إسماعيل عليه السلام.. النبي الصابر
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
هو إسماعيل بن إبراهيم عليه السّلام، ولد في فلسطين حوالي عام 1794 ق.م، في منطقة بئر السبع غالباً، وكان عمر أبيه ستاً وثمانين سنة، وكان قد مضى على وجوده في أرض فلسطين حوالي عشر سنوات، ولم ينجب أولاداً، فدعا ربّه أن يهبه الذرية، قال تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} ]الصافات:100-101[، فهو الابن الأول والأكبر لإبراهيم، وهو الراجح الذبيح الذي فداه الله تعالى بذبح عظيم، وكان وحيداً لأبيه حينذاك (عالم الأديان بين الأسطورة والحقيقة، فوزي محمد حميد، ص308)
وأم إسماعيل – عليه السّلام – هي هاجر المصرية التي كانت أميرة وأسيرة عند أحد فراعنة مصر، فأهداها إلى سارة في القصة المعروفة، فسافر بها إبراهيم إلى فلسطين، وأنجب منها إسماعيل، ونشأ وترعرع وهو في سن الرضاعة في فلسطين، ثم انتقل إبراهيم بهاجر وإسماعيل عليهما السلام إلى مكة المكرمة التي قدمت إليها القبائل العربية واستقرّت فيها. (قصص الأنبياء في رحاب الكون، د. عبد الحليم محمود، ص236)
ولما شبّ إسماعيل – عليه السّلام – تزوج من امرأة يُختلف في اسمها، فيُقال هي عمارة بنت سعد بن أسامة، وقيل إن اسمها جداء سعد، وقيل حبى بنت أسعد بن عملق، وقيل ريبة أو ميريبة، ثم فارقها وطلقها، وتزوّج الثانية رَعْلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، وبقيت معه، فولدت له اثني عشر ولداً ذكراً وبنتاً واحدة، هم آباء العرب المستعربة اليوم، فإسماعيل – عليه السّلام – هو جدُّ العرب، ويقال: إنه تزوّج من ثالثة وهي: سامة بنت مهلهل بن سعد بن عوف. (عالم الأديان بين الأسطورة والحقيقة، المرجع نفسه، ص310)
وتذكر كتب التاريخ أن إسماعيل – عليه السّلام – أول من تكلّم العربية البليغة، وكان قد نقلها من العرب العاربة الذين نزلوا عندهم بمكة من قبيلة جَرهم، والعماليق وأهل اليمن، من الأمم السالفة من العرب قبل إبراهيم الخليل – عليه السّلام -، ورُوي أنه أول من فتق لسانه بالعربية البيّنة إسماعيل، وهو ابن أربع عشرة سنة.
ولما حلّت جرهم بمكة المباركة، وهب كل صاحب خيمة لإسماعيل – عليه السّلام – شاة أو شاتين، حتى تشكّل له بعض قطيع، وهو ما يزال في عمره النديّ ويترعرع في كنف أمه ويدرج بين أطفال جرهم، فلما بلغ مبلغ الفتيان والشباب، انصرف إلى الرعي والصيد على عادة الناس الذين يعيشون حوله (قصص الأنبياء في رحاب الكون، د. عبد الحليم محمود، ص244)
وكانت هاجر وإسماعيل ينعمان بقدوم إبراهيم – عليه السّلام – والمكوث عندهما، والاطمئنان عليهما، حتى حصلت قصة الذبح والفداء كما سبق، وتمّ التعاون على بناء الكعبة المشرفة كما سبق.
وقد وصف القرآن الكريم إسماعيل – عليه السّلام – بأنه: غلام، حليم، صادق الوعد، يحافظ على الصلاة، ويأمر أهله بها، وأن الله تعالى برّأه من كل ما نسب إليه الجاهلون. (عالم الأديان بين الأسطورة والحقيقة، فوزي محمد حميد، ص311)
وعاش إسماعيل – عليه السّلام – 137 عاماً إلى أن مات، ودُفن بالحجر “بجوار الكعبة” مع أمه هاجر. (عالم الأديان بين الأسطورة والحقيقة، فوزي محمد حميد، ص310)
ولازم إسماعيل – عليه السّلام – والده في أوقات إقامته بمكة المكرمة، وكان التشريع الإلهي لإسماعيل – عليه السّلام – مقترناً بشرعة أبيه إبراهيم – عليه السّلام – التي سبقت وهي: الهجرة، تعدد الزوجات، حضانة الولد عند أمه، إقامة الصلاة، الختان، بناء الكعبة، الطواف، الاعتكاف، تحقيق الأمن في مكة، مناسك الحج، الرؤيا بذبح الولد، الشورى، المشاورة، طاعة الله تعالى والتسليم لأمره، الذبح والفداء والأضحية، السعي بين الصفا والمروة، رمي الجمرات، وتطهير البيت الحرام، وسيأتي بإذن الله بيان ذلك بشيء من التفصيل.
وبعد بناء الكعبة المشرفة ورفع قواعدها على يدي إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، بقي إسماعيل مع والدته في مكة وكان إبراهيم – عليه السّلام – يرجع مراراً إلى بيت المقدس وفلسطين وإلى زوجته سارة ثم ابنه إسحاق – عليه السّلام -.
وأما إسماعيل فهو المقيم الدائم في مكة المكرمة وكان أول من تولّى شؤون بيت الله الحرام، وبعد وفاته تولى شؤونه ابنه “نابت”، ثم تحولت السدانة على أخواله من بني جرهم، وكان ملكهم مضاض بن عمرو الجرهمي أول من ولي البيت منهم، ثم جاء ابنه الحارث، ثم انتقلت إلى عمرو بن الحارث، واستمرت الولاية في بني جرهم ما داموا متمسكين بالدين الحنيف، يعظمون مكة وبيتها الحرام، ولم يُقروا فيها بغياً ولا ظلماً، ولم يسفك العرب فيها دماً، ولم يقطعوا شجراً ولم يطردوا صيداً، ولم يقتلوا ظهيراً، وكان الحرم كله آمناً مطمئناً، ولكن ولاة البيت من جرهم لم يستطيعوا الحفاظ على حرمات مكة وكعبتها المشرّفة وبيتها الحرام، بل بغوا فيها وطعنوا واستحلّوا الحرمات المقدسة، وأكثروا الفساد، وألحدوا بالمسجد الحرام، وصاروا يظلمون من يدخل إليها من غير أهلها، وأكلوا ما يُقدم للبيت من هدايا وأموال، حتى ابتلاهم الله؛ فهلك كثير منهم، واستمرت ولاية البيت فيهم نحو 300 سنة، ثم تحولت الولاية إلى العماليق بقيادة السميدع بن هوبر بعد هزيمة جَرهم أمامهم، وزاد العماليق في بناء البيت، ورفعوه على ما كان عليه من بناء إبراهيم – عليه السّلام -. (شرعة الله للأنبياء، محمد مصطفى الزحيلي، ص210)
ثم صارت ولاية البيت في ولد إياد بن نزار بن معد، وقامت حروب بين مضر بن نزار وإياد، وكانت النتيجة لمضر، الذين أجْلوا إياد ومن معه من مكة باتجاه العراق، ثم آلت الولاية إلى خزاعة، ومنها إلى قصي بن كلاب، الذي كان صهراً لخزاعة، الذي فوّض جميع أعمال البيت ورئاسة قريش إلى ابنه عبد الدار، وتفرقت بطون قريش إلى بني عبد الدار وبني عبد مناف، ثم اتفقوا على أن تكون الرفادة والسقاية لبني عبد مناف، وتكون الحجابة والندوة واللواء لبني عبد الدار، واستمر الأمر كذلك فترة طويلة. (عالم الأديان بين الأسطورة والحقيقة، فوزي محمد حميد، ص32)
ولما فتح الله تعالى مكة على يد محمد صلّى الله عليه وسلّم، كانت السقاية للعباس بن عبد المطّلب وبني مناف، وهو الموضع الذي يسقى فيه ماء زمزم.
وكان مفتاح الكعبة مع عثمان بن أبي طلحة العبدري من بني عبد الدار، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه ودخل الكعبة، وصلى بها وكسر الأصنام، وأخرج مقام إبراهيم، ونزلت الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ]النساء:58[، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان بن أبي طلحة وابن عمه شيبة بن أبي طلحة، وأعطاهما المفتاح وحفظ البيت.
وقال لهما: خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، وبقي مفتاح الكعبة وسدنتها في يد بني شيبة إلى اليوم.
وقد تحدّث العلّامة السيد سليمان الندوي في كتابه تاريخ أرض القرآن عن بني هاجر وإسماعيل – عليه السّلام – وأولاده والقبائل التي تفرّعت من إسماعيل – عليه السّلام – كآل غسان والأوس والخزرج من الأنصار، كفرع من فروع نابت بن إسماعيل، وعن قريش وأصولها من مضر بن نزار بن عدنان بن قيدار بن إسماعيل، وغير ذلك من فروع القبائل التي ترجع إلى إسماعيل – عليه السّلام -، ومن أراد التوسّع فليرجع إلى ذلك الكتاب. (تاريخ أرض القرآن، سليمان الندويّ، ص426)
ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: “إبراهيم عليه السلام” للدكتور علي الصلابي، واستفاد كثيرا من معلوماته من كتاب: عام الأديان بين الأسطورة والحقيقة، فوزي محمد حميد.
المراجع:
- إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء والمرسلين، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2020م.
- عالم الأديان بين الأسطورة والحقيقة، فوزي محمد حميد، دار حطين للدراسات والترجمة، دمشق، سوريا، ط1، 1993م، ص308.
- قصص الأنبياء في رحاب الكون، د. عبد الحليم محمود، ص236، وعالم الأديان بين الأسطورة والحقيقة، فوزي محمد حميد، المرجع السابق، ص309.
- تاريخ أرض القرآن، سليمان الندويّ، دار القلم للطباعة والنشر، دمشق، ط1، 2016م، ص257-426.