مقالات مختارة

إمام المسجد النبوي الشيخ “محمد أيوب” في ذمة الله

بقلم محمد لافي

مع عِظم المصاب وحجم خسارة بلاد الحرمين والأمة الإسلامية عموما لأحد أبرز أئمة المسجد النبوي بوفاة الشيخ الدكتور محمد أيوب رحمه الله فجر اليوم بالمدينة المنوّرة عن عمر ناهز 64 عاما …..إلا أن الرضا بقضاء الله وقدره , واليقين بأنه لكل أجل كتاب , والتسليم بأمر الله الذي لا يرد…… خير عزاء للأمة في مصابها الجلل .

ولعل ما شهدته المدينة المنورة اليوم عموما , والمسجد النبوي ومقبرة البقيع عند صلاة الظهر من مشهد مهيب باجتماع جموع غفيرة وأعداد كبيرة لا حصر لها للصلاة على إمام المسجد النبوي الشيخ محمد أيوب , ومن ثمَّ تشييع جثمانه إلى مقبرة بقيع الغرقد التي دفن فيها ….. ما يزيد من تخفيف المصاب الجلل على الأمة عموما , وعلى آل الراحل وأرحامه وأحبابه على وجه الخصوص .

نعم …..لا يحظى أي إنسان بهذا الفضل وهذه الخاصية التي تعتبر شهادة من عباد الله الأحياء للمتوفى بالصلاح والمنزلة والمكانة……إلا من أودع الله محبته في قلوب الناس , وجعل حياته حافلة بتلاوة القرآن وإمامة المسلمين في خير بقاع الأرض بعد الحرم المكي , ففي الحديث عن ابن عباس رضي الهم عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ ) صحيح مسلم برقم/2242 ……فكيف بمن صلت كل هذه الجموع الغفيرة عليه !!

وإذا كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد أوجب الجنة لمن شهد له بعض الصالحين من الأحياء , ففي الحديث الصحيح أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- « وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ». وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ». قَالَ عُمَرُ : فِدًى لَكَ أَبِى وَأُمِّى مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ؟!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : ( مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ ) صحيح مسلم برقم/2243 …………. فكيف بمن شهد له الكثير من علماء الأمة ودعاتها بالخير !!

لقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي و وسائل الإعلام السعودية والعربية بخبر وفاة الشيخ الدكتور إمام المسجد النبوي محمد أيوب , وغرد الكثير من الدعاة والعلماء والقراء وعموم السعوديين والمسلمين على وسم على “تويتر” حمل عنوان : #وفاة_الشيخ_محمد_أيوب

وتحت هذا الوسم غرد عبد الله زقيل قائلا : ربع مليون تغريدة فيها ترحم وثناء وتعزية على هاشتاق #وفاة_الشيخ_محمد_أيوب – رحمه الله – فقط في غضون ساعات……. ” تلك عاجل بشرى المؤمن” .

وغرد إمام وخطيب مسجد قباء بالمدينة الشيخ صالح المغامسي عبر صفحته في “تويتر”: المدينة بلد القرآن والسنة ، واليوم يُدفنُ في ثراها أحد قرائها الكبار فضلا وقدرا ، اللهم اغفر للشيخ محمد أيوب وتقبله عندك في الصالحين” .

كما تحدث د . سعيد بن مسفر في تغريدته عن الأثر اليب الذي خلفه الشيخ قائلا : كم بين راحل وقد ترك أطيب الأثر وأجمل التلاوات فله مثل أجرها ماتليت ……

بينما دعا د . عائض القرني للراحل في تغريدته قائلا : اللهم اغفر لفضيلة الشيخ د. #محمد_أيوب وأحسن عزاء أهله وذويه وتغمده برحمتك يا أرحم الراحمين .

وأضاف في تغريدة أخرى حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم : ” إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ” .

من جهته أشار حسان الجاجة عبر تغريدته إلى أمنية الشيخ التي أفصح عنها في لقاء له على شاشة قناة المعالي وهي أن يعود إلى إمامة الناس بالحرم النبوي بعد انقطاع طويل وقد حقق الله له ما أراد فقال : “صدق الله في أمنيته فصدقه الله وحققها له” ……اللهم وكما أم المصلين في محراب نبيك فاحشره تحت لوائه .

وعن المشهد المهيب الذي خرج في جنازة الشيخ غرد الشيخ محمد صالح المنجد : “إن في الجنائز لآيات” مضيفا : كان إمامهم …فصار أمامهم , وقفوا في الصلاة خلفه ….فساروا في الجنازة خلف …. لماذا خرجوا ؟ لأنه أسمعهم القرآن ……. اللهم أحسن خاتمتنا .

أما القارئ المعروف الشيخ مشاري راشد العفاسي فقد غرد : توفي اليوم أستاذي وأستاذ القراء اللهم اغفر له وارحمه وارزقه منازل القراء المخلصين والدرجات العلى من الجنة .

بينما نعى عبد الوهاب الطريري الشيخ الراحل بقوله : اللهم اجعل له النصيب الأوفى من بشرى نبيك : “الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة” .

وغرد حساب ضمير سعودي على وفاة الشيخ قائلا : “تلاواته سيتداولها المسلمين لقيام الساعة ….. حسنات جارية لاتنقطع فطوبى له وخاب وخسر من تدوال الناس فجوره وحربه للدين ” .

لمحة موجزة عن نشأته ودراسته وشيوخه

وُلد الشيخ محمد أيوب في مكة المكرمة عام 1372هـ، وبها نشأ وتلقى تعليمه الأولي ؛ حيث حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ خليل بن عبدالرحمن القارئ في مسجد “ابن لادن” التابع لجماعة تحفيظ القرآن عام 1385هـ .

حصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة تحفيظ القرآن التابعة لوزارة المعارف عام 1386هـ ، ثم انتقل إلى المدينة المنورة ودرس المرحلتين المتوسطة والثانوية في معهد المدينة العلمي، وتخرج فيه عام 1392هـ , ثم التحق بالجامعة الإسلامية وتخرج في كلية الشريعة عام 1396هـ، ثم تخصص في التفسير وعلوم القرآن، فحصل على درجة الماجستير من كلية القرآن، وحصل على درجة الدكتوراه من الكلية نفسها عام 1408هـ.

وبالإضافة إلى دراسته في المدارس الحكومية والجامعة، فقد تتلمذ على العديد من المشايخ والعلماء في المدينة ، ودرس عليهم التفسير وعلومه، الفقه على المذاهب الأربعة ، والحديث وعلومه ومصطلحه ، والتفسير وأصول الفقه …..ومن شيوخه : عبدالعزيز محمد عثمان ، ومحمد سيد طنطاوي ، وأكرم ضياء العمري ، ومحمد الأمين الشنقيطي ، وعبدالمحسن العباد ، وعبدالله محمد الغنيمان ، وأبو بكر الجزائري ، وغيرهم .

للشيخ الراحل زوجتين وله 5 أبناء جميعهم يحفظ القران الكريم .

أهم الأعمال التي تولاها في حياته

عمل بعد تخرجه في المرحلة الجامعية الأولى معيداً بكلية القرآن من 1397 ـ 1398هـ، وكلف بأمانة امتحانات الكلية لمدة عشر سنوات، وأصبح عضو هيئة التدريس في قسم التفسير منذ حصوله على الدكتوراه، وإضافة إلى عمله الجامعي فهو عضو في اللجنة العلمية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

تولى الإمامة والخطابة في عدد من مساجد المدينة، منها: “إمام متعاون في المسجد النبوي لصلاتي التراويح والقيام منذ عام 1410هـ حتى عام 1417، وإمام في مسجد قباء لصلاتي التراويح والقيام، وإمام مسجد العنابية من عام 1394 ـ 1403هـ، وإمام مسجد عبدالله الحسيني من 1403هـ مدة 23 سنة.

شارك في عدد من الندوات والدورات والفعاليات، منها: “ندوة الشباب في مدينة كامبيس في البرازيل مع وفد من الجامعة الإسلامية، ودورات لتعليم اللغة العربية في عدد من الدول الإسلامية: باكستان، تركيا، السنغال، ماليزيا، وإمامة صلاة التراويح في مسجد برمنجهام ببريطانيا بتكليف من الجامعة الإسلامية”.

رحلته مع القرآن الكريم

حفظ القرآن وعمره 12 سنة على المقرئ السعودي المعروف الشيخ “زكي داغستاني” في المدرسة الابتدائية عندما كان في مكة المكرمة ، وكذلك على الشيخ خليل قارئ ، وكلا الشيخين تميزا بالقراءة الحجازية ؛ إلا أنه أخذ عن الأخير التلاوات تلقيناً ، فكان يرافق الشيخ أينما رحل .

تعتبر إمامة الشيخ الراحل للناس في المسجد النبوي من أهم وأعظم الأعمال التي يفتخر بها ويحبها حبا جما , ويروي الشيخ محمد أيوب قصة تعيينه في الحرم المدني قائلا :

“حينما كنت إماماً في مسجد قباء سمع عني الشيخ عبدالعزيز بن صالح، أن هناك شيخاً يدعى محمد أيوب يتميز بصوت حسن وأداء مميز، فطلب من ابنه أن يحضرني لمجلسه، فحينما وصلت إليه طلب مني الشيخ ابن صالح أن أتلو بعض الآيات، فما أن استمع إلى قراءتي حتى أعجب بها الشيخ والحاضرون، فقال لي : هل تستطيع أن تصلي بالناس في الحرم المدني صلاة التراويح؟ وكان ذلك في أواخر أيام شهر شعبان، فوافقت على ذلك، فصدر القرار الحكومي بتعييني إماماً مكلفاً في الحرم المدني”.

انقطع الشيخ الراحل عن إمامة المسجد النبوي ١٩ عاما ؛ ليعود مرةً أخرى ويصلّي في المسجد النبوي الشريف بتكليف من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في شهر رمضان الماضي ١٤٣٦هـ .

يُعَدُّ الشيخ الراحل أحد أشهر القراء في العالم الإسلامي , ومن أشهر مَن قرأ بالحجازية في محراب المسجد النبوي , وله صوت حسن يستعذبه المصلون والمسلمون عموما , وله تسجيلات قرآنية في الإذاعة والتلفزيون، وقد سجل له مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف القرآن كاملا، وسجلت له أيضا القراءة في صلاة التراويح والقيام في المسجد النبوي الشريف , وهي تنشر تباعا في الإذاعة .

وأختم بالأبيات التي رثى بها الشاعر عبدالرحمن العشماوي الشيخ الراحل , والتي لاقت انتشارا واسعا وكانت بعنوان “محمد أيوب رحمه الله” :

أتاني حديثٌ والصباحُ مغرّدٌ بأنّ وفاةَ الشيخِ أمرٌ مؤكّدُ فلَمْلَمْتُ ثوبَ الصبرِ لله حامداً وفي كلّ ما يُقضَى ؛ المهيمنُ يُحمَدُ ترحّل عن دنيا الفناءِ وأهلِها محمدُ أيّوبٌ ونِعمَ المحمّدُ ترحّل عن هذي الحياةِ مُخلِّفاً تلاوةَ آياتٍ تَسُرُّ وتُسعِدُ وإني لأرجو أن يفوزَ بأجرها ويلقاه في الأخرى النّعيمُ المُخلّدُ.

المصدر: موقع المسلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى