مقالاتمقالات مختارة

“إسلاموفوبيا” وقمع رسمي لمحو الإسلام من فرنسا

“إسلاموفوبيا” وقمع رسمي لمحو الإسلام من فرنسا

بقلم محمد رشيد (كاتب هندي)

للجمهورية الفرنسية الحديثة تاريخ طويل من محاولة فرنسة الإسلام وفقاً للتحامل الفرنسي ووفقاً لفهم مبادئ العلمانية أو (اللائكية)، والمساواة، والمفهوم الفرنسي للتحسين والصقل، تاريخياً؛ أدت هذه المحاولات إما إلى نبذ المسلمين أو إلى إساءة استخدام السلطات التنفيذية ضدهم مثل إنكار حقهم في ممارسة الإسلام وحقهم في تطوير الهوية الفكرية والثقافية للمسلمين.

وفي التجارب الفرنسية الشائنة التي قامت بها الجمهورية الفرنسية، طالب رؤساء سابقون ورؤساء وزراء بإعادة كتابة القرآن، وبحظر الحجاب، والنقاب في الأماكن العامة.

وتعد تصريحات مثل “الإسلام في أزمة عالمية” التي صدرت عن الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون إلى جانب قرار الحكومة الفرنسية بحظر مؤسسة نشر إسلامية البارزة، هي “Nawa Editions”، من الإضافات الأخيرة إلى “الإسلاموفوبيا” الفرنسية.

وقد غرد وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين ضد دار النشر الإسلامية “Nawa Editions”، زاعمًا أنها تبيع كتبًا تروج للتاريخ الإسلامي من خلال شخصيات مسلمة قاتلت باسم الدين، مثل سيرة القائد العسكري المسلم في القرن السابع الميلادي خالد بن الوليد، كما اتهم افتتاحية دار النشر تلك (Nawa Edition- نوى إيديشن) بأنها “مناهضة للعالمية وفي صراع مباشر مع القيم الغربية”.

رداً على ذلك، أدان بيان “Nawa Edition” (نوى إيديشن) القرار السياسي البحت للدولة، وأعرب عن قلقه من انجراف النموذج السياسي الفرنسي نحو قيام السلطة التنفيذية، لا القضائية، بحل تنفيذي للمنظمات الإسلامية دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.

وقد كانت هناك جهود متسقة من قبل الحكومة الفرنسية لإضعاف الجالية الفرنسية المسلمة وإضعاف جهودها التي تحاول تمكين الجالية المسلمة الفرنسية في مختلف الجوانب، خلال خطاب رفيع المستوى حول العلمانية والإسلام في أكتوبر من العام الماضي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: إن الإسلام دين يمر بأزمة اليوم في جميع أنحاء العالم، وإن هناك حاجة إلى تحرير الإسلام في فرنسا من تأثيرات الخارج.

وبعد شهرين، كشفت الحكومة الفرنسية النقاب عن مشروع قانون لمكافحة ما أسمته “الانفصالية الإسلامية” أو العدو الأيديولوجي للجمهورية، يمنح الحكومة والسلطة التنفيذية سلطات أحادية الجانب لإغلاق الجمعيات والمؤسسات الإسلامية واحتجاز أي شخص دون رقابة قضائية مباشرة.

وأثناء مناقشة سلسلة الجهود التي تبذلها السلطات الفرنسية والشخصيات العامة لفرنسة الإسلام، من الضروري إجراء دراسة نقدية لطبيعة الفصل بين الحداثة الفرنسية ومحاولتها نزع تفويض المثقف الإسلامي وفاعليته الثقافية.

وفي الوقت الذي نناقش فيه سلسلة الجهود التي تبذلها السلطات الفرنسية والشخصيات العامة لفرنسة أو لتحديث الإسلام، من الضروري النظر بشكل نقدي في طبيعة الفصل بين الحداثة الفرنسية ومحاولتها إلغاء وجود وفعالية المثقف الإسلامي والثقافة الإسلامية، ويجب دراسة كيفية تأثير ذلك على حياة المسلمين وعلى مشاركتهم الواضحة في الحوار العالمي بشأن مسألة العدالة.

