مقالاتمقالات مختارة

إشكالية الجزم بنسبة بعض المصطلحات إلى علمائنا القدامى

إشكالية الجزم بنسبة بعض المصطلحات إلى علمائنا القدامى

بقلم د. عصام فاروق [1]

من الإشكاليات المنهجية التي لا بد أن يَتنبَّه إليها الباحثون في علوم العربية – على وجه الخصوص – عدمُ الجزم بنسبة مصطلحٍ من المصطلحات – خصوصًا التراثية منها – إلى عَالِمٍ بعينه، لا لشيءٍ إلا لورود هذا المصطلح في مؤلَّف من مؤلفاته، وأن يقتصر هذا الجزم على تصريح هذا العالِم أو أحد تلامذته بأنه صاحبُ هذا المصطلح أو ذاك، أما مجرد وروده في مؤلَّفه، فليس بدليلٍ قويٍّ على هذا الجزم.

أوضِّح فأقول على سبيل المثال: المصطلحاتُ الصوتية التي وردتْ في كتاب سيبويه، قد لا يكون هو منشؤها، أو واضعها، بل من الممكن أن تكون من إطلاق أساتذته، خصوصًا الخليلَ بن أحمد[2]، كأن يكون للأخير مصطلحاتٌ لم يضمِّنها مقدمةَ معجمه التي تحوي كثيرًا من أفكاره ومصطلحاته الصوتية، أو وَضَعَ مرادفاتٍ لِما وَرَدَ من مصطلحات في هذه المقدمة، سمعها منه سيبويه، وأثبتَها في الكتاب، وقد يقوِّي مثل هذا الاحتمال بعضُ الروايات التي حكاها بعضُ العلماء عن الخليل في أمورٍ صوتيَّة، لم تتضمَّنها مقدمةُ العين، ومنها ما رواه ابن كيسان – فيما حكاه السيوطي – قال: “سمعتُ مَن يذكر عن الخليل أنه قال: لم أبدأ بالهمزة؛ لأنه يلحقها النقص، والتغيير والحذف، ولا بألف؛ لأنها لا تكون في ابتداء كلمة، ولا في اسم ولا فعل، إلا زائدة أو مبدلة، ولا بالهاء؛ لأنها مهموسة خفية لا صوت لها، فنزلتُ إلى الحيز الثاني، وفيه العين والحاء، فوجدت العين أنصعَ الحرفين، فابتدأت بها؛ ليكون أحسن في التأليف”[3].

ولستُ الآن في معرض التعليق على صحةِ هذه الروايةِ من عدمها، ولكنَّها إذا صحتْ فإنها تهدمُ ما هو معروفٌ بين العلماء من أنَّ مصطلح الهمس – وبالتالي الجهر – لسيبويه، وتؤكِّد ما نتوجس منه من أن بعض المصطلحات الواردة في الكتاب ليست خالصةً لسيبويه.

ومما يزيد صعوبة الجزم بنسبة هذه المصطلحات إلى سيبويه أنه لم يصرِّح بأنه منشؤها أو ناقلها، ولا يكفي عدم ذكرها عند أحدٍ قبله دليلًا للقول بأنه صاحب هذه المصطلحات وواضعها، خصوصًا أن كثيرًا من أساتذة سيبويه ليس لهم آثارٌ مكتوبة أو حفِظها لنا الزمانُ، نستطيع أن نتبيَّن من خلالها حدودَ نقله منها، ومما يقال في هذا الشأن: “أنه اعتمد على كتابي (الإكمال)، و(الجامع) لعيسى بن عمر، ولكنَّ هذين الكتابين لم يصلا إلينا لنرى مقدار استفادة سيبويه منهما، واعتماده عليهما”[4].

وفي ضوء ذلك، فإننا لا يمكننا مثلًا قَبول مثل ما جزم به أحدُ الباحثين من أن مصطلح الانفتاح ذكره سيبويه في كتابه، ولم يذكره أحدٌ قبله، فهو واضع هذا المصطلح، أما الخليل فقد سمَّى هذا المصطلح مختفضًا”[5].

إذًا ما الدليل على أنه لم يذكره أحدٌ قبله وفي تراثنا العربي الكثير من المفقود؟! ثم ما الدليلُ على أنه واضعُه؟! وهل مجرد ورود مصطلحٍ آخر عند أستاذه يُثبت له هذا الوضع؟ لا أعتقد ذلك…


[1] د. عصام فاروق: أستاذ مساعد (مشارك)، ورئيس قسم أصول اللغة بكلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان – جامعة الأزهر.

[2] أشار إلى ذلك د. علي توفيق الحمد في بحثه: قراءة في مصطلح سيبويه (تحليل ونقد)، منشور بمجلة علوم اللغة، مجلد 9 العدد 1 لعام 2006، ص 67، 68

[3] المزهر في علوم اللغة وأنواعها، جلال الدين السيوطي؛ تح: محمد أحمد جاد المولى وآخرين، مكتبة دار التراث – القاهرة، ط ثالثة، د. ت، ج1، ص90.

[4] أبنية الصرف في كتاب سيبويه، د. خديجة الحديثي، منشورات مكتبة النهضة – بغداد، ط أولى، 1385هـ – 1965م، ص 63، 64.

[5] المصطلح الصوتي في الدراسات العربية، د. عبدالعزيز الصيغ، دار الفكر – دمشق، ط ثانية 1427هـ -2007م، ص 137.

(المصدر: شبكة الألوكة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى