إضاءات حول المشهد الفقهي في جائحة كورونا
بقلم طه سليمان العامر
حراك فقهي وفكري ودعوي وعلمي وعملي واسع عقيب انسياح كورونا في الأرض، أُعلن النفير على مستويات عديدة، ومنها النفير الفقهي، وقد وجدت هذا اللفظ أدق في الوصف، ومن جماله أنه مشتق من اللفظ القرآن الشريف الوارد في قوله تعالى: “وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) سورة التوبة.
نعم كان استنفارا كاملا على المستوى الفقهي والفكري والدعوي والتربوي والاجتماعي والميداني، ولكل منه مظاهر وتجليات، وهو حقيق أن نُفرد لكل ميدان مقالات تُسلط الضوء عليه، بَيْد أننا أردنا هنا إفراد الحديث عن أحد أهم هذه الجوانب لنقف على بعض معالمه وآثاره، ولم أبتغ التفصيل، حيث لا يتسع المقام. لا ريب أن واقع الأحداث والأزمات الكبيرة تفرض نفسها على العقل فتَشحذه، وعلى الهمة فتوقظها، وعلى العزائم فتُنَميها، وعلى الإرادات فتقويها، وعلى الأخلاق فتُلهبها، ثم هي في الوقت ذاته كاشفة ومُمتحنة لما سبق، ولم يَسلم من هذا الاختبار صغيرٌ أو كبيرٌ، عالمٌ أو مُقلدٌ، سياسيٌّ أو حزبيٌّ، كلٌّ على حسب قَدْره وبلائه، وتلك هي طبيعة النوازل والمُدْلَهمات.
نفير يبعث السرور ويصنع الآمال
منذ وقعتْ واقعة الفيروس الذي حاصر الدنيا وأربك العالم وعطل مسارات الحياة -وكأنّ القيامة قد قامت- انطلق العلماء والدعاة في الشرق والغرب في غَيرة مُعجِبة، وحماسة مُلهِبة، وترشيد وتثقيف وتوعية جماهيرية، وحركة دائبة للتعاطي مع تلك الأزمة وما أفرزته من واقع تجلَّى على المشهد الديني والاجتماعي والاقتصادي نَجَم عنه كثير من الأسئلة الفقهية والعقيدية والأخلاقي، انطلق الفيروس المجنون من الصين وظن العالم في الغرب والشرق أنه عنه بعيد، وانبرى بعض المسلمين قدم، شامتين مُعَلقين هذه الجائحة على الظلم الذي أصاب المسلمين هناك، وحينما زحف علينا في أوروبا دار جدل فقهي حول بعض المسائل، أبرزها وقف صلاة الجمعة والجماعات وغيرها من المسائل التي سترد في المقال.
إنه واقعٌ جديدٌ أنتج حالة لم يعشها المسلمون من قبل باعتبار امتداد الجائحة آفاق الكرة الأرضية، وبرزت أسئلة وأجوبة كشفت مناحي القوة والضعف في الجانب المعرفي والثقافي والشرعي والأخلاقي والنفسي منها:
– هل الفيروس عقاب من الله تعالى ؟
– ما العلاقة بين القدر والأسباب ؟
– هل ما وقع في الصين عقوبة لهم على ما أصاب المسلمين هناك من ظلم ؟
– كيف نتعامل مع المصاب بفيروس كورونا؟
– هل يجوز تعطيل صلاة الجمعة وقاية من إنتشار الفيروس ؟
– وهل تصح صلاة الجمعة في البيوت؟
– ما حكم الصلاة جماعة مع التباعد – بمسافة متر أو أكثر ؟
– وما حكم تغسيل المتوفى بالفيروس إن غلب على الظن العدوى؟
– وما حكم تقديم مريض على مريض آخر عند العجز عن مداواتهما معا؟
– هل يجوز الإفطار بسبب فيروس كورونا؟
– هل يجوز صلاة التراويح خلف البث المباشر ؟
– وما حكم القرض الربوي للمساجد والمؤسسات التي تضررت بسبب الفيروس؟
تلك الأسئلة أوجدت حالة من الحراك الفقهي والإفتائي والفكري والفلسفي ووضعتْ الجميع أمام تحديات استخرجت أفضل ما عندنا وأضعفه.
الحرص العام من المسلمين على أمور دينهم
إن كثيرا من المسلمين شرقا وغربا لم تحتمل قلوبهم أبدا أن يُحرموا من صلاة الجمعة والجماعة بعد أن عاشوا عليها ردحا من الزمان وتعلقت قلوبهم ببيوت الله تعالى، لهذا كَثُر الاستفتاء حول أحكام العبادات في ظل الجائحة وخاصة الصلاة، وشعر الناس بفقد كبير ليوم الجمعة والجماعة ولقاء الأحبة الذي ننتظره من حين لآخر، وانتاب كثير من المسلمين شعور بالخطر على دينهم وهوية أبنائهم، فأقبلوا على البرامج الدعوية والتعليمية والتثقيفية والروحية التي نَفَرتْ لها المساجد والمؤسسات الإسلامية والدعاة حول العالم على نحوٍ ألقى في النفوس الطمأنينة، وضاعف الثقة في العلماء والدعاة أنهم على قدر المسؤولية الكبيرة وأنَّ راية الدين والعلم والتربية ستجد من يحملها ويأخذها بحقها.
وحينما سمحت السلطات بفتح دور العبادة جميعا وفق الشروط والإجراءات الوقائية أثبت المسلمون في الغرب أنهم على قدر المسؤولية وقامت المساجد في أوروبا – ولا زالت – بدور عظيم في الالتزام بالإجراءات الصحية الوقائية، وقد وجدتُ أن حرص المسلمين على الصلاة رغم الإجراءات الجديدة علينا جميعا يجسد دلالة خير وعاطفة طيبة نرجو تنميتها.
النوازل تبعث على النظر والتأمل والمراجعة
في بداية الأزمة سألني الصحفي المعروف د. Rein Hermann الكاتب في أحد أهم الصحف الألمانية Frankfurte Algemeine Zeitung قائلا: ألا تنزعجون من الفتاوى التي تنتشر عبر الإنترنت من غير المختصين في ظل أزمة كورونا ؟
قلت: لا أنزعج كثيرا، لأن البضاعة الجيدة تدفع الرديئة، ثم إننا نعيش عصر الثورة المعرفية المفتوحة فهو سِباق ومن شأنه أن يصنع حالة من التدافع الإيجابي الذي يحرك العقول نحو النظر والتأمل والمراجعة والبحث واقتحام تلك الساحات وفي يدك منتَج علمي قادر على الظفر بالعقول والقلوب، وهذا دورنا وتلك مهمتنا.
إنني مغتبط بالدور الكبير الذي قامت به المؤسسات الإفتائية الجماعية والجهود الفردية تأصيلاً وتقعيداً وترشيداً وتوجيهاً للمسلمين للتعامل الأمثل مع تلك الجائحة ومقتضياتها، والإجابة على أسئلة الجماهير، فقد قدمت مؤسسات افتائية وعلمائية عديدة على الساحة الأوروبية والعالمية جهودا كبيرة وعلى رأسها المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وهو جهد مشكور وله أجر موفور قام به العلماء على الرغم من ضعف الإمكانات المادية والبشرية المتاحة، غير أن الشعور بالمسؤولية والحاجة الماسة للبيان والتوجيه كانت دافعا لبذل الجهود الفكرية وتقليب الرأى والاستجابة للنازلة ومقتضياتها.
رعاية البُعد المصلحي في فتاوى كورونا
يجب أن يبرهن الاجتهاد الفقهي في النوازل خاصة على حكمة التشريع الإسلامي ورعايتة لمصالح العباد في الدارين، وقدرته على معالجة القضايا المتجددة، إنَّ كثير من العلماء يُصَدرون كتاباتهم بالعبارة الذهبية الجامعة لابن القيم التي افتتح بها كتابه الشهير “إعلام الموقعين” يقول: “إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهى عدل كلها، ورحمه كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل”
قلت: هذا أوان البرهان الحقيقي والتدليل على حضور البعد المصلحي فيما نزل بنا، وكأني بأحد من أهل اللجاجة يقول: إن كنتم يا علماء الأمة تدندنون دوما أن الشريعة عدلٌ ومصلحةٌ وحكمةٌ وكنزٌ لا يفنى عن أجوبة لكل سؤال، وعلاج لكل معضلة فأرونا الآن القدرة الباهرة والحكمة البالغة. إنني لا أحفل كثيرا بالخصوم – رغم فائدتهم أحيانا – بقدر يجب أن نؤكد على أن أعظم الفوائد للاجتهاد التي يستبطن مقاصد الأحكام أنه يعزز الانتماء والاعتزاز بالإسلام عند الأجيال الجديدة من مسلمي الغرب عامة، ويقدم تعريفا عمليا للإسلام وشريعته، في ظل موجات لا تتوقف من التشكيك والطعن في عالمنا المفتوح.
