إشكال التعامل الغربي مع الهلال التركي!
بقلم د. محمد علي المصري
الصين تنقذ تركيا!!
يسيطر مبدأ البرجماتية أو النفعية على السياسة الغربية بصفة عامة، بكل اتجاهاتها الأيدلوجية، نعم؛ قد يتفاوت المبدأ الأيدلوجي أو الفكري في مواجهة الاتجاه البرجماتي، من اليمين لليسار، ومن دولة لأخرى، ومن زمن لزمن، لكن يبقى مبدأ النفعية هو المسيطر على العقلية الغربية،
ويزيد الاتجاه الأيدلوجي كلما كان الغرب أقوى، فيأخذ مساحات من المبدأ البرجماتي، وكذلك يزيد إذا كان الخطر على الغرب يأتي من اتجاه فكري مضاد، كزيادة الوعي الإسلامي والشعور الديني لدى الشعوب الإسلامية، فيجد الغرب نفسه مضطرا إلى مجاراة هذا الاتجاه بالاتجاه الأيدلوجي، الذي يغلف في الحقيقي الاتجاه البرجماتي.
وفي الحالة التركية يأخذ مبدأ المواجهة الأيدلوجية مع الأتراك حيّزًا هو الأكثر ظهورا وبرزوا في هذه المواجهة، إذ إن واقع القوة التركية ومناطها لا يكمن فقط في التحول المادي القوي للدولة التركية؛ وإنما لمصاحبة هذا التحول لروح إسلامية دينية لدى الشعب التركي، وشعور (بالقيادة) الإسلامية العالمية يقلق الغرب، بالرغم من التحالف التركي الرسمي مع الغرب متمثلا في كونها عضوا في حلف الناتو.
لكن المواجهة مع التنين الصيني الطموح، الهادي القوي في تحركاته، والعنيف جدا إذا حدثت مواجهة مع خصومه؛ يتقدم بخطى ثابتة ليس فقط لاحتلال القوى الضعيفة والمحتاجة؛ وإنما يتحرك تجاه إسقاط أوروبا ذاتها في تحرك جيوسياسي، يختلف عن التحرك الاقتصادي العالمي للصين، ومنافستها التقنية الرخيصة لأي تقنيات تظهر في بقعة على الكوكب الأزرق!
وأعتبر أن قمة الدول السبع الصناعية الكبرى في كورونوال ببريطانيا في يونيو من هذا العام تدشين (لحرب) حقيقية بين الدول السبع، ومن يدور في فلكها، والتنين الصيني، فقد ظهر بقوة أن الدولة الصينية قادرة على مواجهة الغرب منفردة، وظهر كذلك ضعف الغرب عن مواجهة تحركاتها الذكية والواثقة منفردين، فكان لابد من المواجهة الجماعية.
ولأن الدولة الصينية تتحرك جيوسياسيا نحو أوروبا، بعد أن وضعت لها (قواعد) في باكستان، ثم إيران، وبهذا تكون قد اتجهت غربا، للدخول إلى القارة الأوربية، التي يقف على بواباتها الدولة التركية! وقد أدرك الغرب أن انهيار الدولة التركية أمام الصين، أو تحالفها معها، أو حتى غضها للنظر عن التقدم؛ يعتبر كارثة على القارة الأوربية والغرب عامة.
فظهرت إشكالية الصراع الغربي بين المواجهة مع الأتراك، والمواجهة مع الصين، وما يتبعها في الصراع الداخلي بين تقديم المبدأ الأيدلوجي الفكري على المبدأ البرجماتي النفعي أو العكس؟
فكان الاختيار (الطبيعي) للغرب: تقديم المبدأ البرجماتي النفعي على الأيدلوجي الفكري، فكان لزاما على أوروبا (دعم ومساعدة) تركيا، حتى تتمكن من صد الهجوم الجيوسياسي الصيني حتى لا يصل إلى قلب أوروبا، وهو ما لا أشك أن تركيا ستستغله في صالحها، بعد أن أدركته وعرفته،
فحصلت من الغرب وبايدن على الخصوص على (انكسار) معنوي مبدئي في شكل وطريقة لقاء أردوغان مع بايدن (اليساري الأيدلوجي) الذي قدم المبدأ النفعي على قناعاته، وقابل (عدو) فكري لما يعتنقه من الفكر اليساري، وظهر بمظهر الداعم لأردوغان، بل والمستجدي لقبول تركيا (للدعم الغربي)!
فإلى متى يستمر هذا الدعم الغربي؟ وكيف يمكن لتركيا تحويله إلى دعم (اقتصادي) و(سياسي)، يدعم حكومة أردوغان داخليا، وفي مشروعاتها الطموحة في المنطقة، ويمكنها من تجنب المواجهة الأيدلوجية مع الغرب، أو على الأقل (إطالة) تجميد هذه المواجهة في (الديب فريزر) السياسي؟
هذا ما ستفصح عنه (ردود الأفعال) التركية لهذا الدعم خلال الفترة القادمة.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)