مقالاتمقالات مختارة

إعلام صهيوني بالعربية.. خداعٌ وكذبٌ وتشويه للحقائق

إعلام صهيوني بالعربية.. خداعٌ وكذبٌ وتشويه للحقائق

بقلم أحمد مصطفى الغر

في افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية “دي وولت” (العالم)، الذي صدر بتاريخ 3 يونيو 1897م، كتب “تيودور هرتزل”: “يجب على هذه الصحيفة أن تكون درعًا للشعب اليهودي، وسلاحًا ضد أعداءه”، أما “بن جوريون” فقد كان يؤمن بأن وظيفة الإعلام الإسرائيلي الأساسية هو الدفاع عن المشروع الصهيوني، ولعل هذا ما دفعه لاحقًا إلى تأسيس ما يسمى “هيئة رؤساء تحرير الصحف”، والتي ضمّت كافة رؤساء الصحف المستقلة والحزبية آنذاك، والتي كانت إحدى أهم أذرع  الموساد الإسرائيلي، ولا يخفى على أحد أنه حتى قبل عام 1948م، قد أنشأت الحركة الصهيونية إذاعة موجهة لليهود، كما شرعت في طباعة 14 صحيفة، من بينها 4 صحف ناطقة بالعربية، ومع مرور السنوات وتطور تكنولوجيا الإعلام والصحافة، إستغل الكيان الصهيوني التلفزيون والإذاعة والصحف من أجل خوض الحرب الإعلامية الكبرى، فبدأت الحملات الدعائية النفسية التي تؤثر على الروح المعنوية للشعوب العربية، ولعل أكذوبة “الجيش الذي لا يُقهَر” خير دليل على الشائعات التي نجحت وسائل الإعلام الإسرائيلية في بثها في فترة من فترات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، قبل أن يُكشف زيف هذه المقولة في أعقاب إنتصار الجيش المصري في السادس من أكتوبر 1973م، لكن الصهاينة ـ وبرغم الهزيمة ـ لم يغفلوا قوة الإعلام الضاربة وتأثيره الهام، فإزداد اهتمامهم بتطويره بالطريقة التي تخدم أجندتهم الإستيطانية وسياساتهم الإستعمارية.

تعتبر الحرب النفسية التي تشنها وسائل الإعلام الصهيونية نوعًا من الهجوم العدائي المبرمج، الذي يستهدف التأثير على عقول الأفراد ونفسياتهم ومعتقداتهم، عبر إثارة الإشاعات الكاذبة والفتن، وذلك بهدف غرس الخوف وتمزيق المجتمعات، وزعزعة ثقة الشعوب بجيوشها والتشكيك بقدراتها، ولا تتوقف الدعاية الإسرائيلية عند هذا الحد، فهى تتسم بالدهاء الأسود، إذ تستخدم إسلوب التكرار وتشويه الحقائق من أجل إبراز مفاهيم معينة وتصديرها إلى العالم، فقديمًا كان التركيز على كذبة سخيفة بأن “فلسطين هى موطن اليهود”، ثم انتقلوا للحديث عن أن الكيان الصهيوني الاستعماري هى “دولة مسالمة”، وهكذا يتم تغيير كل الحقائق إلى أكاذيب مغلوطة يتم إقناع العالم بها، فجيش الاحتلال الإسرائيلي يصبح “جيش الدفاع الإسرائيلي”، والقدس تتحول إلى عاصمة أبدية للدولة الإسرائيلية، وفي الإطار يتم الترويج لمسميات المدن والمناطق الفلسطينية بأسماءها الإسرائيلية الجديدة، فمثلًا يصبح حائط البراق هو حائط المبكى، وجبل بيت المقدس هو جبل الهيكل.. وهكذا، ويعدّ التضليل الإعلامي من أعتى أدوات الكيان الصهيوني، حيث يتم بصيغ متباينة وبقوالب مختلفة، فقد دأبت وسائل الإعلام الصهيونية على ترسيخ وصف الشخصية الإسرائيلية بأنها “ذكية، فعالة، منتجة”، وفي المقابل تقوم بتصدير صورة مغلوطة للشخصية العربية بأنها “كسولة، متخلفة، عدوانية”.

وتتلخص أهداف وسائل إعلام الكيان الصهيوني في تثبيت أقدام اليهود وترويع وتخويف العرب عامةً، والفلسطينيين خاصةً، وكذلك الدعاية من أجل الترويج للفكرة الصهيونية وقوة الكيان الإسرائيلي، ولعل هذا ما يتضمنه البند الثالث من قانون الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي بوضوح، والذي ورد فيه أن “الهدف من الإعلام الإسرائيلي في كافة المجالات، هو إظهار الطابع الصهيوني لإسرائيل وكفاح اليهود وإبداعاتهم وأهم انجازاتهم على كافة المستويات، مع تعميق الإنتماء اليهودي والصهيوني معا، والتعبير والدعاية للحياة الثقافية اليهودية في العالم أجمع، وبث برامج بالعربية لترويض الجمهور العربي في أراضي عام 1948، وترويج دعاية للفلسطينيين والعرب عمومًا وفق أهداف السياسة الصهيونية، إضافة إلى بث برامج خارج حدود إسرائيل لتحقيق أهداف الصهيونية، والدفاع عن السياسة الإسرائيلية، وخاصة العدوانية والمتعلقة بالاستيطان والتهويد وأعمال العنف الحربية التي تشنها إسرائيل”.

