والتفكير الدعوي…!

وتظن أنك بالقراءة مرةً// أو بالتنقل سيدُ الأعلامِ

وتقول في الدين القويم عجائباً// والله ما هذا من الأفهامِ !!

والله تعالى يقول ((ولا تقفُ ما ليس لك به علم)) سورة الإسراء .

ويقول ((وما يعلم تأويلَه إلا الله والراسخون في العلم)) سورة آل عمران.

والرسوخ يعني العمق وطول المكث، المنتهي بالبراعة والإتقان.

وإن أناسا ليتحدثون في مسائل، (لو كان عمر الفاروق رضي الله عنه حيّا لجمع لها مشايخ بدر)..!

وقال ابن مسعود (إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه ، لمجنون) .

ويخجل أبو العريف الدعوي من التراجع أو الاعتراف بالخطأ والتقصير، ولا يزال يظن أنه الكل في الكل، ومنبع الفهم والوعي ،،،! رغم وهاء ما يحمل، وهوان ما يختزن ويؤمل،،،!!

ويعتقد أن كِبر سنه، أو إدارة عمل وإشراف على مَهمة دعوية أو تربوية، أو مواعظ ساحرة، كافية في تنصيبه (داعية خارقا)، ومعلما عملاقا، ومنظرا للفكر الدعوي أو الشبابي،،،!

وهو وإن ملك الخبرة الزمانية، لا تزال تنقصه الخبرة العلمية والوعي التربوي ، والفقه الإصلاحي،،،! فليست التربية (كلأ مستباحا)، أو سوقا مشاعا، يلجه كل والج، ويتحكم به كل هاوٍ وعاطل …!

بل إنها علم محرر، وفقه محقق، ومعرفة مستوعبة .

قال تعالى:(( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة..)) سورة يوسف . فهل ملك أولئك البصيرة العلمية والإيمانية في البلاغ والتوجيه والتنظير، وأمتنا تخوض أزمات وتفرقا وغارات…؟!

ولذلك من مساوئ التسطيح التربوي والدعوي :

١/ أن يتسنم المؤسسات الدعوية والمحاضن التربوية من ليس مكينا متقنا، وإنما مجرد حبيب مشوق، أو منافس مندفع،،!

٢/ قصرها الاستراتيجي وانعدام الروية الإصلاحية السديدة .

٣/ هوان مناهجها وبرامجها واكتفاؤها بمجرد الأثر السريع والإنجاز التقليدي..!

٤/ التمكين للمسار التخلفي الجاهل بالواقع الدعوي العميق .

٥/ ضعف الإنتاجية الحقيقية، والتي يُعلق عليها الآمال، وترتجى منها روائع الأفعال .

٦/ احتكار جماهيرها واعتبارهم كمريدين وأتباعا يُسيّرون وفق الهوى والتوجيه، بعد انتزاع عقولهم وإراداتهم.

٧/ خداع الأجيال في رسم قدوات وقيادات ليست مؤهلة تأهيلا حقيقيا .!

ولذلك يتكشف أكثرهم في الملمات والفتن، ومن الجهالة المتعمقة تصدر بعضهم في الفتنة والحدث العَمم، وإصدار التوجيهات والفتاوى غير المحررة، والمنزوعة الشورى والفهم والتروي…!

قال تعالى ((وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)) سورة النساء .

وقال الحسن البصرى رحمه الله

 (الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل) .

٨/ احتكار آلة الفقه الدعوي والاستراتيجي، ومنح أنفسهم صلاحية تكييف النوازل والبت فيها، في حالة افتئات على الأمة مبينة ومكشوفة ..!

9/ عدم احترام التخصصات الدعوية والعلمية، وتقزيم شأن العلم والدعوة، واعتقاد أن حفظ مجموعة متون محدودة كاف في تسجيل البطولة والدقة والكفاءة الاستراتيجية ..!

10/ توظيف المواقف العلمانية وإعلامهم لتحركاته وظهوره، وخداعه بأنه الناصح الأمين، والغيور المكين، وجعله خنجرا في خاصرة الدعوة ومجالاتها،،!

ولو كان يفلح أو يعي لتأمل واستشار، ورجع لأكابر فقهاء الأمة الربانيين، وليس الجهلة أو المعزولين …!

لأن الجاهل ناقص الدراية، والمعزول تخفى عليه جُل الحقيقة..!

وعدم استكمال أدوات الظهور والوعي الدعوي يكلف الدعوة أثمانا باهضة ، وينزلها منزلقات خطيرة، ولا أقلها صناعة النزاع والشقاق، وقد قال تعالى((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)) سورة الأنفال .

11/ ازدرداء شأن العلم وتقليل موضعه من الدعوة الإسلامية، وتبني وعاظ منبتي الصِّلة عن المشايخ الأكابر، تصنع لهم هالة، وترضع لهم مكانة، يقضون في كل صغيرة وكبيرة، وهم لا يزالون أقل شأنا وخبره وفقها، وغالبا تكشفهم المواقف، وقديما قد ذُم أبو العريف العلمي، وثربوا على من ادعى الاستيعاب المعرفي، وأنه قد كذب،،!

وشبيهه هنا أبو العريف الدعوي، والدعوة مادتها العلم والخبرة، وهي ناتجة عنه فكيف له الإحاطة والانضباط المطلق،، والله الموفق..

ومضة/ تسطيح الدعوة وتوهينها كثر جهالها ودخلاءها ومتعالميها…!

المصدر: الاسلام اليوم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى