مقالاتمقالات مختارة

إيران في سوريا… غزو الأرض والإنسان

إيران في سوريا… غزو الأرض والإنسان

بقلم أحمد عمرو

في أدبيات العلوم السياسية تقف أنماط الاحتلال لتخبرنا عن قسوته، وتُصَنِّف مآسيه، ما بين احتلال عسكري غشوم يفرض إرادته بقوة السلاح ويبني لجنده معسكرات ذلٍّ للشعب المحتل دائمة، فينهب خيراته وثرواته ضامناً سكوت أصحاب الحق خوفاً من بندقية علقها المتسعمر فوق رؤوسهم، وآخر استيطاني يُهجِّر السكان الأصليين أو يبيدهم ليُحل شعبه محلهم، فيستوطن أرضهم وديارهم، ويعلن نفسه صاحب الأرض الوحيد دونهم، وهناك أشكال أخرى كفرض الوصاية أو الانتداب، وأيّاً ما كان المسمى فكلها أسماء قميئة لفعل قميء يحمل معنى الذل والمهانة للأمة أو الشعوب المستعمرَة.

في سوريا تنوعت أشكال الاحتلال وأنماطه، وتدخلت بأمورها وعبثت بثرواتها العديد من الدول والأطراف، شرقاً وغرباً، إقليميّاً ودوليّاً، ففي سوريا روس وأتراك وإيرانيون وأمريكان وغيرهم بالأصالة أو بالوكالة.

الوجود الإيراني وحده، وإن شئت الغزو الإيراني لسوريا يحمل مضامين أخرى فوق الغزو وبعد الاحتلال، ربما جمع كل أشكال الاحتلال التي ذكرناها، وربما ابتكر ما لم يصنِّفه بَعْدُ علماء السياسة أو لا يستطيعون.

منذ سنوات قليلة تفاخر الساسة الإيرانيون باستيلائهم فيزعمون أن بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء أضحت عواصم شيعية هواها إيراني، هكذا يدَّعون! يقول حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد: «إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية»، ويصف مصلحي أطماع طغمته الحاكمة بقوله: «إن الثورة الإيرانية لا تعرف الحدود وهي لكل الشيعة»، ويصف جماعة الحوثيين في اليمن بأنها «إحدى نتاجات الثورة الإيرانية». كثيرة هي تصريحات الساسة الإيرانيين عن توسعهم في المنطقة.

كيف فعل الإيرانيون ذلك؟ إنه الاحتلال الأوليغارشي، والأوليغارشية هي حكم الأقلية التي تتمكن من السلطة بقوة المال والنفوذ أو السلاح، وإن أردت تبسيط العبارة فهو حكم العصابات المسلحة، والنموذج الأبرز في ذلك هو حزب الله في لبنان؛ إذ هم أعضاء مجرمون يرتهنون قرار الدولة بقوة السلاح. فإيران تبدأ من القاعدة فتستخدم الترويج الديني وقضية المظلومية وترفع شعارات الإسلام ومقاومة الغرب والموت لإسرائيل فيجتمع حولها المخدوعون والطامعون وأصحاب الأجندات والمنحرفون… وهكذا صنعت في سوريا. فبدأت بتجميع الشيعة العلوية والإسماعيلية وبعد أن تغلغلت في هذه الطوائف استبدلت رموزاً وشخصيات تابعة لها بمرجعياتها، فصارت تلك المجموعات رهن أمرها وأداة من أدواتها، وبذا تصنع نواة لميليشياتها الإجرامية المسلحة.

تجتهد إيران في نشر اللغة الفارسية في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات التابعة لها، فتقوم بإنشاء الحسينيات والحوزات العلمية والمؤسسات الخيرية وتجعل معها مراكز لتعليم اللغة الفارسية كما فعلت في المناطق المدمَّرة في ريف دير الزور والرقة وريف حلب ومحافظة اللاذقية، حيث يستغل الإيرانيون الأوضاع المأساوية التي يعيشها السوريون فيقدمون المغريات لتعلُّم اللغة الفارسية، فالتعليم مجاني بالإضافة إلى قسط ليس بالقليل من المساعدات المالية والإغاثية. ومن أبرز تلك المؤسسات التي تغلغلت بقوة داخل المناطق السورية منظمة الرسول الأعظم، والثقلين، والجهاد للبناء.

وبجانب التوسع عن طريق المؤسسات الثقافية والخيرية، عمدت طهران إلى التغلغل داخل المجتمع السوري عن طريق التعليم النظامي والتوقيع على اتفاقات وتفاهمت مع النظام، بدءاً من مرحلة الابتدائي وليس انتهاءً بالجامعي.

ففي بداية العام الماضي وقَّعت كلٌّ من وزارة التعليم التابعة لنظام الأسد في سوريا ووزارة التعليم الإيرانية مذكرة تفاهم لتبادل الخبرات والتجارب في المجالات العلمية والأكاديمية والتعليمية، ووَفْقاً للاتفاقية ستوفر إيران تقديم خدمات فنية وتعليمية وتجديد مدارس بالإضافة إلى جهود تطوير التعليم، كما تشمل الاتفاقية تطوير نظام البحث العلمي، وتوفير متطلبات التعليم المهني المختلفة. يشمل الاتفاق 11 اتفاقية في المجالات التعليمية والثقافية والخدمية وغيرها، بما في ذلك مشاريع تعليمية تحت عنوان (التعليم قبل الجامعي)، ومشاريع سينمائية.

وأقدمت طهران على إنشاء أفرع جديدة لجامعات إيرانية في سوريا، كان آخرها فرع لجامعة (تربية مدرس) لتُعدَّ بذلك خامس جامعة وكُليَّة تابعة للملالي في سوريا بعد أفرع جامعات: المصطفى والفارابي، وجامعة آزاد الإسلامية الإيرانية، إضافة إلى كلية المذاهب الإسلامية.

هذا بالإضافة إلى البعثات التعليمية المجانية حيث يقوم المركز الثقافي الإيراني بإرسال بعثات دراسية للطلاب السوريين إلى إيران على نفقة النظام الإيراني، ليستكمل الطلاب هناك عملية استلاب الهوية الدينية والوطنية.

وأيّاً ما كان الأمر ورغم الجهود المضنية من نظام الملالي لجلب الشعب السوري إلى مربعه، إلا أن الحرب في سوريا لا بد ستنتهي، شاء من شاء وأبى من أبى، وسيزول النظام السوري يوماً مَّا، بَعُد الزمان أم قَرُب، وسيرحل المحتلون، روساً كانوا أم غيرهم، وستزول القواعد والمعسكرات، رغماً أو خياراً، وسيبقى الإنسان السوري صاحب الحق والأرض، سَتُزال الأحجار ويبقى الإنسان، لكن السؤال هو: أي سوري سيبقى؟ هل المسلم السني العربي، أم المتشيع الذي ولاؤه للولي الفقيه في إيران، ومالُه خُمُسُه في مَحافِظ ملاليهم، وبناتُه لزواج متعتهم، وبندقيتُه نحو نحور إخوانه.

من يدرك الإنسان السوري من آتون التشيع والتفرس، من يدرك عقول الشباب والبنات الصغيرات؟ لك الله يا سوريا، نسيك أهلك أو شغلوا بمصابهم، لكن بشائر الله تُحْييكِ، والتاريخ ينبئك، أن مع زوال الظالمين زاول آثارهم، ولا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس؛ فكم بقي الفاطميون الشيعة في مصر؟ وكم بذلوا لتشييع أهلها؟ وما الأزهر إلا شاهد على حسرة قلوبهم؛ فقد أنشئ لنشر مذهبهم، فأضحى من كبريات الجامعات السنية، وعاد أهل مصر إلى نقاء دينهم واتباع سُنة نبيهم، وانحسر التشيع في مصر بعدما ظل بها ما يقرب من مئتي عام، فما عدت تسمع لمتشيعٍ فيها ركزاً. والشعب السوري قدم كثيراً من التضحيات، ووعي الجماهير صار أكبر من مؤامرات الطغاة وإن اجتمعت.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى