مقالاتمقالات المنتدى

إنها أيامٌ حاسمةٌ في دوراتِ الزمن: “فتحت الشام”

إنها أيامٌ حاسمةٌ في دوراتِ الزمن

“فتحت الشام”

بقلم الشيخ: جلال الدين بن عمر الحمصي (خاص بالمنتدى)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله العزيزِ الوهَّاب، القويِّ الغلَّاب، ناصرِ أهلِ الإيمانِ وهازمِ الأحزاب، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له،
له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أنزل عليه الكتابُ بالحقِّ والميزان، والحجةِ والبيان، والسيفِ والسِّنان، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلِم..
وبعد:

إنها أيامٌ حاسمةٌ في دوراتِ الزمن، وصفَحَاتٌ مشرقةٌ في جَبينِ التاريخ، فأصغوا أيها المسلمونَ إلى النداءِ الربانيِّ الجليل:
قال تعالى:
وَعَدَ ‌ٱللَّهُ ‌ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ
] النور: 55[.

إخوة الإيمان:

في هذا الشهر المبارك، تعانق السابع من ديسمبر مع السابع من أكتوبر ليجعلا العالم بأسره يقف مذهولًا أمام بأس المجاهدين في الشام وفلسطين… فتحررت أرض الشام المباركة في الثامن منه من نظام بائد مستبد ظالم قاتل قاهر امتد لعقود من الزمن … فأتى العيد باكرا هذا العام.. نصر من الله في الشام وفتح للقدس قريب بإذن الله…

إنّ سُنَّةَ الله تعالى في إهلاكِ الطغاةِ المجرمينَ لا تتغيَّر، إلا أن هذه السُّنَّة تَسبِقُها سننٌ، يُجريها اللهُ تعالى بين يدَيها، توطئةً وتمهيدًا لها وإتمامًا لحكمتهِ منها، كسُنَّةِ إمهالِ الكافِرِين، وسُنَّةِ ابتلاءِ المؤمنينَ وتمحيصِهم، وسُنَّةِ المداولة بين الناس، وسُنَّةِ التدافع، ثم سُنَّةِ النصر والتمكين.

ولعلَّ من السُّنن التي يجدُر بنا التأمُّلُ فيها هذه الأيامِ سُنَّةَ التدافع أو المدافعة.
وقد ذكرها ربُّ العالمين في موضعينِ من كتابه، فذكرها في خِتام قصَّةِ طالوتَ وجالوت، وما كان من تأييدِ الله للفئةِ المؤمنةِ القليلةِ على جيشِ الطاغيةِ جالوت، وكيف نصَرَ اللهُ عبادَه، وأيَّد بعزتهِ داودَ عليه السّلام فقتلَ جالوتَ وآتاه الله الملكَ والحكمة، فقال :
وَلَمَّا ‌بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢٥٠ فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٥١ ﵞ، ] البقرة: 250- 251[، وذكرها سبحانه أيضًا حكاية عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، عندما أخرجهم كفارُ مكة إلى المدينةِ ظُلمًا وعُداونًا، فقال تعالى: ﵟ‌أُذِنَ ‌لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠
] الحج: 39- 40[.
ومعنى سُنَّةِ التَّدافعِ أنَّ الله يَدفَعُ الكفّارَ بالمؤمنين، وأهلَ الباطلِ بأهل الحق، وأهلَ الفسادِ بأهل الصَّلاح، يُحيي اللهُ في قُلوبِ أهل الإيمان محبَّتَه والجِهادَ في سبيلِه وإنكارَ المنكَرات، فيقومونَ لله وحدَه مستعينينَ به؛ دفعًا لأهلِ الكُفر والضَّلال حتى يُزهِقَ الله بهم الباطلَ وأهلَه.
ولولَا هذا التَّدافُعُ لفسدتِ الأرض، وعمَّ الكفرُ والـخَبَث، وهُدِّمت المواضع التي يُعْبَد فيها ربُّ العالمين وحدَه لا شريك له، وحينئذ يحِلُّ على الأرض عقابُ الله الذي لا يُبقي ولا يَذر، فكان قيامُ أهل الحقِّ بدفعِ أهلِ الباطل نجاةً وأمَنةً للأرض ومن عليها.

إخواننا ..

أعَرَفْتُم الآنَ لماذا كانت الهَلَكةُ في تركِ الجهاد في سبيل الله وإنكار الـمُنكَرَات؟!
ماذا لو غَلبَ الكُفارُ على الأرض جميعًا، وأحكموا فيها فسادَهم وطغيانَهم؟!
ماذا لو انتفَى الإيمانُ والعَدلُ والطُّهْرُ من الأرض، وعمَّ الكُفرُ والظّلمُ والخَبَثُ الخلقَ؟!
كيف ستكون حياةُ الناس يومئِذ؟ قال الله تعالى: ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ‌يُقَٰتِلُونَ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا ٧٦ ]النساء[ 76 .

إخوة الإسلام !