إن الإسلام جاء صالحا لمعالجة قضايا كل عصر وكل بيئة، ولا ريب في ذلك، قال تعالى: “وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (89) سورة النحل. ويقول الإمام الشافعي رضى الله عنه: “وليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها” ، إن من أهم ما يُنْجد الفقيه أن الشريعة اشتملت أصولا وقواعد كلية مرنة تُسعف المجتهدين بالنظر في المستجدات والنوازل، يقول الإمام محمد الطاهر بن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة: ” فعموم الشريعة لسائر البشر في سائر العصور مما أجمع عليه المسلمون، وقد أجمعوا على أنها مع عمومها صالحة للناس في كل زمان ومكان، وهى عندي بكيفيتين: الأولى: أن هذه الشريعة قابلة بأصولها وكلياتها للانطباق على مختلف الأحوال بحيث تساير أحكامها مختلف الأحوال دون حرج ولا مشقة ولا عسر. الثانية: أن يكون مختلف أحوال العصور والأمم قابلا للتشكيل على نحو أحكام الإسلام دون حرج ولا مشقة ولا عسر، كما أمكن تغيير الإسلام لبعض أحوال العرب والفرس والقبط والبربر والروم والتتار والهنود والصين والترك من غير أن يجدوا حرجا ولا عسرا في الإقلاع عما نزعوه من قديم أحوالهم الباطلة. “باختصار وتصرف “
ومن الخطأ والعجز أن تكون المسافة كبيرة بين التنظير والتطبيق. وأبرز اختبار حقيقي للفقه المتشبع بمقاصد الشرع هو ميدان الحركة والأحداث والنوازل، سنضع بعض الفتاوى على ميزان رعاية فقه الضرورات والحاجات والموازنة بين المصالح والمفاسد والنظر لمآلات الأمور، وحينها يتجلى لنا موافقتها للصواب أو مجانبته:
الأولى: تعليق الجمعة والجماعات في ظل اشتداد أزمة كورونا.
الثانية: عدم صحة صلاة الجمعة في البيوت.
الثالثة: الفتوى بعدم صحة الاقتداء خلف البث المباشر.
الرابعة: ترك غسل المتوفى بكورونا إن غلب على الظن العدوى.
صدرت تلك الفتاوى عن عدد من المجامع والمؤسسات الفتائية في أوروبا – المجلس الأوروبي – وغيره، وقد خالف عدد من العلماء بعضها، لاعتبارات متعددة، منها ضعف وضوح تفاصيل المشهد الصحي بشكل دقيق، وحالة انتشار الفيروس وأسبابه، نستطيع الجزم بأن فتوى تعليق الجمعة والجماعة اعتبرت هنا مقصدا ضرورويا كبيرا وهو حفظ النفس في مرتبة الضروري وقدمته على الجمعة وصلاة الجمعة، ذلك لأن مرتبتها لا تصل إلى الضروري، وحينما سألني الصحفي D:Rein Hermann عن سبب تعليق الجمعة والجماعات قلنا: إن حفظ النفس في سُلم الضرورات مُقَدم على حفظ الدين في مرتبة الحاجيات أو التحسينيات.
بل إن حفظ النفس هو من صلب حفظ الدين نفسه، فإن زهقت الأرواح فمن يقوم بحفظ الدين؟ ثم إننا حين نؤكد أن الدين يحفظ الأرواح والحياة فإننا نؤكد على ربانيته، ورعايته لمصالح العباد، فنرد الناس إليه ونزُود عنه التهم والشبهات، وكانت قاعدة التوقيف في العبادات وحفظ هيبتها وتفعيل فقه الرخص والبدائل الشرعية حاضرة في فتوى القول بعدم جواز صلاة الجمعة في البيوت. وأما فتوى عدم صحة الاقتداء خلف البث المباشر الذي دار حولها جدل واختلاف، فالرأي أن القول بعدم الجواز هو الأصوب – مع تقديرنا للمخالفين – من حيث رعايته لمصالح دينية وواقعية واجتماعية كثيرة، منها “إحياء بيوت المسلمين بالعبادة الجماعية” وقد لمسنا الأثر العظيم على الأسرة في شهر رمضان حينما أحيت صلاة التراويح في البيوت جماعة.
وفتوى جواز ترك غسل المتوفى بفيروس كورونا عند مظنة العدوى، إذا اقترب من الجثمان المغسل، رغم أن غسل الميت المسلم واجب على الكفاية عند جمهور الفقهاء، إلا أن الضرورة هنا قدمت فيه حق الحي على الميت، ومرتبة حفظ النفس أعلى من الغسل وهو تحسيني، وقد أنكر بعضهم تلك الفتوى بناء على ظنية العدوى، والظنية عندهم هنا أن انتقال العدوى احتمال ضعيف، ومنشأ الاختلاف مرده هنا إلى تفاوت التصور للمسألة ودقة المعلومات الواردة من الناحية الطبية والقرارات الإدرارية الملزمة من السلطات، أو تحكيم العاطفة على العقل. وهنا تتجلى القاعدة الأصولية التي افتتحت بها معلمة القواعد الفقهية عملها ” الحكم على الشيء فرع من تصوره “تلك القاعدة التي تفسر لنا أسباب الاختلاف في التباين في الفتاوى بشكل عام وفي النوازل خاصة.
تبدو مرونة الفقه الإسلامي في تأهبه للمستجدات والمتغيرات، ورعاية مقتضى الأحوال فلا يجمد على فتوى دعت الحال إلى تغيرها، وأجدني هنا ممثلا بفتوى المجلس الأوروبي للإفتاء في بداية كوورنا بشأن الصلاة المتباعدة فقد رأت أنَّ تلك الهيئة للصلاة تغيب عنها روح الجماعة ومقاصدها ومن ثم رأى المجلس أنها خلاف الأًولى. تلك الفتوى في وقتها اختيار فقهي مسدد، أما وقد تغير الحال وعادت الحياة في كثير من الدول الأوروبية وفق شروط وإجراءات وقائية فلا يمكن أن تبقى المساجد مغلقة والجماعات مُعَلَّقة، وصار من لوازم الجماعة الصلاة المتباعدة، وهذا من باب أخف الضررين وأهون الشرين. إذ لا يخفى الأثر السلبي نفسيا وتربويا على المسلمين إذا فارقوا المساجد طويلا.
البعد الواقعي وأثره في تغير الفتوى
الفتوى هي ثمرة تفاعل النص مع الواقع، وبقدر الإحاطة بهذا الواقع ومعرفته تكون الفتوى أقرب للصواب أو أبعد منه، وليس ثمة واقع أو زمان أشد تعقيدا من واقعنا وزماننا، والتسرع في بعض الفتاوى كان أحد أهم أسبابه ضعف تصور المسألة بشكل صحيح، وخطأ بعض المعلومات، وعدم اللجوء إلى أهل الاختصاص، والحق أن حكومات دول وقعت في حيرة واضطراب في معالجة الأزمة، ومن ثم أود أن أقول: ليس من الإنصاف أن نجلد أنفسنا حين رأينا اختلافات في بعض الفتاوى أو اضطراب عند بعض المؤسسات الإسلامية في بداية الجائحة.
وكلما كان المفتي أو المجالس الإفتائية قريبة من الواقع بأبعاده النفسية والاجتماعية والاقتصادية والمآلاتية كلما كانت الفتوى أقرب للحق وأرعى للمصلحة وأرجى للنفع، لكن الصعوبة هنا في التغير المتسارع للواقع خاصة عند الأزمات، فقد تابعنا ولا زلنا كيف أدارت ألمانيا كنموذج ناجح أزمة كورونا، فكان القرار السياسي مرهونا بالجهات المختصة المتابعة لتغير المشهد على مدار الساعة، وأنا لا أريد أن أطالب المؤسسات العلمائية الإفتائية حول العالم بنفس المقدار وذلك لقلة المؤونة وضعف الإمكانات المالية والبشرية، لكن المأمول والمنشود دوما أن نلاحق الواقع ونتابعه على نحو دقيق، حيث يشتبك فيه الشرعي والإنساني والطبي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وما أجمل عبارة ابن القيم الذي يؤكد فيها على أهمية فهم الواقع للفقيه كسبيل لإصابة حكم الله الواقعة، يقول رحمه الله: ولا يتمكن المفتي، ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهْم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات، حتى يحيط به علماً، والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر. ومن هناك كان القرار بفتح المساجد مع كافة الاحترازات الصحية نابعا من القرارات الإدارية التي انطلقت من واقع الحال المؤسس على الدراسات والبحوث والإحصائيات.
في ختام هذا المقال أؤكد على أن ما أنتجته جائحة كورونا من حراك فقهي كبير كشف عن طاقات موفورة وقدرة طيبة على إدارة الأزمة والتصدي لحاجات الناس والإجابة على تساؤلاتهم كننا بحاجة إلى إحياء الفقه “الأرأيتي” وهو الفقه الافتراضي أو النظر المستقبلي، لمواجهة الحوادث والنوازل بقدر أعلى من النظر والوعى والتوجيه، إنَّ الاجتهاد الجماعي أقوم قيلا من الاجتهاد الفردي، وإن كان الأول لا يمنع الثاني ولا يحجر عليه، وحين نقلب النظر سنجد أن فتاوى المجامع الفقهية في جائحة كورونا – بوجه عام – أدق وأقرب لمقاصد الشرع ومصالح العباد من الاجتهادات الفردية. ولا أدعي ولا غيري أن هناك عصمة لأحد بعد الله ورسوله، إنما هو تسديد ومقاربة ثم بعد ذلك يبقى هامش المراجعة وتقليب الرأي والنظر، وتبقى دوما قلوب وعقول أهل العلم والفقه منفتحة للنصيحة، وتبقى ساحات النقاش فسيحة وفق آداب الاختلاف التي ورثناها عن فقهائنا العظماء الذي شيدوا من سعة العلم والخلق والأدب ما يسع الناس جميعا.
(المصدر: مدونات الجزيرة)