تقع الأحداث وتدلهم الخطوب ويتساءل الناس: أين العلماء؟
بعض الأخيار وجد عذراً: لقد غُيبوا!
هل العالِم ينتظر أحداً أن يصدره للناس ومن ثَّم من حقه أن يغيبه؟!
توارى العلماء عن المشهد بكافة تفاصيله: السياسي والاقتصادي والفكري بل حتى الاجتماعي.
البعض انزوى يقدم دروساً شرعية لبعض الخَاصَّة من تلاميذه، والبعض ما فتأ يجوب البلاد واعظاً (وهذا جيد لكن لا يكفي) والبعض تحول مصلحاً اجتماعياً ومستشاراً أسرياً!
البعض عكف على الكتب تأليفاً وشَرْحَاً وتلخيصاً، وهذا حسن لكن أيضاً ليس بكاف.
البعض انتقل إلى البرامج التلفزيونية، وصار مقدماً ومتحدثاً في شؤون دينية حسنة، لكن بَعِيدَاً عن حياة الناس وقضاياهم اليومية.
بعضهم انتقل إلى الإعلام الاجتماعي ناقلاً للأحاديث النبوية والأذكار اليومية، والآخر صار معلقاً في التنمية البشرية ونسي خبرته الشرعية ودراساته العلمية!
مدلهمات في الوطن ومصائب تدلف على الأمة، وبعض علمائنا لا يدري شَيْئَاً عما يجري، أو يوكل الأَمْر إلى ولاة الأَمْر!
لا نريد أن يتحول العلماء إلى محللين سياسيين، ولا إلى منظرين في الاقْتِصَاد، ولا إلى باحثين اجتماعيين، لكن نريد منهم أن يقتفوا أثر السلف ممن ينقلون عنهم بحوثهم الشرعية في كتبهم، ويعولون على آرائهم العلمية… يقلدونهم في الاهتمام بالشأن العام، ومشاركة المجتمع قضاياه وتوجيه الناس حيالها.
يستطيعون أن يسألوا أهل الخبرة والاختصاص، ويشاورا أهل الفنون فيمَا يشكل عليهم، لكن أن ينزووا عن عالم الناس فهذا غير مقبول ولا مستساغ.
ابن تيمية – والذي هو عمدة في العلم الشرعي ومحل مُتَابَعَة في الفتوى والبحث العلمي – له مشاركة عملية ومواقف مجتمعية ينبغي الاحتذاء بها.
شارك في الجهاد، ووعظ السلطان، وحرك الجماهير، وقرع المنحرفين، واحتسب على المفسدين، وأخذ على يد طوائف البدعة والضلال. تحمل مَسْؤُولية علمه، ونافح بيده وقلمه، وشارك بأفعاله، ولم ينزوِ في مكتبته مع طلابه!
قضايا الساعة شَارَكَ فيها بعض الغيورين والأخيار، بينوا للناس ووضحوا للعامة، واجتهدوا في ذلك.. لكن السؤال الجوهري أين العلماء؟
البعض خاف على مكتسباته “الدعوية”، والآخر على مصالحه “الدنيوية”، وثالث اكتفى بالحديث عما لا يزعج السلطان ويجلب لب الغلمان!
انشغل البعض بالفتاوى الفردية، وتشاغل عن الفتاوى المجتمعية.. ينتظر أحدهم سؤالاً، أَوْ دعوة، ونسي مصائب البلد والأمة!
العلم أمانة ومسؤولية، والعلماء موقعون عن الله، كما وصفهم العلامة ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ، فلا يصح أن يتركوا الشأن العام يخوض فيه الخائضون وهم عن الأَمْر غائبون.
عابوا على منتسبي العلم الفتاوى الشاذة، لكنهم لم يؤصلوا للوقائع ابتداءً، وتراهم ينظرون للمشكلات حالاً.
في الحديث: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رُؤُوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”.
آن للعلماء أن يدركوا حجم المَسْؤُولية على عاتقهم، ويؤدوا الدور المطلوب منهم، ولا يبحثوا عن الأعذار والمسوغات لغيابهم.
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد…
(المصدر: موقع تواصل)