مقالات

أين بواكي الفلوجة؟!

بقلم  د. مهاب الأنصار

تعددت الحرب والنتيجة واحدة، إنها تدمير فلوجة العز، تدمير رمز المقاومة ضد المحتل ورموزه. إنها جريمة ترتكبها الحكومة العراقية الطائفية ومليشياتها منذ أكثر من سنتين على سكان مدينة الفلوجة العراقية، جريمة تجويع وقتل أبنائها بصمت، بسلاح الجوع الذي لا يرحم، وكأن التاريخ يعيد نفسه؛ فقد جرى تجويع أوائل المسلمين ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب ولمدة ثلاث سنوات من قبل مشركي قريش في محاولة لكسر إرادة الإيمان.

يُقتل أبناء الفلوجة اليوم جوعاً من قبل الطائفيين في العراق مدعومين من إيران الصفوية، في محاولة منهم لقتل روح العز في المسلمين السنة، ومحاولة من حكومة طائفية لترويض روح الإباء في نفوس عزيزة تؤثر الموت جوعاً على الانحناء والانبطاح.

إنها جريمة العصر فماذا تفعلون أيها الصامتون؟!

إن جريمة تجويع الفلوجة هدف مرحلي من أهداف إستراتيجية للأعداء، فهدفهم إنهاء وجود الإسلام السني في أرض الرافدين وجعل سيادة الحكم لحكومة شيعية تأتمر بولاية الفقيه.

مع لمحة بسيطة لتسلسل الأحداث يتضح الهدف الإستراتيجي للأعداء، فمنذ تساقط الحكومة الطائفية في محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالي والأجزاء الشمالية من بابل تم إطلاق يد المليشيات الشيعية تحت مسمى الحشد الشعبي بحجة مقاتلة تنظيم الدولة، وتخريب المدن السنية وحرقها والتنكيل بأبنائها، ووصولاً إلى حصار تلك المدن وتجويعها. فلم يكن الهدف الحقيقي مقاتلة الجماعات المسلحة وإرجاع الأمن لتك المدن إنما الهدف هو إنهاء الوجود السني في تلك المحافظات وعبر عدة وسائل وطرق هي في حقيقتها وسائل إبادة جماعية بحسب القانون الدولي، ومن هذه الوسائل:

أولاً: تم ارتكاب جرائم منظمة من قبيل حرق وتدمير المدن السنية ومرتكزاتها الاقتصادية وسرقة ممتلكاتها التي يمكن أن تكون في يوم ما – إذا ما أقر النظام الدولي إقامة أقاليم حكم في العراق – مرتكزات قوة لتلك الأقاليم، ففي محافظة صلاح الدين تم تدمير المشاريع الاقتصادية التي تعد مرتكزات قوة لتلك المدن، وقد شهد العالم كيف تم سرقة ممتلكات مصفى بيجي الذي يعد من أكبر مصافي النفط في العراق بواقع إنتاج 750 ألف برميل يومياً من مشتقات النفط المتنوعة، ومحاولة نقل معداته إلى مناطق في جنوب العراق بدعوى عدم استطاعة تشغيله في موقعه الأصلي بسبب فقدان الأمن، ومن المعلوم أن ذلك المصفى يبلغ عدد العاملين فيه من فنيين وعمال 20 ألفاً، ومن ثم هناك 20 ألف عائلة تعتاش على ذلك المصفى، إن ذلك بعبارة أخرى هو إفقار لتلك العائلات.

ثانياً:   تهجير تجمعات كاملة في تلك المحافظات وعدم إرجاعهم إلى مدنهم في محاولة من الحكومة لإحداث تغييرات ديمغرافية تكون في صالح الحكم الشيعي، ومن ثم إنهاء الوجود السني في مناطق إستراتيجية ومهمة في صراع الوجود المقبل، والعمل على تغييرات في موازين القوى، فمدن كثيرة لم يتم إرجاع سكانها برغم تحسن الأمن في تلك المناطق، كمدن سلمان بيك ويثرب والمزاريع وعزيز بلد في محافظة صلاح الدين وبلدة جرف الصخر في بابل وبعض المناطق في محيط بغداد، والتي كانت تعتبر إلى فترة قريبة مناطق سنية تكوّن منطقة حزام بغداد. ولذلك لإدراك الحكومة الطائفية ومليشياتها لأهمية تلك المناطق في صراع الوجود، حتى جرى تغيير أسماء بعض هذه المدن، كتغيير اسم مدينة جرف الصخر وهي تسمية ذات دلالة تاريخية ليكون اسمها جرف النصر، بمعنى النصر الشيعي على السنة.

