مقالاتمقالات مختارة

أين قدر العالِم

أ. د. علي بن محمد الأهدل

أيها الإخوة في الله:

إن الأمة التي لا تهتم بعلمائها ورجالتها ليست من الأمم التي تكتب في صحائف التاريخ وهناك هجمة شرسة لتشويه علمائنا ورجالتنا تشويه متعمد من دول الكفر لإيجاد الفجوة بين العلماء وبين استفادة شعوبهم منم فمن باكستان وتشويه سمعة العالم النووي عبدالقدير خان إلى علماء العراق إلى هجرة العقول البشرية.

لماذا هذا كله؟

هل هو أمر قضي بليل هل هناك مؤامرة على هذه الأمة للتشكيك في علمائها…

أليس الدين والشرع والكتاب والسنة أمرتنا باحترام علمائنا وتقديرهم واحترامهم.

أليس العلماء هم أئمة الدين نالوا هذه المنزلة العظيمة بالاجتهاد والصبر وكمال اليقين {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24].

أليس العلماء هم هداة الناء الذي لا يخلو زمان منهم حتى يأتي أمر الله، فهم رأس الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس» [رواه البخاري ومسلم].

قال الإمام النووي رحمه الله وأما هذه الطائفة فقال البخاري هم أهل العلم وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري منهم.

وقال القاضي عياض إنما أراد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث، قلت: القائل النووي ويحمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون، ومنهم مُحدِّثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر وهم أهل أنواع أخرى من الخير فلا يلزم أن يكونوا مجتمعين؛ بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض.

وأياً ما كان القول في هذه الطائفة فإن من المتفق عليه أن العلماء هم رؤوسها المقدَّمون فيها وغيرهم من الناس تبع لهم.

إن العلماء وإن غابت شخوصهم فآثارهم موجودة، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة”.

إننا للأسف نجد بعض الفرق تقدر علماءها وتحترمهم فهذه أبيات ذكرها الجاحظ لبعض المعتزلة يمتدح فيها واصل بن عطاء شيخ المذهب ويكشف عن شخصية وعظيم هيبته في نفوس الأتباع وتضحيتهم النادرة في طاعته، تقول القصيدة:

له خلف بحر الصين في كل بلدة *** إلى سوسها الأقصى وخلف البرار

رجال دعاة لا يقل عزيمهم *** تهكم جبار ولا كيد ماكر

إذا قال مُرُّ في الشتاء تسارعوا *** وإن جاء حرٌّ لم يخف شهرنا جر

هم أهل دين الله في كل بلدة *** وأرباب فتياها وأهل التشاجر

والعجيب أن المعتزلة لم يكونوا ممن يعنون بتحريك العواطف ومخاطبة الامة وحشدها، ولذلك نعجب من التصوير العجيب لعالمهم واصل ومريدوه بهذه الطواعية والانقياد العجيب حيث يغادرون أوطانهم إلى خلف بحر الصين وإلى بلاد البربر في البرد أو في الحر لا يقبل منهم واصل قرية من ذلك مهما جلت وعظمت.

أيضاً نجد وهو معروف مشاهد عياناً تعظيم الرافضة لملاليها وسادتها ومراجعها تعظيماً يفوق الوصف، إن جموعاً غفيرة تحتشد خلف هذا المجلل بالسواد وتتحرك بإشارة من أصبعه ولعلهم وقد أعطوا أئمتهم العصمة المطلقة قد أعطوا لعلمائهم شيئاً يشبهها.

وأنت تجد المثقف إذا حودث في قضايا فقهية أو عقدية كثيراً ما يقول اذهبوا إلى الملا فاسألوه وناقشوه ولا شك أن ارتباطهم العاطفي بمراجعهم الدينية يفوق ارتباطهم بقياداتهم السياسية ولذلك يقدمون الأول عند التعارض.

هذا وهم يأخذون منهم الخمس غنيمة باردة يصرفونها على ما يريدون.

أفلا يليق بنا كمسلمين أن نعيد لعلمائنا كرامتهم واحترامهم وتقديرهم وواجبهم الملقى على عواتقهم وما كلفهم الله تبليغه ولذلك أقول إن مهمة العلماء لها مكانة عالية بين صفوف المسلمين لا تعدلها مكانة أبداً وإن عناية المسلمين بتسجيل دقائق حياة علمائهم مشهورة مشهودة تشهد به آلاف كتب التراجم والطبقات التي حفظت هذا المقدار الهائل من أسماء العلماء على مدار العصور وعلى اختلاف مناحي المعرفة.

وسبب ذلك أن النظرة إلى العلم والعلماء قضية داخلة في صلب العقيدة الدينية فقد ترسخت هذه المكانة للعلماء من يوم أن اعتبر العلماء هم ورثة الأنبياء وقد كان المنصب العلمي غير منفصل عن منصب القيادة السياسية لكنه بعد ذلك بدأت العلاقة بين المكانة العلمية والمنصب السياسي تتراخى حتى أصبحت طبقة العلماء متمايزة تقريباً عن طبقة الحكام إلا في استثناءات يسيرة.

ومع هذا فإن عامة الناس ازداد التفافها حول علمائها بينما كانت العلاقة بين العامة وبين القادة السياسيين – في الغالب – تحكمها الأمور الرسمية وتحيط بها مشاعر الرهبة والخوف لأنها كانت ناتجة عن استخدام القوة والإكراه كانت علاقة العامة بالعلماء علاقة قلبية تقوم على مشاعر الولاء الداخلي الصادق النابع من عقيدتهم وذلك لأنهم كانوا يجدون في هؤلاء الملاذ من قسوة الظروف وكانوا يلتمسون عندهم الحلول لمشاكلهم والنور الذي يهتدون به حينما كانت تشتد عليهم الأحوال الداخلية والخارجية ولذلك عدة أمور أوجزها فيما يلي:

– العلم الصحيح النابع من توجيهات القرآن والسنة النبوية التي كان يطبقها العلماء.

– الإخلاص في طلب العلم وفي تبليغه وعدم الحرص على فضول الدنيا وحطامها الزائل؛ بل كانوا لا يستنكفون عن القيام بأي عمل يدوي مهما كان ليعيشوا في غناء عن الحاجة لأحد، أعزة يقولون كلمة الحق في وجه من يحيد عنها لا يخشون قطع جراية أو مرتب فكان منهم الفراء والعطار والزجاج والاسكافي والحطاب والخباز و…الخ، فقالوا كلمة الحق مدوية.

– الالتصاق بالجماهير فالعلماء الذين أحدثوا أثراً مدوياً.

هم الذين لم ينعزلوا في بيوتهم أو في حلقات ضيقة حصروا أنفسهم فيها ولم يدروا ما يموج به المجتمع من مشاكل وإنما تناولوا قضايا الناس الملحة واجتهدوا وعملوا على ضمان حاضر ومستقبلهم وهم يعيشون مع الأمة في السلم والحرب وهم الملاذ بعد الله للأمة ومثال واحد يوضح لنا هذه الحقيقة.

كان الملك الأشرف إسماعيل سلطان دمشق قد تحالف مع الصليبيين المعتدين الذين كانوا يحتلون قسماً هاماً من فلسطين وبلاد الشام ورأى في ذلك أن يساعده على ابن أخيه ملك مصر الصالح نجم الدين أيوب؛ وقد فتح لهم أبواب دمشق يشترون السلاح وفتح لهم بعض القلاع، غضب الشيخ عزالدين العز بن عبدالسلام غضباً شديداً من هذه الخيانة.

تغيير الدعاء.

نقد الخليفة نقداً لاذعاً.

حرمة البيع.

اتخذ السلطان ما يلي:

خلع العز من الخطابة.

اعتقاله.

أرسلوا له زميله العلامة أبو عمرو بن الحاجب.

تقبل يده وتعود.

اعتقاله.

كلام السلطان لملوك الفرنج والتاريخ يعيد نفسه فأمريكا تريد من حكام المسلمين اعتقال علماء الأمة.

ماذا يحصل لو أهنا علمائنا ومفكرينا.

إن من عوامل تخلف الأمة هو عدم اهتمامها بعلمائها ورجالاتها والمفكرين فيها وأصحاب الرأي، الغيورون على دينهم وأمتهم؛ إن إهانة العلماء إهانة للأمة وهذا ما رأيناه للأسف عندما أهين العالم النووي عبدالقدير خان واعتذر في أجهزة الإعلام بطريقة لا تليق بعالم وهو المعتبر بطلاً قومياً عند إخواننا الباكستان.

ولقد قال أحد المسئولين الغربيين لقد اكتشفنا خلية عبدالقدير خان وسنحاصرها.

لماذا علماؤنا أقلُّ من علمائهم ولذلك عندما انتحر خبير الأسلحة البريطاني كادت تسقط حكومة بلير بل تدنت شعبية حزبهم لماذا يهتمون بعلمائهم ولا نهتم بعلمائنا، أين احترامنا لعلمائنا أين تقديرهم أين تقديم الخدمات لهم أين أماكن البحث العلمي وأماكن المختبرات إننا نهتم بمطربة أو غانية أكثر من اهتمامنا بعالم يحاول أن يرفع من قوة أمته.