قد تكون دَوْلةُ أهلِ الباطل غالبةً يومًا، إلّا أن أهلَ الحقِّ لا يستسلِمون، بل يَدفعُون ذلك القدَر بالقدَر الأحبِّ إلى الله، وهو الجِهادُ في سبيله بكلِّ ممكِن، كلٌّ في موضعه، بالسِّنان أو باللِّسان، والله يؤيّدهم ويسدِّدُهم، فيجِبُ على أهلِ العِلمِ ودُعاةِ الحقِّ القِيامُ بتعليمِ النَّاسِ ودَفعِ الباطِل، بإظهارِ الحقِّ ودفعِ الشُّبَهِ عنه

تحكي لنا أمُّ المؤمنين زينبُ رضي الله عنها، فتقول: ” دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَاجُوجُ وَمَاجُوجُ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ” .
لذا، ما ثَمَّ إلا خيارانِ، إما أن يكثرَ الخَبَثُ فيأتي الهلاكُ العام، وإما أن تكون المدافعةُ ومِن بعدها تكون النجاة.
ألا فلْيَقُمْ كلُّ مسلم بواجبه، ولْيَدفعْ ما استطاع، ولْيَنْصُرْ دينَ اللهِ جَهْدَه، ولْيَعْلَمْ أن اللهَ حينئذٍ مؤيِّدُه وناصرُه.

الأملُ لا بدَّ أن يكونَ معهُ عمل ولا يحدث النصرُ إلا بالصبرِ، ولا يكونُ التمكينُ إلا باتخاذِ أسبابِه؛
وأولُها وأهمُّها:

الإيمانُ بالله تعالى:

قال الامام ابن القيم رحمه الله تعالى:

والله سبحانه إنما ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه بدينه علما وعملا، لم يضمن نصر الباطل، ولو اعتقد صاحبه أنه محق، وكذلك العزة والعلو إنما هما لأهل الإيمان الذى بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو علم وعمل وحال، قال تعالى: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] .
فللعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُوِلهِ وَلِلْمُؤْمِنِين} [المنافقون: 8] .
فله من العزة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظ من العلو والعزة، ففى مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان، علما وعملا ظاهرا وباطنا.
وكذلك يكون الدفع عن العبد بحسب إيمانه، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38] .
فإذا ضعف الدفع عنه فهو من نقص إيمانه، وكذلك الكفاية والحَسْب بقدر الإيمان، قال تعالى: {يأَيُّهَا النَّبى حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] .
أي الله حسبك وحسب أتباعك، أى كافيك وكافيهم، فكفايته لهم بحسب اتباعهم لرسوله، وانقيادهم له، وطاعتهم له، فما نقص من الإيمان عاد بنقصان ذلك كله. ومذهب أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص .

وكذلك ولاية الله تعالى لعبده هى بحسب إيمانه قال تعالى: {وَاللهُ وَلِى المُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68] وقال الله تعالى: {اللهُ وَلِى الّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 257] .
وكذلك معيته الخاصة هى لأهل الإيمان، كما قال تعالى: {وَأَنَّ اللهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19] .
فإذا نقص الإيمان وضعف، كان حظ العبد من ولاية الله له ومعيته الخاصة بقدر حظه من الإيمان.
وكذلك النصر والتأييد الكامل. إنما هو لأهل الإيمان الكامل، قال تعالى: {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] وقال {فَأَيَّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف: 14] .
فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد، ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة فى نفسه أو ماله، أو بإدالة عدوه عليه، فإنما هى بذنوبه، إما بترك واجب، أو فعل محرم وهو من نقص إيمانه ” .

وثاني أسبابِ التمكين حُسنُ التوكلِ على الله سبحانه وتعالى… قال جل في علاه: وَمَن ‌يَتَوَكَّلۡ ‌عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٤٩ [الأنفال: 49]، قال الإمام القرطبي رحمه الله في قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ‌أَيْ ‌مَنْ ‌فَوَّضَ ‌إِلَيْهِ ‌أَمْرَهُ ‌كَفَاهُ ‌مَا ‌أَهَمَّهُ. وَقِيلَ: أَيْ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَجَانَبَ الْمَعَاصِي وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، فَلَهُ فِيمَا يُعْطِيهِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ ثَوَابِهِ كِفَايَةٌ. وَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا، لِأَنَّ الْمُتَوَكِّلَ قَدْ يُصَابُ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ يُقْتَلُ”.

ثم نقل الإمام القرطبي عن الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ قوله: ” ‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌تَعَالَى ‌قَضَى ‌عَلَى ‌نَفْسِهِ ‌أَنَّ ‌مَنْ ‌تَوَكَّلَ ‌عَلَيْهِ ‌كَفَاهُ ‌وَمَنْ ‌آمَنَ ‌بِهِ ‌هَدَاهُ، وَمَنْ أَقْرَضَهُ جَازَاهُ، وَمَنْ وَثِقَ بِهِ نَجَّاهُ، وَمَنْ دَعَاهُ أَجَابَ لَهُ. وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه فَهُوَ حَسْبُهُ “.. .

