كان الناس على موعد مع ما سمي بـ”الربيع العربي” وهو الحدث الذي أوشك أن يغير وجه المنطقة العربية بأسرها لولا التحالف المدنس بين المدخلية في “ثوبها الجديد” ودول ما يسمى بـ”الاعتدال” العربي
بدعة “المدخلية” التي صارت العراب الوحيد لأنظمة حكم بالية، وغارقة إلى القاع في جرائم ضد “الإنسان”، من الملكيات المحنطة ذات الصبغة “اللاهوتية” في الخليج العربي، إلى جمهوريات القمع والفساد في المشرق والمغرب، وتخففت هذه الأنظمة من وطأة التعارك مع التيارات الإصلاحية لأنها صنعت على عينها “وكيلا” دينيا مسرفا في التنكيل بالخصوم، بيده سوط رهيب قوامه التبديع والتفسيق والتكفير، والتصنيف والهجر، مستعينا بكل تراث التقاطع والتدابر والتباغض الذي كتب على هامش المعارك المذهبية والكلامية، ونسجت المدخلية شبكة غريبة تتداخل فيها العقيدة “الحدية” التي تدرس بكل مفردات الضلال والشرك والولاء والبراء في حق الخصوم الألداء من الجماعات الدينية ذات المشرب السياسي خاصة، والسمع والطاعة والتزكية والدعاء بالصلاح وتفخيم البيعة، وتحريم الانكار العلني وعده من الكبائر في حق “الولاة” والحكام وأعوانهم.
بعد عشرين سنة كان الناس على موعد مع ما سمي بـ”الربيع العربي” وهو الحدث الثاني الذي أوشك أن يغير وجه المنطقة العربية بأسرها لولا ذلك التحالف المدنس بين المدخلية في “ثوبها الجديد” ودول ما يسمى بـ”الاعتدال” العربي وأخرجت المدخلية جميع خبثها وشررها، حتى قال أحد عوراتها وأكبر “سبَّابة” أنجبته مدرسة اللعن والفحش المدخلي: “الإخوان المسلمون أنجس خلق الله”، وفتحت الدول الغنية خزائنها وأرصدتها لمرتزقة “العسكر” ليخوضوا ثورات مضادة، وفتح حليفها “المدخلي” ألسنته وأقنيته وجميع ما بين يديه من عدة وعتاد لتشويه “الحركيين والإصلاحيين” بمختلف ألوانهم وتنظيماتهم، وبارك منتشيا مزهوا “مذبحة رابعة” التي نقلت مشاهدها في بث حي تتساقط فيه جثث الأطفال والنساء. وهو العار الذي سيبقى إلى الأبد على جبين المدخلية.
في نهاية المطاف تحول الأمر إلى خليط يجمع كل أصناف التنافر، وصار الحليف “الديني” الذي قدم خدمات كبيرة لأكثر الأنظمة شمولية وتخلفا ورجعية وقهرا يبدو بمظهر “العائق” أمام رياح “العلمنة”، ويتخذون من “السلفية” بمختلف أسمائها عدوا لدودا، وخصما لابد من الحاق الهزيمة به حتى ولو كان في صورة “الخنوع” والذلة التي آل إليها التيار المدخلي، ويستعين في ذلك ببعض الوجوه التي اتخذت الميدان الديني سوقا للبيع والشراء، فهي ألوان تالفة من بقايا الطرقية والأشعرية والحداثية يمثلها بعض طلاب الرزق قريبا من آبار النفط.
صحيح أن تيار العلمنة الجارف يستهدف ما هو أكبر من “المدخلية”، وهو “الإسلام” بشعبه وقطعياته وثوابته وأركانه، وهو شيء لا يخفى على بقية الأطياف الإسلامية
التيار المدخلي الذي بذل الفتاوى بسخاء في كسر عظام خصومه، يبدو أنه وقع بين فكي قوة أخرى لا ترحم الجميع، وكما قتل جميع الحركات بآلته الرهيبة التي تسمى “الجرح والتجريح” فهو الآن تحت آلة أشد رهبة ينتظر الناس إفلاسه وتوزيع تركته على ورثة آخرين ..