
إتحاف المسلمين الألباب بأهمّ العبر من غ زوة الأحزاب!
بقلم أ.د. محمّد حافظ الشريدة( خاص بالمنتدى)
إليكم أيّها الأحباب أهمّ العبر المستفادة من غزوة الأحزاب:
أوّلًا: أهمّيّة الشّوری فقد استشار النّبيّ ﷺ صحابته الكرام في كيفّية مواجهة جيش الأحزاب العرمرم فقال له سلمان الفارسيّ رضي اللّه عنه: يا نبيّ اللّه إنّا كنّا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فاستحسن هذا الاقتراح وأمر بحفر الخندق.
ثانيًا: همّة الصّحابة العالية والطّاعة المطلقة لخير البريّة ﷺ فحفروا الخندق في أقلّ من أسبوع بالرّغم من البرد والجوع وكان لمشاركة الرّسول القائد ﷺ أكبر الأثر في رفع معنويات المؤمنين وتحقيق هذا الإنجاز العظيم الذي منع الأحزاب من اقتحام المدينة والقضاء علی المسلمين.
ثالثًا: ملّة الكفر واحدة فقد وقف عبدة الأصنام مع كفرة أهل الكتاب بالرّغم من اختلافاتهم صفّا واحدًا لمحاربة الإسلام والمسلمين.
رابعًا: لقد تكفّل ربّ العالمين بحفظ هذا الدّين وعدم القضاء علی المؤمنين قال اللّه تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ وقال النّبيّ ﷺ: {بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ}
خامسًا: التّفاؤل والأمل بفرج اللّه عزّ وجلّ ففي أصعب الظّروف وأشدّ المواقف كان الصّادق الأمين ﷺ يربّي أتباعه الغرّ الميامين على الثّقة واليقين بوعد أحكم الحاكمبن وعدم الاستكانة للمشركين والمغضوب عليهم والضّالّين قال البراء بن عازب رضي اللّه عنه: لمّا كانَ حينَ أمرَنا رسولُ اللّهِ ﷺ بحَفْرِ الخَنْدَقِ عَرَضَتْ لنا في بعضِ الخَنْدَقِ صخرةٌ لا نأخذُ فيها المَعَاوِلَ فاشتَكَيْنا ذلك إلى النّبيِّ ﷺ فجاء فأخَذ المِعْوَلَ فَقال: {بسمِ اللّهِ فضرَب ضربةً فكسر ثُلُثَها وقال: اللّهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ الشّامِ واللّهِ إنّي لَأُبْصِرُ قصورَها الحُمْرَ السّاعةَ ثمّ ضَرب الثّانيةَ فقَطع الثّلُثَ الآخَرَ فَقال: اللّهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مفاتيحَ فارسٍ واللّهِ إنّي لَأُبْصِرُ قصرَ المدائنِ أبيضَ ثمّ ضَرب الثّالثةَ وقال: بسمِ اللّهِ فقَطع بَقِيَّةَ الحَجَرِ فَقال: اللّهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ اليَمَنِ واللّهِ إنّيّ لَأُبْصِرُ أبوابَ صنعاءَ مِن مكاني هذا السّاعةَ}.
سادسًا: الشّدائد والكروب لا تزيد الصّالحين إلا إيمانًا ويقينًا بموعود علّام الغيوب بخلاف الذين في قلوبهم مرض فقد انقسم النّاس في غزوة الخندق إلى فريقين: فريق المؤمنين بنصر أحكم الحاكمين القائل في الذّكر الحكيم: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ وفريق المنافقين الذين أزاغ اللّه قلوبهم فجزعوا حينما رأوا جموع الكافرين قال تعالی في كتابه المبين: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} وقال الجبناء: “كان محمّد ﷺ يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط” وقد تنصّل هؤلاء الأوغاد من ساحة الجهاد وفضحهم ربّ العباد بقوله: ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾.
سابعًا: أهمّيّة إعداد العدّة والأخذ بالأسباب والتّوكّل قبل ذلك وبعد ذلك علی العزيز الوهّاب فحفر الخندق يدخل في مفهوم القوّة المادّيّة استجابة لربّ البريّة القائل: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾.
ثامنًا: المعجزات والكرامات التي أجراها فاطر الأرض والسّموات على يد أفضل المخلوقات ﷺ خاصّة في هذه الغزوة سواء أثناء حفر الخندق أو تكثير طعام جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما أو الرّيح العاتية التي أرسلها اللّه علی المهاجمين تأييدًا لنبيّه الأمين وعباده الصّالحين!.
تاسعًا: الانتصار في ساحات القتال ليس في كثرة العدد وقوّة العتاد فحسب إنّما هو بالإيمان والصّبر والتّقوی والرّوح المعنويّة لدى القادة والرّعيّة وبطاعة المسلمين للّه وبمعصية عدوّهم له قال تعالی: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وقال تعالی: ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ .
عاشرًا: أهمّيّة الدّعاء في السّرّاء والضّرّاء والبأساء قال تعالی: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ وكان من دعائه ﷺ: {اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ اهْزِمِ الأحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ} فاستجاب له مولاه وصرف عنه ومن معه من المؤمنين جموع المعتدين! نقول في الختام للإخوة الكرام: يجب أن يعذر بعضنا بعضًا في المسائل الاجتهاديّة الفقهيّة الفرعيّة وألا يطعن المسلم في أخيه إن خالفه في بعض القضايا الجانبيّة فعن ابن عمر رضي اللّه عنهما: قالَ رَسولُ اللّهِ ﷺ لَمَّا رَجَعَ مِنَ غَزوَةِ الأَحْزَابِ: {لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ} فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ! وكلّهم مصيب أيّها الأخ اللبيب ولكلّ مجتهد نصيب!
إقرأ أيضا:غ زة بين انتظارين