أين العلماء العراقيون أين ذهبوا ما هو مصيرهم لماذا لم يتكلم عنهم مجلس الحكم المؤقت بل هناك من اغتيل واتهمت في ذلك إسرائيل والموساد لقتل علماء الأمة.

هل تعلم أخي المسلم أن هجرة العقول البشرية من العالم الإسلامي هي خطة خبيثة ماكرة أيعي الكفار هذه الحقيقة ولا نعيها نحن، يقول سان ريمو وهو أحد المفكرين الفرنسيين يقول: “إذا أضاعت فرنسا الخمسي الأوائل من علمائها ومثل ذلك من أهل فنها وصناعتها وزراعتها قطعت رأس الأمة وأصبحت جسداً بلا روح ولكنها ولكنها إذا فقد جميع الموظفين الرسميين فإن تلك الحادثة تحزن الفرنسيين لطيب نفوسهم ولكن لا ينجم في البلد من الضرر إلا اليسير”.

ولتعلم أخي المسلم خطورة هذه القضية ففي استقراء لاتجاهات الطلاب الذين يدرسون في أمريكا نحو العودة إلى بلادهم تبين الدراسة أن 40% من المصريين و22% من الأتراك و18% من اللبنانيين الذين جرى أخذ آرائهم أجابوا بالعزم على البقاء في أمريكا وعدم العودة.

وآخر مثال على ذلك د. أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في العلوم.

والغريب أن نسبة العازمين على البقاء في أمريكا من دول الهند وتايلند والفلبين أقل بكثير من نسبة أبناء الدول الإسلامية فمثلاً الهند 9% يفضل البقاء تايلند0% والفلبين 3% بل إنه في عام 1390-1391 هاجر أعداد ضخمة من العلماء المسلمين من الدول النامية إلى أمريكا وكندا وبريطانيا سببت خسائر للدول النامية تقدر بـ مليار دولار أنها مثلت مكسباً للدول الغربية!.

فلماذا هذه الجريمة البشعة على علمائنا.

وبعد أخي المسلم قد يقول قائل أن هناك من العلماء والمفكرين لا هم له إلا مصالح نفسه والتمندل أما أصحاب الوجهات والسلاطين فأقول نعم هناك علماء خانوا أماناتهم وخانوا دينهم وهم قلة قليلة ومن ثم ساعد على هذا الفساد وعلى هذه الخيانة السهام المنهالة عليهم من كل جانب ففي أكثر من بلد إسلامي تتعمد الصحف الإساءة إلى العلماء وقد تصورهم بعض وسائل الإعلام على أنهم دراويش وأكالة وكما قال أحدهم: “أديله فرخة يديلك فتوى”.

وعلى سبيل المثال مجلة روزا ليوسف تسمي الشيخ حسنين مخلوف الشيخ متلوف.

يقول الأستاذ أنور الجندي: “وقد كان أسوأ تهكم حصل للشيخ متلوف الذي استمر في مجلة روزا ليوسف سنوات في نقد لاذع لكل القيم التي يمثلها عالم الإسلام”.

والعجيب أن هؤلاء الذين استهزءوا بالشيخ متلوف لم يجرؤوا على رسم كاريكاتير ساخر ومقال واحد يسخر أو يتناول قسيساً أو راهباً في كنيسة.

أما عن وسائل الإعلام والمسلسلات التي تهزأ من علماء الإسلام ورجاله فقد اعترف به أحد المخرجين والممثلين إذ يقول أحدهم “إن السينما العربية أساءت إلى الإسلام بإصرارهم على تقديم رجل الدين في صورة مضحكة وجعله نمطاً للشخص المنافق الجشع وإذا كان البعض قد فعل هذا بحسن نية فيما لاشك فيه أن الرود الأوائل وضعوا هذه البذور الخبيثة وكانت أهدافهم خبيثة وكانوا بذلك يخططون لعمل ما ضد الإسلام”.

ويقول المخرج علي يدرخان “السينما أضرت بالدين الإسلامي فهي تتعامل مع الدين ببلاهة شديدة”.

ورسمت مجلة روزاليوسف صورة رجل متدين له لحية طويلة جداً يؤذن في منارة مسجد فبدلاً من أن يقول حي على الفلاح يقول حي على السلاح.

كفانا استهزاءاً بعلمائنا، فالأمة التي لا تقدر عظمائها ورجالها لا مكان لها في التاريخ.

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى