إحكام النظام في أحكام الصيام
نظم لفضيلة د. أحمد بن حسن المعلَّم ( عضو رابطة علماء المسلمين )
مقدمة الناظم:
1- بحمدِ الذي رفعَ الحامدين *** وأجزلَ للشاكرين النِّعمْ
2- سنبدأُ سائرَ أقوالنا *** وبالحمدِ أقوالَنا نختتمْ
3- فحمداً جزيلاً على كل حال *** لمولى الجزيلِ وباري النَّسَمْ
4- وبعد فهذا نظامٌ بديع *** تناسق كالجوهر المنتَظِمْ
5- تضمّن تلخيصَ بابِ الصيامِ *** وأوجزَ أحكامَه والحِكمْ
6- وقرّب ما يقتضيه الدليلُ *** لسائرِ طلابهِ فانسَجَمْ
7- على مذهب السالفين الكرامِ *** ونِعمَ المعوَّل والمعتصَمْ
8- فليس لنا دونه مذهبٌ *** ولسنا إلى غيره نحتكمْ
9- ولكننا نتبع البيناتِ *** ونقفو الأدلةَ في كل يم
10- ولولا تضايُق بحر القصيد *** وخشية بسطٍ يجر السَّأَم
11- لسقتُ الأدلةَ مثل الشموس *** تزيل عن السائرين القَتم
فضل رمضان وفضل الصوم:
12- فكم قد روى فضله من ثقات *** وكم فيه من خبر قد عُلم
13- فقد فضل الله أيامه *** على سائر الدهر منذ القدم
14- ففيها يُكفَّرُ ذنبُ العباد *** وتعظم للعاملين القِسم
15- وفيها يفتَّح بابُ الجنان *** ليدخلَ من رامها واعتزَم
16- وفيها يُغلَّق باب الجحيم *** ويُعتق فيها الذي قد رُحم
17- وفيها الشياطينُ مغلولةً *** فلا يصِلون لكيد الأُمم
18- فيخلو بذاك طريقُ الهدى *** ويغدو بأربابه مُزدحِم
19- وفيها ينادي منادي الفلاح *** أيا باغي الخير حيّا هلُم
20- ويا باغي الشر أقصِر فما *** لشرّك في شهرنا من قَدم
21- وقد أنزل الله قرآنه *** بشهر الصيام ليجلو الظُّلم
22- لذلك جبريلُ جاء الرسولَ *** يدارسه فيه حتى ختم
23- وللصوم فضل عظيم وما *** درى قدْرَه غيرُ باري النَّسَم
24- وقد ضاعف الله أعمالنا *** وقال: الصيام لنا والتزَم
25- تعالى بأن يجزي الصائمين *** بغيرِ حسابٍ فيا للكرَم
26- وللصائمين هنا فرحةٌ *** إذا حان فطرهمُ وانتظم
27- وأخرى إذا همُ لاقوا الإله *** ووفاهمُ وعده الملتزَم
28- وفاح الخلُوف كمسك شذيٍّ *** وأشرع ريانُهم وازدحم
29- وقيل ادخلوه فلا تظمئون ***فقد فات وقت الظما وانصرَم
30- هنيئاً بما كان أسلفتمُ *** من الجوع والعطش المحتدِم
حِكَمُ الصيامِ وأسرارُه:
31- وللصوم معْ فضله حكمةٌ *** وسرٌّ بدا بعضه واكتَتَم
32- فمِن سِرِّه أنه مدخلٌ *** لتقوى الإله عظيم النِّقم
33- ومن سِرّه تركُ محبوبنا *** لمحبوب خالقنا ذي النعم
34- فتسموا بذاك نفوسُ الورى *** وكم مَن به عن هواه انفَطَم
35- ومنه التخلي لذكرِ الإلهِ *** إذا ما خلا البطنُ ثم استَجَم
36- ومنه تنبُّهُ أهلِ الغنى *** إلى الجائعين وأهلِ العدم
37- فتسمحُ بالصدقاتِ النفوسُ *** وتسمو إلى الصالحاتِ الهمم
38- ومن ذاك كسرُ جماحِ النفوسِ *** بأغلال تجويعها واللُّجَم
39- وتعليمها الصبرَ والانضباطَ *** وتخليصها من رديء الشِّيَم
40- ومنها الشفاءُ لأسق،امنا *** إذا ما كُفينا شرور التُّخَم
وجوب الصوم:
41- وليس بخافٍ على المسلمين *** بسائر أعرابهم والعجم
42- سموُّ منازلِ ركن الصيام *** من الدين حتى غدا كالعلَم
43- وعدّوه رابعَ أركانه *** بذلك يدري الفتى والهَرِم
44- فمُنكِرُهُ كافرٌ باتفاق *** يصير إلى حلّ مال ودم
45- وتاركه كسلاً بالفسوق *** يُسمّى وفي دينه يُتّهم
46- وبشّره بالويلِ يوم المعادِ *** إذا جمع اللهُ كل الأمم
بِمَ يثبتُ الشهر؟:
47- وتثبتُ أحكامُ شهر الصيام *** برؤيا الهلال قبيل الظُلَم
48- ويكفي لإثباته مسلمٌ *** ولو واحدٌ حيث لا يُتّهم
49- سوا ذكرٌ كان أو عكسه *** وحرٌ وعبدٌ إذا ما احتلم
50- وإلا فإتمام ما قبله *** ثلاثين يوماً فلا تنخرِم
51- ولا تسبقَنْه بصومٍ وإن *** يَحُل دونَهُ سُحبٌ أو قَتَم
52- ومن صام في يوم شكٍّ فقد *** عصى ولغا صومه وأثِم
من يجب عليهم الصوم:
53- وفرضٌ على مسلم عاقل *** مقيمٍ بلا مانعٍ محتلِم
54- يطيقُ أدا الصومِ في وقته *** بأمر شريعتنا المنحتِم
55- فلا توجبوه على كافر *** فليس بأهلٍ لهذا الكرم
56- كذا فاقدِ العقلِ لا واجبٌ *** عليه ويُرفعُ عنه القلم
57- فيفطر من جُنّ أومَن غدا *** بلا عقلَ من مرضٍ أو هرَم
58- كذلك من طال إغماؤُه *** إذا زال إدراكُه وانعدم
59- وأطفالنا إن أطاقوا الصيامَ *** يصومون قبلَ بلوغ الحُلُم
60- وذلك من أجل تعويدِهم *** عليه وليس بفرضٍ حُتِم
61- وما من قضاءٍ على هؤلاءِ *** لأن تكاليفَهم لم تَتِم
62- ولكنّ من عاد إدراكُه *** بيومِ الصيامِ له فليصُم
63- ويقضي لِمَا فات من يومه *** ويُمسكُ ثم القضا ينحتِم
64- وذوالكفر يُسلم وسطَ النهارِ *** فذلك يُشبهُ أهل السقَم
65- ومن لم يطلْ وقتُ إغمائه *** ويُشبههُ الطفلُ إن يحتلم
66- فإن كان في ليلهِ قد نوى *** وأمسك في يومه وانفطَم
67- فقد تمَّ ما كان من صومه *** وذلك من فضلِ مولِي النِّعم
68- وذاتُ المحيضِ وذات النفاس *** فصومُهما باطلٌ قد حَرُم
69- وأما المسافرُ فلينظرِ ال *** مُيسّر فليُفْطِرَنْ أو يصم
70- ولا تنكرنّ على مُفطرٍ *** ولا صائم قادرٍ لم يُضم
71- وأما المريضُ فإن لم يَشق *** عليه فلا رخصة تعتزم
72- وإنْ شقّ من غير إضرارِهِ *** فخيِّره وليخترِ المنسجِم
73- وأما إذا ما أضرّ الصيامُ *** به فهنا فطرُه قد لزِم
74- وأهل الزمانةِ والبالغون *** من العمر غايتهِ والهرَم
75- إذا لم يُطيقوا أداءَ الصيام *** فكفارةٌ عنهم تُلتزَم
76- فيطعم عن كل يوم فقيراً *** فإن شاء قسّمهُ بينهم
77- وإن شاء فليدعُ تَعدادَ ما *** عليه ويُشبِعُهم كلّهم
78- ولا تُطعِمَنّ غنياً بها *** فلا تجزِ في غير ما قد رُسم
79- ومن شقّ حملٌ بها أو رضاع *** على النفس والولدِ المحترَم
80- فتفطر واختلفوا في الذي *** عليها من الحقّ منذ القِدَم
81- فأكثرُهم أمروا بالقضاءِ *** على أي حالٍ وفي كل يَم
82- وقال ابنُ عباس وابن الذي *** يفرِّق بين الضيا والظُلم
83- هما يُطعمان ولا يقضيانِ *** وقاساهُما بالعجوز الهرِم
84- وقيل سوى ذينِ لكنه *** ضعيفُ الدليلِ فلا يُلتزَم
النية في الصوم:
85- ولابدَّ للصوم من عُنصرين *** إذا زال بعضُهما ينهدِم
86- هما نية من قُبَيل الصَّباح *** لواجبِ صومٍ عليه انحتَم
87- ومن لم يكن قد نواه بليلٍ *** فلا صومَ يُجدي هنا أو يتم
88- ويجزيء في النفل أن ينوِه *** نهاراً إذا لم يكن قد طَعِم
المفطرات:
89- وثانيهما هو إمساكُه *** عن المُفطِرات كما قد عُلم
90- وعدتها ستة فاعلموا *** هي الأكلُ والشرب ثم يُضم
91- إليها الذي فيه معناهما *** كحقن غذاءٍ وإعطاءِ دم
92- وأما الذي ليس من جنسِ ذا *** كحقن الدواءِ فلا ينخرم
93- به الصومُ نحو علاج الجروح*أوالدهن في الرأس أوفي القَدم
94- وقطرةِ أذنٍ وقطرةِ عينِ *** وكحلٍ لزينةٍ أو لسقم
95- وإن بلغ الحلقَ من طعمه *** إذا لم يصله بأنفٍ وفم
96- فلا شيءَ في كلِ ذا فاعلموا *** وضُجُّوا بشكر مُعيد النعم
97- ومما يفطِّر فعلُ الجماع *** وإنزالُ مني بفعل كشَم
98- وتقبيلُ أو لمسُ أو نحوه *** ولا شيء فيما أتى بالحلُم
99- كذا الفكرُ أو نظرةُ كل ذا *** ولا فطر بالمذي فليفتَهم
100- ومنها تقيُّؤه عامداً *** ولو لغثاالنفسِ أو للسقم
101- وإن ذرع القيءُ أصحابَه *** فلا شيءَ فيه فخذ ما رُقم
102- وسادسُها حيضها والنفاس *** وذلك أمر لكل عُلم
بعض مسائل الصوم المتعلقة بالحيض والنفاس:
103- وتفطر لو لِبَقا لحظةٍ *** من اليوم من قبل أن يُختتم
104- كذا إن تأخرّ من طُهرها *** إلى مطلع الفجر فلتلتزم
105- قضاذلك اليوم أما التي *** تطهَّر في أُخريات الظلم
106- ولو أخرت غسلها للصباحِ *** فقد زالَ مانعُها فلتصُم
107- كذا جنبٌ أخَّر الاغتسالَ *** إلى الصبحِ مع أنه معتزِم
108- على الصوم يُقبل منه الصيام *** لأنّ الرسولَ بهذا حكم
109- ومن طهُرت من دماءِ النفاس *** وعدتُّها بعد لم تَستَتِم
110- فإن عليها أداءَ الصلاة *** كذاك الصيامِ وأن تلتزم
111- بكل الذي يلزم الطاهراتِ *** فحكمُ النفاسِ هنا لم يدُم
شروط المفطرات بعد فروعها:
112- وغيرُ المحيض وغير النفاس *** من المفطرات فلا ينثلم
113- بها الصومُ إلا إذا أكملت *** ثلاثَ شروط بهن تتم
114- هي العلم والذكر والاختيار *** بهذا أدلتنا تلتئم
115- فمن كان يحسب أن النهار *** لم يأتِ ثم بشيء ألَم
116- ومن كان يحسب أن المساء *** أقبلَ من شرقه وادْلَهَم
117- فأفطرَ ثم بدا أنه *** بما ظنَّه مخطئُ قد وهِم
118- ومن كان يجهلُ بعض الذي *** مضى ثم قارفه ما علِم
119- فليس عليه قضاءٌ ولا *** يعاقَب فيما أتى أو يُذم
120- كذاك مقارفها ناسياً *** ولو بالجماع فلا ينثلم
121- عليه الصيامُ كذلك من *** أتى مكرَهاً بعضَ هذي الحُرم
122- فلا شيء لكنّ من شرطه *** لذلك إلجاؤه فافتهم
الأحكام المترتبة على من باشر مفطراً من المفطرات:
123- وفي كل ما مرّ من مفطرات *** قضاءٌ بمقداره يُلتزَم
124- ويأثمُ إنْ كان من دون عذر *** وإن كان في رخصةٍ لم يُلَم
125- وزيد لمفسده بالجماع *** كفارةٌ تجبر المنهدم
126- هي العتق إن كان ثم صيام ***شهرين من غير أن ينخرم
127- فإن لم يطقه فإطعامه *** لستين ذي حاجة أو عدم
128- ويقضي المريضُ وذاتُ المحيض***وذات النفاس ومن لم يقم
129- بتعداد ما كان قد أفطروه *** بأي زمان يسوغ لهم
130- شريطة ألا يحول الصيام *** عليه فيأثم فيمن أُثم
131- وليس التتابع من شرطه *** وليس عليه دليل يتم
132- ولا صوم نفلٍ لمن لم يكن *** قضى ما عليه من المنحتِم
حكم من زال عذره أثناء النهار في رمضان:
133- ومن زال موجبُ إفطاره *** أو العذر ممن مضى حكمهم
134- وذلك أثناء يوم الصيامِ *** كطُهر وبُرء وسارٍ قَدِم
135- فقيل يصومون ما أدركوه *** وقيل يظلون في فطرهم
136- ولكن يُسرون لا يجهرون *** لكي يتقون سِهام التهم
137- ومن أفطروا دون عذر صحيح *** فإمساكهم واجبٌ منحتم
138- فإنّ المعاصيَ لا تُستباح *** بها حرمةُ الشهر أو تُخترم
المباحات في الصوم وما يعفى عنه:
139- ونهيُ الرسول عن الاحتجام *** صح لنا نسخُه فاحتجَم
140- كذا الفصُد أيضاً وأخذُ الدماء *** مباحٌ إذا ربّه لم يُضم
141- ولا ضير يلحقه بالرُّعاف *** كما يتوهّمه من وهِم
142- ورُخّص للزوج تقبيله *** لزوجتهِ معَ لمس وضَم
143- إذا هو آنس من نفسه *** ضمانَ التباعد عما حرم
144- وضبط النفوس فلا يُنْزلان *** فيفسدُ صومهما إن يحم
145- وخير لمن خاف مما مضى *** لزوم السلامة فليعتصم
146- ولا ضير في الطيب حتى البخور***ولا تنشقنّ دخاناً ضُرِم
147- لما قد يصاحبه من جسوم *** تطاير من حرقه كالحمم
148- فتبلغ للجوف من أنفه *** بمحض اختيارٍ وفعلٍ وشمْ
149- وما دخل الجوفَ من أنفه *** فذاك بتفطيره قد حُكِم
150- وأما الدخان المضرّ الخبيثُ *** فشاربه مفطر قد أثم
151- ولا ضير في البرد والاغتسال*** ومضمضةٍ وكذا إن طعم
152- طعاماً ومجّ مع الاحتراس *** أن يصل الجوف أو يلتقم
153- كذا ما تسرّب لا باختيار *** كمثل الغبار إذا ما اقتحم
154- ومثل غبار نخال الدقيق *** ومثل الذباب إذا ما هجم
سنن الصوم وآدابه:
155- وسُنّ لمن صام أكلُ السحور *** وتأخيرُه معْ بقاء الظّلَم
156- إلى صادق الفجر لا بعده *** كما أمرَ الله فيما حكم
157- وبادر بفطرِك عند الغروب *** فإن التأخر عنه يُذَم
158- فأفطر على رُطَبٍ إن وجدت*** وإلا على التمرِ أو كنت لم
159- تجده فماءٌ وقلْ عندهُ *** بما قال قبلَك خيرُ الأمم
160- وما صحّ فيما علمتُ سوى *** حديث ذهابِ الظما فالتزم
161- وسُنّ له كسواه السواكُ *** بسائر آنائه فاغتنم
162- وسُنّ له تركُ هجرِ الكلام *** وقولُ أنا صائمٌ إن شُتِم
163- ولا يرفثنّ ولا يصخبنّ *** ولا يجهلنّ ولا ينتقم
164- ومن لم يدع خلقَ الجاهلين *** وزورَ الفعال وزورَ الكَلِمْ
165- فلا خير في تركه الطيبات *** وإرساله النفس فيما يُذَم
166- وادْعُ فللصائم دعوةٌ *** تجاب ويعطى بها ما قُسِم
167- وليست تخصّ بوقت الفطور*** وما جاء في ذاك لم يستقم
168- وأكثر من الذكر واتل الكتاب *** وأكثر تلاوتهُ ثم قم
169- فمن قامه مؤمناً طالباً *** لنيلل الثواب ونيل الكرم
170- يكفّر سالف آثامه *** فجدّ لتكفيرها واعتزم
171- وفي العشر ضاعف من الصالحات***وشمّر لإحيائها والتزم
172- وفيها يسنّ لنا الاعتكاف *** لتخلوَ من كلّ شغل وهم
173- فقد كان ذلك دأب الرسول *** وشأن الخيار وأهل الهمم
174- ففيها الجوائز للعاملين *** وفيها تُنالُ وتعطى القسم
175- كذا ليلةُ القدر في وترها *** فجدّ لتدركها واستدم
176- فإن حزتها نلت فيها المنى *** وأدركت غاية ما يغتنم
177- ونسألُ ذا العرش سبحانه *** مجيب الدعاء ومولي الكرم
178- قبولاً لسائر أعمالنا *** وغفر كبائرنا واللمم
179- وأحمده حيث تمّ المراد *** ولولا هدايته لم يتم
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)