إيّاك والجمود الفقهي
بقلم أيمن صالح
عند تنزيل الفروع والأحكام الجزئية التي قرّرها قدماء الفقهاء على الواقع، ينبغي أن يدقِّق الفقيه المعاصر نظرَه كلَّ التدقيق في القواعد التي ساروا عليها والأُسس التي احتكموا إليها، والتي كثيرًا ما تظهر في ثنايا تعليلاتهم لتلك الفروع والأحكام، وليتجنّبِ الجمود على ذات الفروع والأحكام الجزئية، لأنّ هذه الفروع والأحكام رهينة بمعطيات الزمان والمكان التي اكتنفتها وأثّرت فيها، ولا مفرّ لمن أَخذ بها على ظاهرها، ونزّلها على الواقع المعاصر دون مراعاة سياقاتها ومُوجِّهاتها وعللها، من الوقوع في الجمود الفقهي، ومعاندة المصلحة والواقع تشبثًا بالتقليد الحرفي لألفاظ الأقدمين دون مقاصدهم، في قضايا اجتهادية ظنّيّة كانت مناسبة لزمانهم محققِّةً لمقاصد الشريعة فيه، ولكنّها الآن غير مناسبة لزماننا ولا تحقِّق مقاصد الشريعة فيه.
والأمثلة على ذلك كثيرة:
1. منها: ذكر كثير من الفقهاء أنه لا يجوز شق بطن الحامل إذا ماتت لاستخراج الجنين لحرمة جسد الميت ولان خروج الجنين حيا موهوم (وهذا تعليل اعتمد على الإمكانات الطبية في زمنهم). والأمر يختلف الآن.
2. ومنها ذكر الحنفية أنه لا يجوز تحكيم القيافة في إثبات النسب لأنها من الظن والحسبان (فقاس كثير من المعاصرين فحص البصمة الوراثية عليها) فأقاموا البصمة بمنزلة القيافة، وهو قياس مع الفارق المؤثر، لأن فحص البصمة قطعي او شبه قطعي فكان المفروض أن يقاس على القرائن القطعية التي ذكرها الفقهاء عللا لنفي النسب مثل كون الزوج خصيا لا ينجب ونحوها.
3. ومنها تقدير مسافة السفر الموجب للرخصة بأربعة برد نقلها اكثر المعاصرين حرفيا إلى81 كم أو نحوها، دون مراعاة لتطور وسائل الموصلات، وهو خطأ والمفروض مسافة هي مظنة للمشقة في الغالب.
(المصدر: مدونة أيمن صالح)