ولا شك أنه سيكون من المستحيل التغلب على أسس هذه المعاملة العنيفة والظالمة للمسلمين والسود وغيرهم من الحضارات الأصلية في أوروبا دون التدقيق في المثل الثقافية والأيديولوجية للحداثة الأوروبية المصقولة والمتمحورة حول الرجل الأبيض، ولهذا، يجب تحليل طبيعة الجمهورية الفرنسية الحديثة جنبًا إلى جنب مع محاولاتهم لإلغاء الترخيص بالإسلام ومحاولة فرنسته، مما سيؤدي في النهاية إلى استبعاد الثقافة الإسلامية وطرد السكان المسلمين.

في هذا الظرف، يجب أن نبدأ بفحص طبيعة الحداثة أو على وجه التحديد ما تعنيه الجمهورية الفرنسية الحديثة باستخدام مصطلحات اللبرالية والحرية والعلمانية، وأثناء تفسير هذا السؤال، من المقرر سلفاً دراسة ما إذا كانت الثقافات غير البيضاء وطريقة إنتاجها المعرفي تندرج في نطاق مصطلحات العلمانية واللبرالية والحرية.

يشير وينين بيريرا في عمله الشهير، الطفيليات العالمية، إلى أن المبادئ الأساسية التي تقف كأساس رئيس للعمل الأساسي للدول الأوروبية الحديثة مثل الحرية والمساواة والأخوة والعلمانية والديمقراطية، تعمل من خلال تمركز الأشخاص الراقين وفقًا لمفهوم الإنسانية الليبرالية وفهمها للنهضة الأوروبية، بعبارة أخرى، فإن مفهوم العلمانية واللبرالية والحرية والمساواة والديمقراطية لم يكن أبدًا حقًا أو امتيازًا للأشخاص الذين يختارون اتباع فلسفة أو حضارة غير بيضاء، ولم يتم تقديم مفهوم العدالة الطبيعية إلى محاولاتهم الفكرية والتاريخية لإعادة تعريف مفهوم الحضارة والعدالة.

تعتبر هذه الملاحظة التي قدمها وينين بيريرا حاسمة لأنها تعطينا نظرة ثاقبة على الطبيعة الأساسية ولهيكل الدول القومية الأوروبية الحديثة، فبينما كان الإسلام دائمًا ناقدًا لمفهوم الحداثة للحضارة والعدالة، كانت الدول القومية الأوروبية دائمًا مترددة في قبول الفاعلية السياسية والفكرية للإسلام والمسلمين كرواية مضادة للديمقراطية ورافضة لنخبة المثقفين السياسيين للمسلمين.

وبصرف النظر عن الإسلام، تجدر الإشارة إلى أن الدول القومية الأوروبية كانت دائمًا مترددة في قبول أي مساهمات ثقافية وفكرية أخرى، وكانت تقمع بقسوة محاولاتها تأكيد رموزها الطبيعية المتعلقة بالهوية الثقافية والتعبير عن الظلم الذي عانت منه من قبل الرجل الأبيض الأوروبي.

أثناء مناقشة أشكال العنف العنصري التي استمرت لقرون في القارة الأوروبية، لاحظ المؤرخ الأمريكي ماتي بونزل أنه خلال فترة الحروب العالمية وأيضًا في الفترة المعاصرة، كانت الطبيعة الأساسية للحق في الحرية الذي يمارس في أوروبا غير متسامحة تجاه التعبيرات الثقافية الشرقية والأفريقية، وخاصة تجاه اليهود حتى هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وكان المجتمع الأوروبي عنيفًا تجاه المجتمع الإسلامي وتجاه مطالبته بالعدالة، ومنذ ذلك الحين وكذلك بعد هجوم 11 سبتمبر، اكتسبت الحكومات الأوروبية والأمريكية اعترافًا هائلاً بقمع التجمعات والروابط السياسية والاجتماعية الإسلامية وحققت نجاحات في ترويع مشاركة الأكاديميين المسلمين وبدأت محاولات واسعة النطاق لمحو النصوص الإسلامية الروحية ومحو الإسلام الذي ينتج عنها.

ينبغي النظر إلى القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة الفرنسية من هذه الزاوية، وهي، وبشكل واضح، محاولة لمحو الهوية الدينية والثقافية ومحو إسلام المسلمين الفرنسيين، والاستسلام أمام مثل هذه التجربة الشائنة يعني أن مثل هذه التجارب فعالة لقمع الروحانية السياسية وقمع تمكين المسلمين، وستشكل سابقة أمام العالم من شأنها أن تكون وقودًا لتجارب الإسلاموفوبيا في جميع أنحاء العالم.

المصدر: مجلة المجتمع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى