بقلم هاشم الرفاعي
أوضاع المسلمين في مجتمعات العالم العربي وأفريقيا وعدد من دول قارة آسيا ليست على مايرام، حيث الظروف الاقتصادية القاسية والمتردية وارتفاع معدلات الفقر والجهل ظواهر متفشية ولا تجد دولة من هذه الدول إلا ولها نصيب من الفقر والقهر الاقتصادي. وكذلك الأحوال السياسية بئيسة حيث النمط الحاكم ذو اتجاه واحد ولون واحد مع ندرة وجود المشاركة السياسية والمحاسبة والرقابة الشعبية لمؤسسات الدولة. هذه الظروف الاقتصادية والسياسية وغيرها تشكل لدى المسلمين أهمية وحيز في الخطاب الإسلامي ك”إشكالية” وأزمة و”إبتلاء”. ومؤخرا ظهرت قضايا اللاجئين في العراق واليمن وسوريا وهي قضايا ذات معاناة وكنتيجة لإشكاليات كبرى في المنطقة العربية والإسلامية وضحيتها هو الإنسان الأعزل البسيط المجرد من كل شيء.
عندما تحضر كل الإشكاليات السابقة الإقتصادية والسياسية وغيرها لدى الخطاب الديني التقليدي يكون التعاطي معها تقليدياً في معظم الأحيان، حيث هناك نمط من ردة الفعل نحو هذه القضايا، وهو أن الدنيا دار بلاء ويجب على المسلمين تحمل هذا البلاء وعلى قدر الصبر يكون الأجر، وأن الدنيا ليست دار قرار، فلهذا كل الإشكاليات التي تحيط بالإنسان من فساد وفقر وفاقة ودكتاتوريات قمعية متوحشه هي خارجة عن سيطرة الإنسان المسلم وما عليه إلا الدعاء والعودة للعبادات (الصلاة والصوم وقراءة القرآن الخ) وأن هذه العبادات هي منجاة للإنسان المسلم من كل هذه الابتلاءات والتي وجدت حسب التفسير والرأي التقليدي كاختبار للإنسان المسلم وأن دار القرار هي الآخرة، لهذا لا يجب أن يكترث المسلم لكل الإشكاليات السابقة حتى لو هُجر من أرضه وسُلب منه ماله! أي استسلام كامل ويقين أن الإنسان المسلم لا يمكنه التعاطي مع كل الإشكاليات السياسية والاقتصادية إلا بالصبر وانتظار يوم الحساب وهناك دار القرار. هذا الرأي هو نمط متأصل لدى طيف واسع من التقليديين الإسلاميين في خطب الجمعة والمواعظ المنتشرة ما بعد الصلوات وحتى في البرامج التلفزيونية وغيرها.
هناك نمط آخر يقر بالإشكاليات السياسية والاقتصادية وتطور العمران وخرابه ويرى أن الإسلام هو الحل لهذه الإشكاليات، أي أنه يختلف عن النمط الأول في إقراره لهذه الإشكاليات وأنه يمكن التعاطي معها وأن الحل هو بالعودة للإسلام والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله، وكذلك الالتزام بالعبادات ( الصلوات الخمس، والصيام، والصدقات الخ) وأنه متى ما عاد المسلمون بيقين إلى الله فرج الله عنهم كربتهم، و نصرهم على من عاداهم ومكن لهم في الأرض وجعلهم من المستخلفين فيها. الإشكالية في هذا الخطاب السائد أنه عندما يواجهه له نحوه سؤالاً عن ما هي الكيفية التي سوف يعمل كمثل الاقتصاد كنظام مالي وتجاري وتبادلي، نجد أن المعرفة صفرية أي لا شيء. عندما تُطرح إشكاليات العالم الإسلامي أمام هذا الخطاب كالفقر كمثال للأزمة وظاهرة موجودة في مجمل الدول العربية والإسلامي لا نجد نموذج معرفي واحد يستطيع أن يعالج هذه الظاهرة من داخل الأدبيات الإسلامية بشكل متخصص. والإشكالية ليست مقتصرة على موضوع الاقتصاد وحده بل هي أيضاً على السياسية والتعليم والتربية والعلاقات الخارجية والتصنيع وغيرها من التخصصات التي أضحت علوماً دقيقة. ربما يمتلك العديد من الإسلاميين حسن النوايا في النظر للقضايا الشائكة لكن الحلول لمواجهة هذه الإشكاليات خجوله وربما غير موجودة لا في الذهن الإسلامي الحركي فضلا على أن تكون على أرض الواقع.
حسب المؤرخ توينبي أن كل الحضارات التي ظهرت أو التي اختفت كانت نتيجة لكيفية تعاطيها مع التحديات التي تحيط بها، فعندما يكون هناك تحدي يكون هناك نوعان من الاستجابة لهذا التحدي ١- استجابة سلبية: النكوص إلى الماضي لاستعادته والتمسك به تعويضاً عن واقعه المُرّ، فيصبح إنطوائيّاً. ٢- استجابة إيجابية: تَـقَـبُّـل الصدمة والاعتراف بها، ثم مُحاولة التغلُّب عليها، فيكون في هذه الحالة إنبساطيّاً. (حسين يونس، نظرية التحدي والاستجابة). فهو يشير أن نوع الاستجابة يحدد مصير هذه الحضارة أو الدولة أو حتى المجتمع، وهنا هو يعالج إشكالية عميقة لدى المجتمعات العربية والإسلامية في تعاطيها مع هذه التحديات المستمرة في واقع المسلمين.
الإشكاليات السابقة مربكة في عقل المسلم المعاصر نتيجة لعدم التعاطي معرفياً وعلميا معها، حيث أن العلوم التي تدير المجتمعات و تحلل الأزمات وترصد الإشكاليات وتتعمق لمعرفة بواطن الأزمات ولا تكتفي بتحليل ظاهر الإشكاليات وتبسيط الحلول بالعودة للصلاة والصوم والزكاة هي جزء من أزمتنا الأساسية، حيث أن هناك ارتباك فكري ونفسي داخل وجدان المسلم في التفريق ما بين العطاء في الدنيا والعطاء للآخرة، حيث لهذا النمط من التفكير والإرتباك الكثير مما يدعمه من داخل الأدبيات الإسلامية التقليدية وغيرها من الصورة النمطية عن دور المسلم الصالح.
(الاسلام اليوم)