إحياء الجامعة الإسلامية من كوالالمبور!
بقلم عزة مختار
هل يمكن أن تكون قمة كوالالمبور، بداية لإحياء فكرة الجامعة الإسلامية؟!
لقد دعا مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي إلى هذه القمة الإسلامية المصغرة في مدينة كوالالمبور، من ماليزيا، وتركيا، واندونسيا، وباكستان، وقطر التي تمثل الدولة العربية الوحيدة في التحالف الإسلامي الوليد، تشمل الفعاليات تنظيم شراكة سياسية في المقام الأول وتكوين ما يشبه الحلف الذي يتبني قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ثم شراكة اقتصادية تعضد من شأن تلك الدولة وتمثل مواجهة اقتصادية في وجه العالم الذي سبق بإنشاء التحالفات لمثل تلك الأغراض.
فهل تستطيع دولة أو مجموعة من الدول الإسلامية ولو بالتشارك، أن تعيد إحياء فكرة الجامعة الإسلامية التي بدأ بها المفكر جمال الدين الأفغاني.
ظهر الشيخ جمال الدين الأفغاني 1838 م – 1897 م وهو أول من دعا لإنشاء الجامعة الإسلامية في فترة اتسمت باجتياح استعماري لدولة الخلافة التي وهنت وأخذ بنيانها الضخم في التآكل حين استولت دول الاستعمار الغربي على أجزاء كبيرة منها وعجزت الدولة الأم في الدفاع عن أطرافها، بنيت دعوة الشيخ الأفغاني لإصلاح العالم الإسلامي على عدة محاور كان منها
فقد سعى سعياً جاداً بكل الوسائل لتوحيد الأمة الاسلامية، وتحقيق الجامعة الاسلامية على أساس الفكر الاسلامي الشامل. وخلاصة فكر جمال الدين حول الوحدة الإسلامية تقوم على الأسس القرآنية باستخدام وسائل متعددة منها هذه الفكرة التي عرضها علي السلطان عبد الحميد الثاني ، ومؤكداً على أن هذا البعث لا يتحقق إلا بقوله في كتاب الأعمال الكاملة للأفغاني بالجزء الثاني ص 67: (( بقلع ما رسخ في عقول العوام ومعظم الخواص من فهم بعض العقائد الدينية والنصوص الشرعية على غير وجهها ، مثل حملهم نصوص القضاء والقدر على معنى يوجب عليهم أن لا يتحركوا إلى طلب مجد أو تخلص من ذل ، ومثل فهمهم لبعض الأحاديث الشريفة الدالة على فساد آخر الزمان وقرب نهايته، فهماً يثبط هممهم عن السعي وراء الإصلاح والنجاح، مما لا عهد للسلف الصالح به )) ، وليس كالتعليم خاصة الجامعي يمكن أن يحرر فكر الإنسان ، ويوحد منهجية التفكير عبر تدريس مناهج موحدة بفكر متطور يوازي التطورات الحادثة في وضع الأمة التي تئن تحت نير الاستبداد ، منهج يعتمد على أصالة الفكر الإسلامي ، ينبع من قراءة القوانين الكونية والربانية التي حددها الله في كتابه المقروء ( القرآن الكريم ) ، وكتابه المنظور ( الكون والتاريخ )
ولم تتوقف دعوة الأفغاني لإنشاء الجامعة الإسلامية على المسلمين السنة وحدهم، وإنما نادى بالجمع بين السنة والشيعة في إطار وحدة إسلامية جامعة عبر تربية جيل أو أجيال متعاقبة تتلقى مفاهيمها من خلال تلك الجامعة كوسيلة مبدئية لتوحيد العالم الإسلامي ولملمته من جديد
انتهت مرحلة الاستعمار الغربي التي نشأت فيها الفكرة ، وخرج الاستعمار ولو ظاهريا من البلاد العربية والإسلامية باستثناء فلسطين التي تمثل القضية المعقدة والتحدي الأكبر للأمة ، ليخلف وراءه حكاما يضمن بهم استمرار حق الانتفاع الاقتصادي والولاء السياسي لها ، وأنظمة هي وبال على الشعوب العربية التي استطاعت بعد عشرات سنوات من التحرر من الغرب أن تنتفض للخلاص من تلك الأنظمة والتي رغم تعثر الخطوات وعدم اكتمال التجربة إلا أن النار لم تنطفئ بعد ، والغضب ما زالت جذوته مشتعلة تحت القبضة الأمنية الشرسة في معظم الأقطار العربية ، وخلف كذلك انقسام جغرافي وسياسي لم تشهده بلاد الإسلام من قبل ، بل وتركت بذور الخلاف التي يمكن أن تعيد تقسيم ما تم تقسيمه ليضمن استمرار المزيد من الشقاق
وبنظرة حيادية على الجامعات العربية والإسلامية ، نجد أن هناك بعض الجامعات التي غطت قدرا كبيرا من فكرة الجامعة الإسلامية، مثل الأزهر الذي تحول لجامعة ، وجامعة الزيتونة في تونس ، وبالرغم من أن تلك الجامعات عملت على الحفاظ علي الإسلام السني لفترات طويلة من الزمن تمتد للمئات ، وما زالت جامعة الأزهر تحتفظ بعوامل جذب لكل طلاب الشريعة من المسلمين حول العالم خاصة منطقة شرق ووسط آسيا كماليزيا وإندونيسيا والهند وكذلك الصين ، ومثل حاضنة للإسلام الوسطي مع تدريسه لكل المذاهب بما فيها المذهب الشيعي ، إلا أن تعاطي النظام المصري الحالي مع التعليم الديني، ومحاولة تطويع مؤسسة الأزهر ومطاردة الأساتذة والعلماء المنتمين للحركة الإسلامية التي تحمل أيديولوجية معينة ، وتجفيف منابع الابتكار والفكر والتجديد الفقهي ، وعدم الاهتمام بالقرآن الكريم كأساس لقبول الطالب به ، نزع عنه صفة العالمية الإسلامية ، واضطر الكثير من طلابه المصريين وغيرهم للهروب منه نجاة بأنفسهم من سيطرة السلطات الأمنية على إدارته .
لتفتقر الأمة الإسلامية اليوم لأي جامعة مستقلة مهتمة بالفكر الإسلامي، وليكون أملنا كبيرا في قمة كوالالمبور المصغرة، أن تكون نقطة البداية في اتجاه إحياء فكرة الجامعة الإسلامية.
(المصدر: الجزيرة مباشر)