من هذا المنطلق فإن إسرائيل لا تدخر جهدًا لاستقطاب مشاهدين ومستمعين وقراء من الفلسطينيين والعرب إلى شاشات وأثير وصحف إعلامها، مستغلة عدم ثقة الجماهير بالإعلام العربي الرسمي أو الخاص في فترات معينة، ولهذا فقد بدأت في إفراد مساحة كبيرة لإعلامها باللغة العربية، فالإذاعة الإسرائيلية أفردت موجة خاصة للبث باللغة العربية، وكانت تبث برامجها لمدة 7 ساعات يوميًا، ثم أصبحت ساعات البث 18 ساعة يوميًا، وهى مرتبطة بجهاز الموساد، وتحتل الاعتبارات الأمنية الصدارة في برامجها وتوجهاتها، كما تُستغل كمصدر لجمع المعلومات وتجنيد العملاء، من خلال برامج تبدو بريئة وإنسانية، مثل: برنامج “سلامات، و”بين السائل والمجيب”، وقد نجح الموساد في إسقاط العديد من الأشخاص ودفعهم للعمل لصالحه، أما الفضائية الإسرائيلية باللغة العربية فقد أُنشِئَت في بداية عام 2001م، وذلك للدفاع عن سياسة إسرائيل العدوانية تحت مبرر “ضرورة تحتمها مصلحة إسرائيل العليا”، ويغطي بثها كافة بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج العربي على مدى 12 ساعة يوميًا، وهدفها الأساسي هو إيصال رسائل يومية مغلوطة للعرب عن الحياة في الكيان الصهيوني، وإخفاء سياسته العدوانية بالتمويه والخداع، إلى جانب فضائية أخرى أنشئت قبل أعوام قليلة وهي “آي 24″، أما الصحافة المكتوبة.. فالجهد الأكبر موجه إلى الصحافة الإلكترونية وليست الورقية، وأهم هذه المواقع؛ نجد “تايمز أوف إسرائيل” الذي يبث تقارير معمقة ومتحيزة للرواية الإسرائيلية بشكل كبير، إلى جانب موقع “المصدر” المتخصص في طرح قضايا إسرائيلية لا يتناولها الإعلام الآخر، بالإضافة إلى بعض المواقع الإسرائيلية بالعربية وأهمها: إسرائيل بالعربية، ووزارة الخارجية الإسرائيلية، وبوابة “والّا” الإخبارية.

وبعيدًا عن ذلك كله؛ فقد بدأ المتحدثون الرسميون في الكيان الصهيوني في استقطاب ملايين المتابعين لحساباتهم عبر وسائل التواصل الإجتماعي، من خلال إتقانهم اللغة العربية واستغلال ذلك في التعامل مع الإعلام العربي أو الموجه للعرب، ومهمتهم الأساسية تبرير السياسات الإسرائيلية، وتيئيس العرب من أي تقدم في المواجهة مع إسرائيل، ومن المؤسف أنه علي سبيل المثال لا يوجد ناطق رسمي عربي يستطيع استخدام اللغة العبرية لمجاراة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي “أفيخاي أدرعي” الذي ينشط باللغة العربية على مدار الساعة في تقديم معلومات ووجهات نظر إلى الجمهور العربي، ومثله الناطق باسم رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، “بولي مردخاي” المعروف بلقب “المنسق”، وهم يجيدون استخدام أسلوب التبرير وكافة فنون الدعاية لكل الأعمال العدوانية التي يقوم بها جيش الإحتلال، من خلال كم هائل من الأخبار والمعلومات التي تتضمن رسائل مغلوطة وحقائق مشوهة، واستخدام مصطلحات ملطفة للتمويه على بشاعة الحدث، فالأمر قائم على صناعة أخبار وهمية من وحي الأهداف العدوانية لتصبح كما الأحداث الحقيقة، مثلما قالت “غولدا مائير” ذات مرة: “لن أسامح الفلسطينيين لأنهم يجبرون جنودنا على قتلهم”.

لقد اعتمدت وسائل الإعلام الصهيونية على منهجية ثابتة لصناعة الأكاذيب والإشاعات وترويجها بِحرفية عالية، ولم يكذب “بن جوريون” حين قال يومًا: “لقد أقام الإعلام دولتنا، واستطاع أن يساعدنا في الحصول على مشروعيتها الدولية”، لكن ربما لم يحالفه التوفيق في أن زوال هذه الدولة المزعومة لن يكون بوسائل إعلام مماثلة، ولكن سيكون بسواعد شباب جيل مسلم واعي، ومدرك لحقوقه، ومؤمن برسالته.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى