مقالات مختارة

إن الله يعذب الذين يعذبون الناس فى الدنيا

بقلم الدكتور فتحي ابو الورد

بوب الإمام مسلم فى صحيحه باب “الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق”، وروى فى ذلك أن هشام بن حكيم بن حزام مر على
أناس من الأنباط بالشام (وهم فلاحو العجم)، قد أقيموا في الشمس، فقال: ما شأنهم؟ قالوا: حبسوا في الجزية، فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: “إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا”.
قال شراح الحديث: فيه تحريم تعذيب الناس حتى غير المسلمين بغير حق وبغير موجب شرعي أى ظلما وعدوانا.
وتعذيبب الناس فى واقعنا المعاصر أشكال وألوان، منه التعذيب الواقع على السجناء السياسيين والذين تعتبرهم الأنظمة خصوما لها فتتفنن فى إيذائهم.
من ذلك ما يقع على السجناء من اعتداء بالضرب والركل إلى حد تكسير العظام، وشج الوجوه، وجرح الأجساد، والإهانة ومنعهم من الزيارات والأدوية والطعام والبطاطين والمصاحف والأقلام والأوراق والكتب ومنعهم من التريض.
وهذا مخالف للمقررات الحقوقية والقانونية للسجين والتى منها المعاملة الإنسانية والحفاظ على كرامته وتوفير المتطلبات الصحية والطبية ووجبات طعام ذات قيمة غذائية كافية، مع الحرص على مراعاة الظروف المناخية، وخصوصًا من حيث حجم الهواء والمساحة المخصصة للسجناء لتمكين كل سجين من تلبية احتياجاته الطبيعية وبصورة نظيفة ولائقة. ولكل سجين الحق في التمارين الرياضية في الهواء الطلق، ساعة على الأقل في كل يوم. ومن ذلك حق التظلّم مما يتعرض له في السجن من ممارسة غير قانونية من قبل السلطة.
وحال السجن فى بعض بلادنا العربية كما قال الشاعر:
هو فتنة في الدين لولا نفحة ***من فيض إيمان وبرد يقينِ
فيه زبانيةٌ أُعِدُّوا لِلْأَذَى *** وتَخصصوا في فنِّه الملعونِ
متبلّدون عقولُهم بِأَكُفِّهِمْ *** وَأَكُفُّهُم للشرِ ذاتُ حنينِ
لا فرقَ بينهمو وبين سِياطِهم *** كلٌّ أداةٌ في يدي مأفون
وقد أنبئانا النبى عن خبر هؤلاء فيما رواه مسلم من حديث أبي هريرة، قال: “يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوما، في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله”. وفي رواية: “ويروحون في لعنة الله”.
والمراد أنهم أبدا في غضب الله وسخطه لا يرضي عنهم.
أى رجولة تلك التى تدفعك إلى الاستقواء على ضعفاء مكبلين لا يملكون إلا أياديهم العزلاء ليتقوا بها ضرباتك الغادرة الجبانة، ألا شلت يد الجانى وشاه المعتدى.
ومن التعذيب الذى يشمله الحديث الذهاب بالسجناء ظلما فى سجون بعيدة عن موطن ذويهم، بحيث يشق على أهاليهم زيارتهم فتصبح الزيارة شكلا من أشكال العذاب وعقوبة عامة للسجين وأسرته جميعا.
بلغنى أن نساء المساجين السياسيين يبدأن رحلة العذاب المسماة زيارة السجين من مساء اليوم السابق للزيارة وينتظرن الساعات الطوال على بوابات السجون بعد ساعات السفر الطويلة يجمعن بين مشقة الطريق وبعد السفر وتجرع مرارة الظلم والقلق على ذويهن، وببن ضعف البنية وقلة الحيلة محتسبات الأجر عند الله، مفوضات الأمر لصاحب الأمر، ثم بعد هذه المعاناة لا يسمح لهن بلقاء ذويهن إلا بضع دقائق لا تكفى لملء العين من النظر إلى أحبتهن المرابطين.وهذا أيضا من العذاب الذى يشمله الحديث.
وبماذا تسمى معاجم اللغة تلك عنترية السجانين الواهمة التى تنتفخ فى غير ميدان ولا ساحة نزال؟، أهى عنترية الحجاج الذى قيل له يوما وهو يحتمى بقصر الإمارة فى الكوفة من بعض الخوارج:
أسد علي وفي الحروب نعامة *** فتخاء تنفر من صفير الصافر
إن الله يعذب الذين يعذبون الناس فى الدنيا.

المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى