بقلم أحمد بن راشد بن سعيد – صحيفة العرب الألكترونية
قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، وأثناءه وبعده، لم تتوقف جريدة الحياة اللندنية عن الهجوم على الحكومة التركية. كانت هذه الصحيفة معروفة إلى عهد قريب بحرصها على عدم إبراز أيديولوجيتها، وباستقطابها كتّاب رأي ليسوا بالضرورة على قلب رجل واحد، وهو ما أكسبها شيئاً من الصدقيّة. لكن كل ذلك انتهى، وفقدت الصحيفة بريقها بعد أن بدّلت سيرتها الأولى.
لهذا التدهور أسباب، منها أفول الصحافة الورقيّة، وصعود الوسائط الاجتماعية التي أعطت الناس بدائل إخبارية وتحليلية، ومنها الثورات العربيّة التي لم تستطع الجريدة أن تقف منها موقف التعاطف ولا حتى التوازن، فانحازت إلى الاستبداد، وتورّطت في مستنقع الدفاع عن نظام كالنظام الحالي في مصر، سواء في التناول الإخباري، أو في تحليلات الكتّاب الذين تحوّل بعضهم إلى أبواق دعاية للنظام (محمد صلاح مثلاً زعم في مقال نشرته الصحيفة الاثنين 24 أبريل (نيسان) أنّ الفيديو الذي ظهر فيه جنود في سيناء وهم يُعدمون مواطنين مصريين لفّقته جماعة الإخوان. لكن «هيومن رايتس ووتش» هي التي نشرت الفيديو، وطالبت بالتحقيق، فهل أصبحت تلك المنظّمة الحقوقية الأميركية «إخواناً» هي الأخرى)؟
نعود الآن إلى الحملة على تركيا. في البدء، لا بدّ من القول إنّ الصحافة العربية السائدة جزء من منظومة فساد كبيرة في منطقة المشرق لا تزال تجسّد مشروع الإمبريالية الذي قسّم المنطقة، وفرض على انعتاقها واستقلالها حظراً استراتيجياً. تركيا، بقيادتها التي تسعى منذ عقدين، إلى انتهاج خط استقلالي مختلف عن سياق الارتهان للأجندة الغربية، تجاوزت الحظر الإمبريالي، وأصابت مهندسيه بالذعر. كان الانقلاب الفاشل في شهر يوليو الماضي محاولة لإجهاض المشروع التركي، لكن الفشل لا يعني وقف المحاولة.
لم يرُق نجاح الاستفتاء، الذي شهدته تركيا في 16 أبريل/نيسان، لسَدَنة الإمبريالية، فكان لا بدّ أن تنطق بلسانهم «الصحافة» المحليّة التي صنعوها على أعينهم. شنّت «الحياة» حملة، وصفتُها في وسم تصدّر موقع تويتر بالصليبيّة، على تركيا ورئيسها، رجب طيب أردوغان، الذي تنظر إليه الإمبريالية بوصفه خطراً على مصالحها، وقائداً «أصوليّاً» يتعذّر تطويعه أو كبح جماحه.
في يوم واحد، وهو 22 أبريل (نيسان)، هاجم 4 من كتّاب الصحيفة نتائج الاستفتاء، فيما بدا أنّه حملة منسّقة. كان عنوان مقال أحدهم، وهو جهاد الخازن، «أردوغان يلعب بمصير تركيا»، زعم فيه أنّ أساليب أردوغان «تتجاوز القانون»، وأنّه حصر السلطات في يده «حتى لم يبق شيء من مظاهر الديموقراطية». حازم صاغية هاجم بشدّة الرئيس التركي زاعماً أنه أصبح رئيساً «لا ضوابط داخليّة أو خارجيّة على قوّته»، ولا همّ له سوى أن «يتربّع فوق جماهير» يريد «تحويلها أصفاراً»، أو «ماشية»، بل إنّه يلوّح «باسترجاع حكم الموت» (يقصد «الإعدام» الذي فيه حياة، كما يخبرنا القرآن، لكن «الحياة» لا تعرف الحياة). كاتب آخر اسمه مصطفى زين، انتقد زيارة أردوغان ضريح الصحابي أبي أيوب الأنصاري (وضع الكاتب لقب «الصحابي» بين مزدوجين سخرية وإنكاراً)! كما لمز أكثر من نصف الشعب التركي الذي صوّت بـ «نعم» للاستفتاء من خلال وصفهم بـ «العوام» الذين تغريهم انتصارات محمد الفاتح الذي «قهر القسطنطينية» (لم يقل فتَحَها)، و»هجّر» الروم إلى أوروبا! كما اتهم الكاتب أردوغان بالمشاركة في «إشعال الحروب في سوريا والعراق». سليم نصّار، من فريق «الحياة» أيضاً، سخر من أردوغان الذي كان يبيع الكعك ذات يوم، ثم أصبح توّاقاً إلى إحياء أمجاد «محمد الثاني» (لم يسمّه الفاتح) الذي «حاصر القسطنطينية» (لم يقل فتَحَها)، ويتمنّى لو اعتمر عمامة السلطان سليم، بحسب تعبيره. قبل هذه الحملة بيومين 20 أنيسان (أبريل) وصف محمد علي فرحات في الصحيفة نفسها الاستفتاء بالانقلاب، زاعماً أنّ أردوغان أصبح «المرشد الأعلى» في تركيا الذي سيجدّد جماعة الإخوان المسلمين، أو سيعيد تأسيسها.
هذه الحملة القذرة لن ترقى حتى إلى رمي حجر في مضيق البوسفور أو بحر مرمرة. إنّها تركيا التي تصنع الحياة حقّاً لنفسها وللمنطقة، أما جريدة «الحياة»، فلا تمثّل سوى مشروع الانهيار والموت.