أين تعمل قاعدة دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح؟
بقلم د. سعد الكبيسي (خاص بالمنتدى)
لعل قاعدة “دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح” من أكثر القواعد شيوعا ليس عند العلماء وطلبة العلم فقط، بل حتى عند عموم الدعاة والمثقفين والمتدينين، وسبب انتشارها وشيوعها هو حالة التعارض بين المصالح والمفاسد التي يواجهها الناس في تصرفاتهم وأنشطتهم في الحياة وكيفية الموازنة والترجيح بينهما، كما إن هذه القاعدة من أكثر القواعد التي يقع الخطأ فيها من حيث الفهم والتنزيل والاستعمال، لأن المصالح عادة ما تخالطها المفاسد حيث المصالح الخالصة نادرة الوجود والمفاسد عادة ما تخالطها المصالح حيث المفاسد الخالصة نادرة الوجود وهنا يحدث الخطأ في الموازنة والتقدير والترجيح.
ولنبسط ونوضح هذه المفاهيم أكثر فنقول:
إن حالات التعارض بين المصالح والمفاسد ثلاثة:
1_ التعارض بين المصالح.
بحيث لا نستطيع الأخذ بالمصلحتين في وقت واحد.
وفي هذه الحالة نقدم الأخذ بأعلى وأكبر المصلحتين.
ومثال ذلك التعارض بين مصلحة أداء الصلاة في وقتها أو مصلحة إنقاذ الغريق، فنقدم مصلحة إنقاذ الغريق.
وبناء على ذلك نقدم مثلا الأخذ بالمصلحة:
الواجبة على المندوبة.
والكبرى على الصغرى.
والعامة على الخاصة.
والشاملة على الجزئية.
والدائمة على المؤقتة.
2_ التعارض بين المفاسد.
بحيث لا نستطيع دفع المفسدين في وقت واحد.
وفي هذه نقدم الأخذ بأدنى وأقل المفسدين.
ومثال ذلك التعارض بين مفسدة بتر العضو المريض أو مفسدة موت الجسد كله فنأخذ بمفسدة بتر العضو المريض.
وبناء على ذلك نقدم مثلا الأخذ بالمفسدة:
المكروهة على المحرمة.
والصغرى على الكبرى.
والخاصة على العامة.
والجزئية على الشاملة.
والمؤقتة على الدائمة.
3_ التعارض بين المصالح والمفاسد
بحيث لا نستطيع تقديم الأخذ بالمصلحة إلا وأن نرتكب معها بعض المفاسد، كما لا نستطيع تقديم الأخذ بالمفسدة إلا وقد فاتتنا بعض المصالح.
وهذه نعتمد فيها معيار الغلبة للمصلحة أو للمفسدة.
ومثال ذلك المشاركة السياسية في الانتخابات في بلد ما، حيث تكون في المشاركة مصلحة ومفسدة.
وهي أيضا حالات ثلاثة:
الأولى: غلبة المصالح على المفاسد وهنا نأخذ بتقديم المصالح، ولو رافقتها بعض المفاسد.
الثانية: غلبة المفاسد على المصالح وهنا نأخذ بتقديم المفاسد، ولو رافقتها بعض المصالح.
الثالثة: استواء المصالح والمفاسد وهنا نأخذ بقاعدة:
” دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح”
وبناء على ذلك كله فقاعدة “دفع المفاسد وتقديمها على جلب المصالح” تشتغل في حالة واحدة من حالات كثيرة للتعارض بين المصالح، أو التعارض بين المفاسد، أو للتعارض بين المصالح والمفاسد، ألا وهي: حالة الاستواء بين المصالح والمفاسد فقط، وليس في كل تعارض.
وهنا ينبغي الانتباه لأمرين:
1_ إن المقصود بتقدير المصلحة والمفسدة هنا المصلحة والمفسدة الواقعة أو المتوقعة، والحالية والمستقبلية، فقد يكون التقدير أن هذا الأمر او ذاك مصلحة في الواقع والحال، لكنه قد يكون مفسدة في المستقبل والمآل، فمثلا النهي عن المنكر مصلحة حالية، لكنه إذا أدى إلى منكر أكبر منه مستقبلا وكان ذلك محققا كان مفسدة، ولذلك تترك هذه المصلحة وهذا النهي.
وقد يكون التقدير أن هذا الأمر أو ذاك مفسدة في الواقع والحال لكنه قد يكون مصلحة في المستقبل والمآل، مثل كشف شيء من جسد المرأة أمام طبيبها الرجل مفسدة في الحال لكنه مصلحة في العلاج في المستقبل والمآل.
2_ إن تقدير المصالح والمفاسد في كل ما مضى، إنما يعود لتقدير المجتهدين والمفتين المؤهلين بالاستعانة مع المتخصصين في مجال المسألة المستفتى فيها والمسؤول عنها، وقد يحصل الاختلاف في هذا التقدير وهذا طبيعي لأنه تقدير اجتهادي في النهاية، ويفضل أن يكون الاجتهاد فيها جماعيا للتقليل من الخطأ قدر الإمكان.