بقلم خميس النقيب
أيُّ الفريقين أحقُّ بالأمن: موسى عليه السلام وأصحابه الذين صبروا وصابروا ورابطوا؟ أم فرعون وبطانتُه الذين طغَوْا في البلاد؛ فأكثروا فيها الفساد؟
مَن أحقُّ بالأمن: محمدٌ عليه الصلاة والسلام وصحبُه الكرام الذين أطاعوا الله، وامتثلوا الحقَّ، وثبتوا على المبدأ؟ أم أبو جهل وعشيرته الذين خانوا، وقتلوا، وغدروا، وملؤوا الأرض ظلمًا وشرًّا؟
أيُّ الفريقين أحقُّ بالأمن على طول الطريق: فريقُ المخلصين الذين صنعوا المعجزات في شتى الأقطار بعد أن تعرَّضوا للظلم والتعذيب والتشهير والنفي؟ أم فريق آخر ربَّى أبناءه على أبشع أنواع الظلم والنهب، والبطش والفساد، والإفساد في الأرض؟
وهكذا يطول الصراع بين الخير والشر، بين الهدى والضلال، بين الإصلاح والإفساد، بين الحق والباطل، إلى أن يَرِث الله الأرض ومَن عليها، لكن في النهاية الحقُّ مُنتصِرٌ، والباطل حتمًا مُنكسِر؛ ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 18]!
منذ زمنٍ بعيد وفريقُ الصادقين يعمل على: الإصلاح، والتهذيب، والتقريب، بينما فريق الفاسدين يعمل على: الإفساد، والإبعاد، والإفشال، والتشتُّت، والتشرذُمِ؛ من منطلق شعار تبنَّوْه: “فرِّقْ تَسُدْ”، واسألوا العصابات الإجرامية التي باءت بالفشل في كل شيء قديمًا وحديثًا، لكنها – للأسف – لم تتعلَّم الدرس، وأصبح لها أبواق تطلق الاتهامات للشرفاء في كل الاتجاهات؛ ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142]، (قال أيه) “بُعبع” الإسلام السياسي والدولة الدينية! الدولة الدينية هي دولةُ فرعون يا سادة، لماذا؟ الكلمة كلمتُه، والرؤية رؤيتُه؛ ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29]، أما الإسلام: فهو عدل، وشورى، ومساواة، ورحمة، واسألوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه؛ الذي كان عدلًا يمشي على الأرض؛ فكان الشيطان يفرُّ منه “لو عثرت بغلة على شط الفرات، لسألني الله عنها: لماذا لم تُمهِّد لها الطريق؟”.
فريق المصلحين حاول أن يمد يدَ العون للجميع؛ لانتشال الفساد، وإصلاح البلاد، وإسعاد العباد، لكن أهل الإفساد في الأرض وضعوا في طريقه العراقيل، وأحاطوا النجاحات بالمعوقات؛ قطعُ الطرق، وبثُّ الإشاعات، وإطلاق الاتهامات، وتعطيل المؤسسات، وتهريب المنتجات، وصنع الأزمات! ثم بعد ذلك تجد بعض المُغرضين يساوي بين الفريقين؛ ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود: 24].
فرقٌ بين منافسات عالية الحضور، كثيفة المشاركة، شريفة الأداء، شرَّفت القاصي والداني، وأخرى لا طعمَ لها، ولا لون، ولا رائحة!
فرقٌ بين أخطاء في التوزيع، أو في التجميع، أو في التلميع، وأخطاء كارثية؛ تُكبِّل البلاد، وتُقيِّد العباد، وتطيح بالاقتصاد!
فرقٌ بين الحفاظ على الهُوِيَّة، وتنمية المروءة، وإزكاء النخوة، وبين إشاعة الخلاعة، وتبنِّي الميوعة، وقتل المناعة!
هناك فرقٌ بين مَن غدروا؛ فانغمست أيديهم في الدماء، وغرقت قلوبُهم في الخيانة، وغاصت أقدامهم في السلب والنهب والفساد، ومَن كانوا أمناءَ أتقياءَ شرفاء، أُلصقت بهم الاتهامات، فلم تَثبُت عليهم تهمة واحدة، وتكاثرت عليهم الشدائد، فلم تزحزحهم شدةٌ واحدة، وتناثرت حولَهم المكايد، فلم تضعفهم مكيدة واحدة!
المؤمن في محنته، في قيده، في سجنه أثبتُ من الجبال، وأقوى من الحديد، وألمع من الذهب، وأصفى من السماء، وأنقى من الزُّلال، لماذا؟ ثقتهم في الله كبيرة، وتوكلُهم على الله عظيم، وحفاظهم على الحقِّ كبير، يستوي عندهم الحجرُ والوَبَرُ، ويتساوى لديهم الذهب والمدر؛ لذلك يشعرون بالأمن في أماكنهم “بستاني في قلبي، فسجني خَلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة”؛ ابن تيمية.
أما الفاسدون – حتى ولو ملكوا الدنيا – فإنهم يشعرون بالقلق، لا يَتحقَّق لهم أمن ولو كانوا في قصور مُعبَّدة، ولا يتركُهم الموت ولو كانوا في بروج مشيَّدة، ولا يحميهم الظلمُ ولو كانوا في حصون معمدة!
﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 1، 2]، الظالم الفاسد يشعر بالضعف، لماذا؟ إذا أحسَّ أنه في حماية أمير أو رئيس أو وزير، فهو في قلق مطَّرد، هل يموت ذلك الأمير؛ فيصبحَ بلا حامٍ؟ هل يستقيل ذلك الرئيس؛ فينفضَّ عنه حاميه؟ هل يعزل ذلك الوزير؛ فيُصبحَ بلا ظهير؟ ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81].
متى تكون ضعيفًا؟ عندما تَستند إلى قوتك، أو إلى أي قوة مادية في الأرض أو في السماء، أما عندما تَركَن إلى الله عز وجل، فأنت العزيز القوي، يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألتَ، فأسال الله، وإذا استعنتَ، فاستعن بالله)).
لذلك؛ الأمنُ حقُّ المؤمنين الصالحين؛ ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 81، 82].
اللهم ارزقنا الأمن، وامنحنا الأمان، واحفظنا من كلِّ شيطان، واجعلنا من عبادك عبادِ الرحمن.
المصدر: شبكة الألوكة.