مقالاتمقالات مختارة

إنقاذُ المنابرْ من الخِطاب الديني العابِرْ

بقلم عبد البصير عيد – مدونات الجزيرة

تعتبر خطبة الجمعة وسيلة لتوعية المجتمع الإسلامي لكثير من القضايا التي تهم المسلمين. لكن أين هم خطباء الدين من قضايا المسلمين؟ كانت وما تزال خطب الجمعة تدور حول الترغيب والترهيب وغض البصر والبعد عن المعاصي وكبائر الذنوب والحديث عن الصيام في رمضان وقراءة القرآن ثم صلاة العيد ثم الإكثار من العبادة وفضل الحج. لكن هل هذا فقط ما يقال في خطب الجمعة!؟ ألا يمل الخطيب والمستمعون من تكرار تلك الدروس والمواعظ بنفس الكلمات ونفس الطريقة والأسلوب؟! ألم تصبح العبادة روتيناً يقتل الحياة في نفوسنا؟! لماذا الخطيب نفُسة لا يتغير؟! نفسهُ قبل سنوات يخطب الآن؟! وبنفس الكلمات!

ذهبت فلسطين ومازال اللَّوم يوضع على الشعوب ببعدها عن دينها!؟ تمتلئ المساجد بالمصلين فيصعد الخطيب المنبر ويقول: “لا تكونوا مسلمين بالهوية”! وآخر يعترض ويقول: “بعض المسلمين يصلون في الصف الأول وأموالهم في بنوك ربوية”! وكأنه يعلم عن حساباتهم المصرفية وكيف يديرون أموالهم. مع أن الأخ هذه الأيام لا يعلم حتى كم هو راتب أخيه الشهري! الفكرة بلوم الناس كأن المسلم هو سبب المصائب التي تحدث للأمة.

يستشهدون بالحديث: “كما تكونوا يولى عليكم”. وقوله تعالى: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ“. يتكرر الخطاب الديني في كل يوم على أن سبب هلاك الأمة وضعفها هو المسلم. ما يحدث من مجازر في سوريا والعراق إنما استحقه أهلهم بسبب ما كان من انتشار الفواحش من شرب للخمور والزنا! وأن الأطفال والنساء الذين قتلوا إنما هو عقاب لأصحاب هذا البلد! يهدد الخطباء الشعوب المسلمة بالمثل لبلدانهم حتى إن وقع على أرضهم عدوان نكَّسوا رؤوسَهُم لِمَا كسبت أيديهم! خُطباء يزرعون الخَبَلَ والضعف والانكسار والمرض النفسي بين الشعوب حتى يصبحون بلا إيمان وتصبح قلوبهم خاوية مربادةً كالكوزِ مجخيةً لا تميز بين حقٍ ولا باطلٍ. لا نريد أن يميل الخطاب إلى جانب دون آخر، بين الغلاة والجُفاة، بين المُرجئة والخوارج، بين الإسلاميون السياسيون وآخرون صوفيون، إنما نريد إسلاماً وسطاً. قال تعالى: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ..” سورة البقرة.

إن ما وصل إليه الوضع في مساجدنا لأمرٌ محزنٌ جداً في تصدرِ الجاهلين لمجالس العلم، وحديثهم بشؤون الدين والدنيا وتخبطهم الغير متناسق مع مقاصد الشريعة الإسلامية ودعوة الأنبياء عليهم السلام. إن المُتَكلِم بالدين في المساجد إنما ينوب عن الأنبياء في خطابه للناس. عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من سلك طريقا يطلب فيه علما؛ سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، والملائكة تضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم يستغفر له من في السماوات، ومن في الأرض، والحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وأورثوا العلم، فمن أخذه؛ أخذ بحظ وافر” رواه أبو داود والترمذي وأحمد.

نعلم أن لكل مسلم قدراته المعرفية وأن بعض المسلمين يحملون هم الدعوة، لكن من يقف ويتحدث للناس في المساجد عليه أن يكون على علمٍ ومعرفة تأهله لتلبية ما ينقص الناس من فهم في العقيدة والمسائل الفقهية الحديثة. خاصة إذا كانت هذه المسائل من الخلافيات التي كثرة فيها أقوال العلماء. ما تواجهه العقيدة الإسلامية من شبهات من قبل أعداء الإسلام توجبُ علينا أن نسلطَ الضوء على ضرورة الخطاب الديني في بناء المسلم القوي.

إن تجديد الخطاب الديني ليس حكراً على عالم أو تخصص أو جماعة بعينها. بل هو عمل يحتاج إلى تكاتف الجميع كلٌ حسب تخصص وإمكانياته ليصبح نهج يسير عليه الجميع للوصول إلى الغاية المرجوة. الخطاب الديني يجب أن يتطور وينمو ليلبي احتياجات الشعوب ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي والاقتصادي. تعقد الدول المؤتمرات والندوات لمناقشة قضايا الاقتصاد والبيئة.

أليس حريٌ بأهل العلم أن يجتمعوا ليناقشوا سبل توعية المجتمع من خلال الخطاب الديني الذي تعتبر وسائل تأثيره الأكثر تأثيراً على الشعوب! أين العلماء من خطب الجمعة وحلق العلم المتفرقة ومراكز تحفيظ القرآن الكريم والمناهج المدرسية والقنوات التلفزيونية والمحاضرات التوعوية ومنصات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت مثل تويتر والفيس بك والواتسآب. إن هذه القنوات يساء استخدامها من قبل جماعات تسيء للإسلام والمسلمين وتشوه الدين وتلبس على الناس عقيدتهم وتحرفهم وتشتت أفكارهم.

تُرى لو كان نبينا بيننا هل سيرضى أن نسمي أنفسنا بمسميات حزبية وطائفية أو أن ننتمي لجماعات مختلفة. يقول تبارك وتعالى في محكم كتابه: “هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ” سورة الحج. لقد جعلنا الله مسلمين ولم يقل سلفية أو صوفية أو شيعة أو جماعة إخوان أو جماعة دعوة وتبليغ أو أشعرية أو أحباش أو خوارج أو قس على ذلك الكثير من المسميات.

يجب علينا أن نوحد الخطاب تحت ظل كتاب الله وما صح من سنة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. ونتَّبِع سبيل المؤمنين. وهذه من مسؤولية العلماء فعليهم تكون المسؤولية الأكبر لتجديد الدعوة وتوحيد الجُهد والكلمة. إننا بأمس الحاجة إلى التوازن بين أمورنا كلها من دينية ودنيوية فالدين خلق ليحيي الإنسانية ويسعد البشرية ويعمر الأرض ويبني الإنسان. جاء ديننا ليركز على الأخلاق كسمة أساسية لكل مسلم. فقد كان قدوتنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “خلقه القرآن”. وكان يعرف قبل نزول الوحي عليه بالصادق الأمين. كما أن أخلاق المسلم تنبذ العنصرية والخصومة والفجور والكثير من الصفاة التي ذمها الإسلام. فبناء التوافق والتعاضد بين المسلمين لا يتوافق مع ظاهرة التكفير والتفسيق واستحلال الدماء لبعضنا البعض.

علينا أن نعيد النظر في توجهاتنا ونوحد جهودنا ونبتعد عن شرخ صف المسلمين إلى توحيدهم ليصبحوا قادرين على التعايش في مجتمع قوي يسوده التنوع والتآلف والتماسك لنربي جيلاً يعيش ليبني مستقبلاً أفضل لأمتنا العظيمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى