إسقاط الرموز بين الشّعوبيّين والقومجيّين العرب
بقلم أنس الدغيم
بين الشّعوبيّة والقومجيّة
يتمّ تسطيحُ الكثير من المعاني وتمييعُ الكثيرِ من المصطلحات
لتخدمَ الأهواءَ وتنتظمِ في قالبِ الحزبِ والجماعةِ والتيّار
فتُختطَفَ من سياقها الأخلاقيّ وتُسرَقَ من رصيد الأمّة التي هي أولى بها.
هما فريقان
يتنازعانِ فيما بينهما على الرصيد الحقيقيّ للأمّة
ولكنّهما لا يغادرانه بعد هذا النّزاع إلا وقد صار نهبَ كلِّ مفترسٍ وطامعٍ ومستعمر.
فالشّعوبيّون لا يعنيهم من الأمر كلّه أكثرُ من نفيِ كلِّ ما من شأنّه أن يرفعَ عن العرب
الذين كانوا في وقتٍ من الأوقات وعصرٍ من العصور سادةَ الفتوحات وبُناةَ الحضارات ومؤسّسي الدّولِ في الشّرقِ والغرب.
وأمّا عن القومجيّين العرب فهم كذلك قد أضلّوا الطريق وقد أعمتْ القوميّةُ بصائرَهم
فما رأوا في غيرِ العربِ شرفاً ولا منَعةً ولا ريادة
وأنّ كلّ الدويلات التي نشأت وقام عليها قادةٌ من غير العرب إنّما قامت على أنقاضِ دولةٍ عربيّةٍ متصدّعة بعدَ تآمرٍ ومكائد.
وأنّهم كانوا طارئين عابرين، فما أسّسوا لحضارةٍ ولا بنوا دولةً ولا أشرقتْ بهم أرض.
فرأى الشّعوبيّون أنّ أكثر قادةِ الفتوحات ومن تلاهم من مؤسّسي الدويلات الإسلاميّة قد كانوا من غير العرب
كالسّلاجقة والزنكيّين والعثمانيّين والأيوبيّين
ومن روّاد الفكر والعلوم واللغة كسيبوية وابنِ سينا والخوارزميّ
فغالَوا في نزعتهم حتّى نسوا الاعتزازَ بالإسلامِ واعتزّوا بالعصبيّةِ والعِرق
وهذا ما كان من القومجيّين العرب
الذين طعنوا في كلّ النجاحات التي كانت من غير العرب على مستوى السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع وبناء الدول
ووصلّ الأمرُ ببعض المتفيهقين المتنطّعين إلى الطّعن برموز الإسلامِ من فقهاء ومحدِّثين لا لشيءٍ إلّا لأنّهم ليسوا عرباً
فطعنوا في البخاريّ ومسلم وصحيحيهما بكلِّ خسّةٍ وصفاقة
ثمّ طعنوا في صلاحِ الدين الأيوبيّ لأنّه كرديّ
وفي سلاطين بني عثمان الذين فتحوا البلاد لأنّهم من الترك.
فسقطتِ القداسةُ عن أهلها وتلاشتِ الرمزيّةُ والقدوةُ أمام هذه المهاترات التي فتّتْ في عضد الأمّة، وتناسى الفريقان أنّه لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ولا لأبيضَ على أسودَ إلا بالتقوى.
وأنّما قد عزّ هؤلاء عندما عزّوا بالإسلام.
وبدعوى الانتصار للعِرقِ والعصبيّة خسرتِ الأمّةُ أفضلَ ما عندها وهي الوحدةُ الإسلاميّة السّاكنةُ في نفوسِ المسلمين على امتداد العالَم الإسلاميّ وإنّ لم تكنْ واقعاً ملموساً على الأرض.
فما طوى البخاريُّ رضي الله عنه الفيافي والقفار باحثاً عن صحيحِ حديثِ رسولِ الله ليُقال لقد جمعَ الحديثَ رجلٌ غيرُ عربيٍّ من بُخارى.
ولا خاضَ صلاحُ الدين الأيوبيُّ المعاركَ في الشّام ومصرَ ثم في فلسطين ليضيفَ رصيدَ انتصاراته إلى خزانةِ العائلةِ الأيّوبيّة.
ولا فتحَ سلاطينُ بني عثمانَ البلادَ الواسعةَ وسحقوا المدَّ الصّفويَّ ليقولوا قد فتحنا أكثرَ ممّا فتحَ العرب.
ولا فتحَ العربُ بلادَ السّند وما وراءَ النّهرِ وشمالَ إفريقيا والأندلس ليقيموا ممالكَ العرب وإنّما ليقيموا دولةَ الإسلام.
إنّها معركةٌ بين فريقين
المنتصرُ فيها مهزوم
ضحيّتُها هيبةُ الأمّة وعقولُ شبابها.
معركةٌ لا تنفعُ في نهضةٍ ولا تنهضُ بشعب
وإنّما تهدمُ الأواصرَ وتفرّقُ القلوب، ليفرحَ بذلك أعداءُ الأمّةِ في الشّرق والغرب.
(المصدر: ترك برس)