ثالثاً:   تفريغ أبناء هذه المناطق بقتلهم أو اعتقالهم أو تهجيرهم وهم بالآلاف، وقد أشارت عدة منظمات دولية لعمليات الاعتقال الجماعي والقتل خارج إطار الشرعية القانونية المزعومة لديهم، حيث أفاضت منظمة هيومان رايتس ووتش في عدة تقارير لها عن حالات الاعتقال والقتل الجماعي ضد أبناء المناطق السنية، كما زخرت مواقع التواصل الاجتماعي بمئات الأفلام التي تظهر المليشيات الشيعية تقوم بعمليات الاعتقال والقتل الجماعي، وإبراز بعض القتلة وهم يقومون بهذه الأعمال كالمدعو «أبو عزرائيل» مع ذكر كلمات طائفية يدعو فيها إلى قتل السنة، وجرائم المليشيات في مدينة المقدادية العراقية وقتل سكانها وحرق البيوت عليهم ليست ببعيدة عن الإعلام أو المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان.

رابعاً: آخر هذه الوسائل هي جريمة التجويع.

لماذا الفلوجة؟ لأنها مركز قوة السنة وراية انتصارهم، فيحاولون كسر إرادتها عن طريق تجويعها واستسلامها، من ثم فإن مسؤولية إنهاء حصار الفلوجة وإيقاف تجويعها مسؤولية جماعية يجب على العالم ألا يصمت تجاهها، وعلى الشعوب العربية فضح الأساليب غير الإنسانية للحكومات الشيعية تجاه الفلوجة وسكانها، إنها إبادة جماعية للبشر فيها يحاسب عليها القانون الدولي.

إن إيقاف جريمة التجويع في مدينة الفلوجة مسؤولية مهمة تقع على عاتق الحكومات العربية من خلال تفعيل الأساليب القانونية والسياسية والاجتماعية لإيقاف تلك الجريمة، وتفعيل دور الجامعة العربية والمنظمات الإقليمية والدولية المختلفة، والدعوة والعمل لإيقاف تلك الأعمال التي يعدها القانون الدولي والإنساني جرائم تصل إلى حد الإبادة البشرية، بل والعمل على محاكمة مرتكبي تلك الجرائم سواء من ارتكبها أو من دعا لها ونظر لها دينياً أو سياسياً أو إعلامياً.

إن الإدراك الحقيقي لهدف تلك الجريمة يجب أن يرتكز على أولويات عمل سليمة، فتلك الجريمة ترتبط بمشروع صفوي على مستوى الإقليم يهدف إلى إنهاء وجود الإسلام السني في العراق، ومن ثم جعله بوابة على بقية الدول العربية ولاسيما في دول الشام والخليج العربي، فلا يمكن اعتبار جريمة التجويع في الفلوجة بمعزل عن طبيعة المشروع الطائفي بقيادة إيران في المنطقة العربية، فمع بداية التمكين للحكم الشيعي في العراق بعد احتلاله عام 2003م بدأت سلسلة أخرى من تمكين الحكم الشيعي الموالي لإيران في سوريا ودعم النظام السوري ضد الثورة الشعبية في الشام، حيث ما زالت الأزمة السورية ومنذ أكثر من خمسة أعوام تراوح مكانها، وبرغم وحشية النظام السوري فلا يزال العالم صامتاً أمام الجرائم التي يرتكبها تجاه شعبه من خلال ممارسة سياسة الأرض المحروقة وإلقاء براميل الموت المتفجرة، وفي لبنان من خلال السيطرة الفعلية لحزب الله وحليفه حركة أمل على مقاليد الحكم السياسية والأمنية وإبعاد الأكثرية السنية عن الحكم في لبنان وعدم انتخاب رئيس للبنان منذ أكثر من عامين، وما ذلك إلا وسيلة من وسائل السيطرة على الحكم برغم بقاء منصب رئيس الوزراء اللبناني للطائفة السنية كما يقرر ذلك الدستور اللبناني، لكن في حقيقية الأمر إن قبضة السلطة السياسية والأمنية هي في يد حزب الله. وفي إطار المشروع الطائفي في المنطقة فإنه لا يخفي تدخلاته بإرسال المقاتلين إلى سوريا أو العراق بحجة محاربة الجماعات الإرهابية في تلك الدول، برغم أن هذا يعد خرقاً لسيادة دولة أخرى وهو أمر منافٍ لأوضح قواعد القانون الدولي.

وليس ببعيد عن لبنان، ومن أجل استكمال المشروع الطائفي في المنطقة العربية بقيادة إيران، بدأ المشروع الطائفي بالصفحة اليمنية من خلال تمكين حركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) بالتعاون مع مليشيات الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح بالانقلاب على الحكم الشرعي في اليمن والمتمثل بالحكومة اليمنية، والسيطرة على العاصمة اليمنية بعد السيطرة على عدة مدن أخرى، ومحاولة إلغاء آليات الحكم في الدولة اليمنية، وبروز عبد الملك الحوثي كأنه ممثل ووكيل للوالي الفقيه في إيران في خطاب طائفي وبنفس أسلوب نصر الله في لبنان، وتضيق الخناق على الحدود الجنوبية للدول الخليجية؛ ما جعل الدول الخليجية تستشعر الخطر اليمني قبل الخطر في العراق أو سوريا.

كل هذه الأحداث تدفعنا إلى القول بأن ممارسات الحكومة الطائفية في العراق وتجويع المدن السنية وفي مقدمتها مدينة الفلوجة ما هي إلا سلسلة ضمن مشروع أكبر لتمكين الحكم الشيعي في المنطقة العربية.

إن الواجب يحتم علينا كشف وفضح جريمة التجويع في الفلوجة من خلال عدة وسائل قانونية وسياسية وإعلامية؛ فقانونياً يمكن تقديم الأدلة على جريمة التجويع التي تعد من جرائم الإبادة، وهناك عدة منظمات دولية وإقليمية لحقوق الإنسان تمتلك الوثائق على ذلك، فيجب تقديمها إلى المحاكم الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومحاكمة الداعين لتلك الجريمة، وهناك حالات مماثلة في القضاء الدولي وقد تم اتخاذ القرارات الدولية بشأنها.

وسياسياً من خلال تفعيل آليات الضغط السياسي على الحكومة العراقية وعدم التعامل السياسي والدبلوماسي معها، والضغط عليها في المحافل الدولية، وتدويل قضية الفلوجة وغيرها من المدن السنية في العراق التي تتعرض للإبادة الجماعية سواء من خلال سياسة التجويع أو القتل أو التدمير كما حدث في مدن جرف الصخر والمقدادية وسليمان بيك وتكريت وغيرها من المدن السنية.

أما إعلامياً، فمن خلال فضح تلك الأساليب المنافية لأبسط قواعد القانون الإنساني الدولي من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وجعلها قضية رأي عام دولي، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وبعدة لغات لفضح تلك الممارسات المنافية للأديان السماوية والأعراف والقواعد الدولية، والتركيز فيها على البعد الإنساني لقضية التجويع في الفلوجة، وكذلك إبرازها من ناحية قانونية.

ولا شك أن في مقدمة تلك الوسائل كلمة الحق التي لا بد أن يصدع بها علماء الأمة الإسلامية، وفضح أساليب تلك الجريمة ضد مدينة الفلوجة وسكانها ولاسيما النساء والأطفال والشيوخ الذين أصبح قتلهم بالتجويع ممارسة يومية من قبل الحكومة الطائفية في العراق.

إن لسان حال الفلوجيين يقول لا تجعلونا نُقتل بصمتكم يا علماء الأمة لا تجعلونا نجوع ونأكل أوراق الشجر والميتة بسكوتكم!

فيا علماء الأمة انهضوا لقول الحق ولمناصرة المظلومين ولا تجعلوا جريمة تجويع الفلوجة وغيرها من المدن العراقية تمر مرور الكرام، فمع كل صرخة طفل يتضور جوعاً هناك سؤال لكم: ماذا فعلتم؟!

مع كل دعاء امرأة حرة ترى أطفالها يموتون جوعاً هناك سؤال يقول لكم: أين صوتكم؟ أين صوت الحق الذي تصدحون به؟ فهناك مئات من كلمات وامعتصماه تناديكم وتنادي النخوة فيكم!

*المصدر : مجلة البيان

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى