أين هي اللوبيات العربية والإسلامية المؤثرة؟
بقلم يوسف بشر
بالرغم من الأعداد المليونية من العرب والمسلمين المتواجدة في مختلف الدول الأوروبية وأمريكا، إلا أن تلك الحشود من أبناء الجاليات العربية والإسلامية لم تستطع صناعة أي «لوبيات» سياسية أو اقتصادية مؤثرة في أوروبا وأمريكا على مدار عشرات السنين من تواجدها في تلك الدول، على عكس غيرها من الجاليات.
تكمن المعضلة الكبرى كما يبدو لعدم نشوء لوبي عربي أو إسلامي مؤثر إلى كون العدد الأكبر من أبناء تلك الجاليات هم من المهاجرين أو اللاجئين الفارين من جحيم دولهم، والباحثين عن حياة كريمة وحرية ومستوى معيشي أرقى. فمثلًا تعد الجالية الجزائرية هي الجالية الأكبر في فرنسا، وتعد الجالية التركية هي الجالية الأكبر في ألمانيا، وتعد الجالية اليمنية من الأكبر عربيًا في بريطانيا، ومن المعهود أن اللوبيات لا تتشكل غالبًا إلا من أصحاب رؤوس الأموال والمتعلمين أصحاب الكفاءات في مجالات تخصصاتهم والقادرين على إحداث تغيير والدخول في عالم السياسة في تلك الدولة، وهذا النقطة هي أحد الأسباب الرئيسة لتمكن «اللوبي اليهودي» من التأثير في صناعة القرار في أمريكا وأوروبا، على عكس أغلب الجاليات العربية والإسلامية التي لم تتمكن من صناعة أي لوبي مؤثر في أي مجال؛ مما جعلها حبيسة لإملاءات تلك الدول دون أن تحرك ساكنًا.
إضافة إلى ما سبق أن أغلب أبناء الجاليات العربية والإسلامية قادمين من دول ضعيفة اقتصاديًا وسياسيًا، ودول عديمة الرؤية لمستقبلها ولمستقبل مواطنيها في الخارج، كل همها هو أن تحصل على أموال أولئك المواطنين بالعملة الصعبة لتغطي عجزها وسياساتها الاقتصادية الفاشلة، أي أنها تراهم كخزائن أموال تجلب العملات الأجنبية للبلد وحسب.
ما شهدته فلسطين مؤخرا من أحداث عدوان وانتهاكات في القدس وغزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي يبرهن على حجم تأثير اللوبي اليهودي في أمريكا وأوروبا حيث رأينا الدول التي تتغنى بالحرية وحقوق الإنسان مثل (ألمانيا، وأمريكا، وفرنسا وغيرها…) داعمة لإسرائيل وما تفعله ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض، متغافلة عن الصورة الوحشية للاحتلال الإسرائيلي التي يصنعها ضد الفلسطينيين، بل معتبرة ما تقوم به إسرائيل دفاعًا عن النفس ضد ما أسمتهم «الإرهابيين الفلسطينيين». يُعزى ذلك إلى قوة اللوبيات الصهيونية واليهودية في التأثير على صُناع القرار من الأمريكيين والأوروبيين الداعمين والصانعين لإسرائيل ودولتهم على أرض فلسطين.
في خضم هذا الحراك المحتدم غالبًا، والذي ينتصر فيه الأقوى، يبدو أن العرب مشغولين في إنشاء لوبيات ضد بعضهم البعض، وخاصة أولئك القاعدين على آبار النفط، من خلال التسويق لمصالح دولهم السياسية والاقتصادية، بما في ذلك التعامل مع صانعي القرار الأمريكيين لترويج مصالح وكيلها، مع التركيز على تعزيز العلاقات الأمنية والدفاعية الثنائية والأمن الإقليمي لتلك الدول، ولو كان ذلك على حساب إخوانهم وشركائهم في الأرض والعرق، وما حدث خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين من إعلان دعم بعض دول الخليج للثورات المضادة وإعلان مقاطعة دولة جارة كقطر، ومساندة القوى الإنقلابية على الأنظمة التي جلبتها ثورات «الربيع العربي» من خلال دعمها بالمال والسلاح خير مثال.
فبينما ينتظر الكثيرون أن الخليج العربي هو المنطقة العربية المعنية بعملية ممارسة العلاقات العامة كونه الأغنى في المنطقة، إلا أنه ضعيف في هذا المجال، وليس لديه أي أسس أو قاعدة شعبية يعتمد عليها؛ فمثلًا قوة اللوبي اليهودي تكمن في أنه استطاع جلب الانتباه له، والعمل على ربط علاقات وثيقة مع صُناع القرار، أو من يتوقع أن يكون في المستقبل صانع قرار. وكذلك يقاس على اللوبيات الأرمنية والإيرانية، وكذلك اليونانية وغيرها.
كما أن المتوقع ألا تبدي الجالية العربية حماسة مماثلة للحماسة التي تبديها الجالية اليهودية لقضايا إسرائيل، وذلـك مردّه إلى أن اليهود ينظرون إلـى وجــود إسـرائـيـل كـأسـاس لـوجـودهـم كمجموعة وكـأسـاس لهويتهم كـيـهـود. أمـا عـرب أمريكا على سبيل المثال فليس لديهم هذا النوع من التعلق بالمنطقة العربية؛ والسياسة الخارجية تهمهم من باب أن نظرة أفضل للمنطقة العربية ستنعكس إيجابيًا عليهم كمجموعة داخل المجتمع الأمريكي، ولكن السياسة الخارجية في حد ذاتها ليست ذات أهمية. وهذا يفسر فشل الرابطة الوطنية للعرب الأمريكيين، وعدم وجود أي لوبي عربي مؤثر في أمريكا أو في أوروبا أيضًا.
(المصدر: ساسة بوست)