وبهذا جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي يَا غُلَامُ ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ :” احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَلْتَسْأَلِ اللهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ” .

علمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباسِ وهو غلام..

فعلموا أبناءكم حقيقةَ التوحيد علموهم حسنَ التوكلِ على الله وأن لا يسألوا إلا الله عزوجل ..

وثالثها: الصبر: قال سبحانه: وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ‌وَلَا ‌تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٤٦  [الأنفال: 46] .

أهل الحقِّ منصُورونَ وغَالِبُون قطعًا، ينصرُهم اللَّهُ ولو بعدَ حِينٍ، سُنَّةُ اللَّهِ الَّتِي لَا تَتَبَدَّل، وَلَـكِـن قبل النصر لا بُـدَّ مِن الصَّبر، صَبْرٌ على الأَذَى، وَصَبْرٌ على الشِّدَّةِ والابتِلَاءِ «فإنَّمَا النَّصْرُ صَبْرُ سَاعَةٍ»، وَهَـذَا دَيدَنُ الأَنبِياءِ عَلَيهُم السَّلَامِ وأتبَاعِهِم.
ومن أعظمِ ما يصبِرُ عليه المسلمُ الصبرُ على البلاء..
ومن كمال الصبرِ اللجوءُ للهِ سبحانه وتعالى والرضى بقضائه..

صبر إخواننا في الشام على التهجير والقتل والتجويع والتشريد والمطاردة وأعدوا بما استطاعوا لمواجهة العدو الغاشم والإطاحة به فتكاتفوا فيما بينهم ورصوا الصفوف واندفعوا نحو أعدائهم اندفاعة الأسود على قلب رجل واحد معتصمين بحبل الله جميعا، حتى من الله عليهم بالفتوحات فسقطت البلاد في أيديهم الواحدة تلو الأخرى حتى تمكنوا من الشام كلها وذلك بفضل المولى جل جلاله وتوفيقه وكرمه…

ورابعها: الاجتماع وعدمِ التفرُّقِ والتنازع والاعتصام بحبل الله وحده ..

قال تعالى: وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ١٠٣  [آل عمران: 103] .
فعندما تجتمع القلوب وتتآلف وتعرف طريقة الهداية الصحيحة يكون النصر والفتح المبين بإذن الله العظيم. فلما اجتمع المجاهدون في الشام على قلب رجل واحد وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر فتح الله عليهم ونصرهم وأيدهم..

ولو لم يكن بطوفان الشام إلا فك الأسيرات من سجون الطاغية لكفى بالمجاهدين شرفًا ..

فإنه من أعظم الواجبات فك الأسرى؛ ففي الحديث الصحيح قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” فُكُّوا الْعَانِيَ ، يَعْنِي : الْأَسِيرَ..” .
لقَد وُجد دومًا إيمانٌ وكفر، وحقٌّ وباطل، وظلمٌ وعدل، وخيرٌ وشرّ، ولكلّ طرفٍ أنصارٌ يقومون به، فأهلُ الحقِّ يقومون به وبه يعدِلُون، وأهلُ الباطل يقومُون له وبه يَجورُون، وقد قضى سبحانه أن تكونَ العاقبةُ للمتقين، وأن يكون الهلاكُ للكافرينَ المكذِّبينَ الضَّالين، قال سبحانه: قَدۡ ‌خَلَتۡ ‌مِن ‌قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ١٣٧ هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ ١٣٨ وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣٩ إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٤٠  [آل عمران: 137-140] .

إنّ سُنَّةَ الله تعالى في إهلاكِ الكفّارِ المجرمينَ لا تتغيَّر، إلا أن هذه السُّنَّة تَسبِقُها سننٌ، يُجريها اللهُ تعالى بين يدَيها، توطئةً وتمهيدًا لها وإتمامًا لحكمتهِ منها، كسُنَّةِ إمهالِ الكافِرِين، وسُنَّةِ ابتلاءِ المؤمنينَ وتمحيصِهم، وسُنَّةِ المداولة بين الناس، وسُنَّةِ التدافع، ثم سُنَّةِ النصر والتمكين.

هذا يقيننا بالله عزوجل أن العاقبة للمتقين والنصرَ للمؤمنين بإذن الله تعالى
هذا وعد الله والله لا يخلف وعده..

والله أسأل كما أكرمنا بفتح الشام والصلاة في المسجد الأموي، أسأله أن يمنّ علينا بفتح بيت المقدس والصلاة في المسجد الأقصى
وكما نصر المجاهدين في سوريا أن ينصرهم في غزة العزة وفي فلسطين كل فلسطين إنه جواد كريم…
اللهم مكن لأخوتنا في الشام الحكم العادل الرشيد، وادحر المتربصين من أعدائهم في مشارق الأرض ومغاربها، ومنّ علينا بفتح قريب للقدس؛ تكتمل به فرحتنا حتى تعلو راية الإسلام خفاقة في كل مكان ويسود حكم الإسلام ويعود المجد القديم … وما ذلك على الله بعزيز…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى