مقالاتمقالات مختارة

إسلاموية السلطة وإسلامية الشعب

بقلم أنور السليماني – مدونات الجزيرة

لست هنا لقراءة المشهد السياسي المهترئ في الجزائر جرّاء توظيف المال القذر بعد البحبوحة المالية المنهوبة والأجهزة الأمنية التي تفننت وتتفنن ليومنا هذا في تفكيك المفكك وتجزئة المجزئ، بالإضافة إلى تمييع الساحة السياسية والفكرية، كل هذا ساهم في إفراغ الساحة لوجوه ونخب معينة رغم رداءتها إلا أنها تقدم خدمات جليلة للنخب الحاكمة سواءً كانت مدنية أو عسكرية أو حتى اقتصادية وهذه الأخيرة صنيعة الأولى والثانية.

كما سأحاول اجتناب كرونولوجيا الانتخابات التي شهدتها الجزائر، فما قبل 1990 ليس كما بعده، ولو ركزنا في هذا الحدث لوجدنا حقيقة اختيار الشعب من عدمه، فالانتخابات التي جاءت بمن اختارهم الشعب ليست هي الانتخابات التي عملت الأجهزة الأمنية وبالضبط العسكر والمخابرات على ضبط  حصتها  “الكوتا”،  فكان اختيارا مشروطا بتزيين المشهد السياسي والذي تطور فيما بعد إلى فلكلور سياسي بامتياز، أما العنف المسلح الذي شهدته الساحة الجزائرية فهو نتاج منظومة حاكمة، وعودا على بدء فلعل تصريح الفريق محمد العماري ذات يوم للتلفزيون العمومي الجزائري بأنه ليس مع أي حزب وبأنً العسكر حيادي، وهو يقبل بنتائج الصندوق حتى لو جاءت النتائج بجاب الله الإسلامي.

هذا النفي هو في الأصل إثبات حقيقة تفكير المؤسسة العسكرية التي لعبت دورا مهما في الانقلاب على الإرادة الشعبية والتي اختار فيها الشعب الجزائري الإسلاميين في أول انتخابات تعددية ديمقراطية وكان الفوز حينها حليف الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

من هنا يمكننا البدء في تشريح الأحزاب الإسلاموية والإسلامية في الجزائر، فالأحزاب الإسلاموية التي استعين بها بُعيد الانقلاب على حزب جبهة الإنقاذ الإسلامي يبرز لنا نمطية تفكير صانع القرار الخفي المعقد بين الاستئساد الداخلي والالتزام بالقرار الخارجي، وهذا الأخير نابع من ضعف شخصية الحاكم وكيفية وصوله للحكم، قلت أن الإسلاموية أصبحت موضة الأنظمة الانقلابية في كل مكان وزمان ولو تمعنا في الخارطة السياسية في جميع الدول العربية لوجدنا السيناريو واحد والمهندس تمتلكه فوبيا الديمقراطية، حركات وأحزاب وقيادات إسلامية فاعلة ممنوعة بقوة الإكراه وأخرى مقبولة ومسموح لها وفق الحاجة التزيينية للمشهد السياسي، فالإسلاموية هي ممارسة رديئة  أكثر منها فكر والإسلامية هي حق أكثر منه قناعة.

أحمد أويحيى رئيس الحكومة الجزائرية لأربع مرات آخرها في (أغسطس/ آب) 2017 (غيتي)

الإسلامويون يساهمون في تثبيت الانقلاب وبتبريرات لا يقبلها العقل المجتمعي بالمقابل الإسلاميون يعملون على تغيير الواقع الذي يطمح له الوعي المجتمعي ولو بتفاوت بين مكونات المجتمعات الإسلامية، الإسلامويون يساهمون في اغتنام الفرص الضيقة لصالح مصالح حزبية ضيقة وَهَذَا الذي يعرفه جيدا النظام الجزائري، وإلا كيف نفسر تصريح أويحيى رئيس الحكومة سابقا الآن وزير أول، عندما كان يقدم حصيلة حكومته تحت قبة البرلمان الممثل للسلطة الحاكمة وقام بعض نواب التيار الإسلاموي، ونددوا بتصريحاته مرددين عبارة حكومة سراقة فأجابهم أويحيى كان معنا خمسة وزراء من حزبكم والآن سبعة وزراء، يعني كان معنا خمسة سراقين واليوم سبعة، بعيدا عن كلام أويحيى المعروف بصاحب المهمات القذرة، لكن إجابته بينت مدى الشرخ الذي يساهم فيه الإسلامويون في تحطيم النضال والبديل الذي تتغنى  به قياداتهم.

بالمقابل صرح أويحيى قائلا في إحدى تجمعاته أن الوعاء الانتخابي الذي يغيب دائما عن الاستحقاقات الانتخابية  معروف التوجه  في إشارة له لثلاث مليون ناخب انتخب جبهة الإنقاذ المحلة، كما أتساءل هنا كيف لوعاء انتخابي لم يتغير حجمه زيادة أو نقصا، ولو تعمقنا في فهم حقيقة الإسلاموية والإسلامية في المجتمع الجزائري كعامل معبر عن الانتماء للفكرة لأدركنا الفرق الشاسع بينهما، فيمكنك أن توظف أدوات التحليل كاملة عند تشريح المشهد السياسي، وسأعطي بعض النقاط لعل البحاثة يستفيد منها مستقبلا، فلا يمكننا التركيز على موضوع كبير كهذا في مقالة محدودة.

فلو ركزنا على التعبئة التي يحظى بها قيادات الإنقاذ المحل وتأثيرهم في الشارع الجزائري لفهمنا سبب منعهم ليومنا هذا فحلهم قانونيا وتجذرهم شعبيا، نحاول تحليل شعارات الملاعب والأهازيج السياسية وقياسا عليها أين نضع مكانة القيادات الإسلامية الرافضة للنظام الحاكم مع طرح راديكالي، لو نتابع مسيرات وتجمعات قيادات الإنقاذ وأنصارها وحجم التعبئة عندها، لو تتبعنا حراك الحركات النضالية منها حراك البطالين ورفض الغاز الصخري واحتجاجات الشباب وشرّحنا نمطية خطاباتها ومن أين تستلهم وكيف توظَّف نضاليا!، لو قمنا بدراسة مسحية لكبرى الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي المهتمة بالوضع السياسي ومدى تعاطيها وتعاطفها مع القيادات الإسلامية بالمقابل مع الإسلاموية، لو ركزنا تعاطي الإعلام غير المستقبل مع نشاط ومضايقات الطرفين، أعتقد أن بعض النقاط مثل التي ذكرتها  كافية لإبراز حقيقة ما أراه فرق يبرز  واقع الإسلاموية والإسلامية.

الخطاب الإعلامي يساهم في تثبيت مخرجات العلبة السوداء كما أن مخرجات السلطة من الإسلامويين راضية بالقسمة الضيزى وقد نجحت السلطة إلى حد بعيد في تثبيت قواعد اللعبة السياسية المرهونة بتوظيف المال وشراء الذمم تارة وتفعيل فزاعة الأمن والإرهاب وتضخيم نظريات المؤامرة تارة أخرى، فأصبح المواطن مخير بين ديمومة الواقع السياسي أو تخييره بين النماذج القريبة من الثورات والثورات المضادة بحكم المخاطب هنا الجيل الذي لم ير ولم يعش حيثيات الانقلاب وتوظيف الجماعات المتنطعة والوظيفية لصالح العلبة السوداء.

حصرت هذا التصنيف في طرف ونقيضه ممن يتبنى العمل السياسي الحركي دون غيره، فلا يمكننا التطرق للحركات السلفية الجهادية أو العلمية وحتى السلطوية بحكم توجهاتها، لأنه بإمكاننا تصنيف السلفية إلى ساخطة وأخرى وظيفية لمن حكم بقوة الحديد والنار، وقد تصبح الجهادية أو حتى العلمية بجزء يسير وعاءً انتخابيا آنيا، فالإسلاموية والإسلامية لا يمكننا فهمهما دون الرجوع إلى حقيقة المشهد السياسي الواقعي وليس المسوق إعلاميا ورسميا.

وأخيرا وليس آخرا عندما يصرح رئيس حزب سياسي إسلاموي سابق متهما الإسلاميين سببا في تراجع مكانتهم فهو لا يلوم إلا السلطة، لأن المتاح والموجود حاليا كفاعل رسمي ما هو إلا نتاج المنظومة الحاكمة، لأن الجزائر لو تشهد انفتاحا سياسيا سيعود الجميع إلى حجمه الأصلي والحقيقي دون مزايدات إعلامية لا تقدم ولا تأخر من حقيقة الواقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى