إخراج الزكاة قبل حلول وقتها بسبب (كورونا)
بقلم د. أكرم حساب
يعيش الناس الآن في ظلّ (كورونا) أزمة حقيقة، وبخاصة بعد أن عكف الكثير منهم في العديد من البلدان في بيوتهم، وقد أدى ذلك إلى زيادة عدد المحتاجين، وزيادة فقر الفقراء، وتساءل الكثير عن حكم تعجيل الزكاة، وسأبينه على هذا النحو:
1. معنى التعجيل: ويقصد بالتعجيل إخراج الزكاة قبل حولان الحول، وقد يكون التعجيل:
أ. شهريا: كأن يقدم زكاة ماله شهرا أو عدة أشهر، وصورته: أن يكون حوله في رمضان فيخرجها في شعبان أو رجب، أو صفر.
ب. سنويا: وهو أن يقدم زكاته عاما أو أكثر، فيخرج عن عامه الذي هو فيه، أو أكثر.
2. الاتفاق على بلوغ النصاب: وقد اتفق الفقهاء على أن بلوغ النصاب قبل التعجيل بالزكاة شرط لا بد منه، جاء في الموسوعة الفقهية: واشترطوا لجواز ذلك أن يكون النصاب موجودا، فلا يجوز تعجيل الزكاة قبل وجود النصاب، بغير خلاف، وذلك لأن النصاب سبب وجوب الزكاة، والحول شرطها…[1].
3. اختلاف الفقهاء في تعجيل الزكاة وسببه: اختلف الفقهاء في تعجيل الزكاة، ويرجع السبب في ذلك إلى:
أ. اعتبار الزمان في أمر الزكاة، وأنه سبب لإيجاب خروجها، فمن اعتبره سببا منع من التعجيل كما يمنع من صلاة الفريضة قبل دخول وقتها، وكما يمنع من صوم رمضان قبل رؤية هلاله.
ب. إعمال بعض النصوص في المسألة دون البعض. وسأبينه إن شاء الله.
4. أقوال الفقهاء في تعجيل الزكاة: هناك قولان أساسان في المسألة:
أ. المنع إلا بيسير وقت: وبه قال مالك، يقول القرافي: لا ينبغي إخراج زكاة عين ولا ماشية قبل الحول إلا بيسير، فإن عجل زكاة ماشيته لعامين لم يجزه…[2]. واستدلوا بأدلة أهمها:
• ما رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ عِنْدَ رَبِّهِ [3].
• ما رواه أحمد عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ [4].
• اعتبروا التقديم فعل شيء قبل وجود وقته وهذا غير جائز، قال اللخمي: قال مالك (فيمن قدم الزكاة): أرأيت الذي يصلي الظهر قبل الزوال، والصبح قبل الفجر، أليس يعيد؟ وهذا مثله [5].
ب. الجواز: وهو قول الجمهور يقول ابن تيمية: وأما تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سبب الوجوب فيجوز عند جمهور العلماء؛ كأبي حنيفة والشافعي وأحمد… [6]. واستدلوا بأدلة منها:
• ما رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا[7]”.
• ما رواه أحمد عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِك [8].
5. مدة التعجيل: وأما مدة التعجيل فقد اختلفوا فيها، وبيانها كالتالي:
أ. أعوام متعددة: وهو قول الحنفية، حيث توسعوا فقالوا: إن كان مالكا لنصاب واحد جاز أن يعجل زكاة نُصب كثيرة لأن اللاحق تابع للحاصل.
ب. عامين: وبه قال الحنابلة أخذا بحديث العباس رضي الله عنه.
ت. عام واحد: وهو ما ذهب الشافعية: إلى عدم جواز تعجيل الزكاة لأكثر من عام، وذلك: لأن زكاة غير العام الأول لم ينعقد حولها.
ث. شهر واحد: وهو ما ذهب المالكية الذين منعوا التعجيل لكنهم تسامحوا عن شهر[9].
6. الراجح: والذي أراه راجحا هو جواز تعجيل الزكاة ولعدد من السنين، وذلك لأسباب التالية:
أ. ورود نص في المسألة، وقد تقدم حديث العباس عند البخاري ومسلم، ورواية عند أحمد.
ب. ما جاء عن ابن عمر، هو حديث موقوف، ثم إنه لم يمنع من التعجيل، وإنما يشترط الحول، وهذا الإطلاق قيده ما جاء في قصة العباس: (سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِك).
ت. أن الوقت معتبر فيما هو سبب له، كما في الصلاة والصوم، ويعفى عنه فيما كان شرطا كما في الزكاة. جاء في الموسوعة الفقهية: ولا يقدم الواجب قبل سببه، ويجوز تقديمه قبل شرطه، كإخراج كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح وقبل الزهوق [10].
ث. إذا جاز التقديم لعامين؛ فما المانع من جوازه لأعوام كما قال الأحناف، وخصوصا إذا دعت الحاجة.
7. تعجيل الزكاة في زمان (كورونا):
ومما تقدم فإنه يجوز لذوي الأموال أن يعجلوا زكاتهم لعام وعامين وثلاثة، أما عامين فبه جاء النص كما في قصة العباس، وأما أكثر فلأننا نعيش أزمة وجائحة تعطلت معها كثير من المصالح، وأغلق العديد من الشركات والمصانع، وزاد فقر الناس وحاجتهم إلى المال، بل من ذوي الثراء من أضيروا ضررا بالغا في حياتهم. وهذه صورة من صور الإيثار التي قال الله عنها: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]. كما أنها صورة من صور المنافسة في الخيرات قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران: 133، 134]
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على هذا وبخاصة وقت الحاجة، روى البخاري في الأدب المفرد أن ابْنَ الزُّبَيْرِ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ [11]».
______________
[1] الموسوعة الفقهية الكويتية (23/ 294).
[2] الذخيرة للقرافي (3/ 137).
[3] رواه الترمذي في أبواب الزكاة (632) وقال الألباني: صحيح الإسناد.
[4] رواه أحمد (1265) وقال محققو المسند: حديث صحيح.
[5] التبصرة للخمي (3/ 942).
[6] مجموع الفتاوى (25/ 86).
[7] رواه البخاري في الزكاة (1468) ومسلم في الزكاة (983).
[8] رواه أحمد (821) وقال محققو المسند: إسناده صحيح.
[9] الموسوعة الفقهية الكويتية (12/ 226).
[10] الموسوعة الفقهية الكويتية (23/ 294).
[11] رواه البخاري في الأدب المفرد (112) وصححه الألباني في الأدب المفرد (2562).
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)