مقالاتمقالات مختارة

أين الضمير العالمي من محنة مسلمي تركستان الشرقية والروهينجا؟

أين الضمير العالمي من محنة مسلمي تركستان الشرقية والروهينجا؟

بقلم نجاح عبدالله سليمان

تركستان الشرقية تقع وسط آسيا تحدها من الشمال الغربي ثلاث جمهوريات إسلامية وهي كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيستان، ومن الجنوب: أفغانستان، وباكستان، ومن الشرق إقليم التبت، بالإضافة إلى الصين ومنغوليا الشعبية، الخريطة ومساحتها حوالي 1.8 مليون كم مربع. ويتكون سكانها المسلمون من قوميات مختلفة أغلبها من الأويغور وهم يشكلون غالبية البلاد إلى جانب التركمان، والكازاخ، والأوزبك، والطاجيك، والتتار وجميعهم ينتمون للعرق التركي وعددهم حوالي 30 مليونا، غير الصينيين الذين تم تهجيرهم إلى تركستان.
الواقع أن تركستان الشرقية تخضع للاحتلال الصيني منذ عام 1949 وتطلق عليها الصين اسم شينغيانغ أي المستعمرة الجديدة.

الاحتلال الصيني لتركستان الشرقية

لم تتوقف المحاولات الصينية لاحتلال تركستان، فقد استولى الصينيون عليها سنة 1760 بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، وقتلت القوات الصينية وقتها مليون مسلم، وألغى الصينيون نظام البكوات الذي كان قائمًا بها، ووحدوا أقسام تركستان في ولاية واحدة، كما اتبعت الصين سياسة استيطانية في تركستان الشرقية، أو ما يسمى بتصيين تركستان الشرقية؛ عن طريق نقل كتل بشرية صينية إليها؛ فقام المسلمون بثورات عنيفة، منها: ثورة جنقخ سنة 1825، واستمرت سنتين، ولم تهدأ ثورات المسلمين طوال مائة عام، منها: ثورة سنة 1855، التي استمرت عشرين عامًا، بقيادة يعقوب بك وقد تمكن بعدها مسلمو تركستان الشرقية من الاستقلال سنة 1865، وذلك أثناء الصراع مع أسرة مانشو، إلى أن تم احتلالها مرة أخرى سنة 1875. وتعرضت تركستان الشرقية لأربع غزوات صينية منذ عام 1860؛ مرتين في عهد أسرة مانشو، ومرة في عهد الصين الوطنية، ومرة في عهد الصين الشيوعية؛ وقد أدت هذه الثورات والمذابح الصينية إلى إبادة كثير من المسلمين وحدوث عدة هجرات من هذا الإقليم إلى المناطق المجاورة. وفي عام 1931، قامت ثورة عارمة في تركستان الشرقية لم يستطع الصينيون حتى بمساعدة الروس إخمادها، وانتقلت هذه الثورة إلى مختلف مدنها وسيطر المسلمون على مدن شانشان، واقتربوا من أورومجي، إلى أن أعلن قيام حكومة كاشغر الإسلامية، ثم تبعها إعلان تأسيس جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1933.
وقد اختير خوجانياز رئيساً للدولة، وثابت داملا رئيساً لمجلس الوزراء، إلى أن استولى الصينيون على هذه الدولة وأعدموا أكثر من 10 آلاف مسلم، بمساعدة الروس، في عام 1944، قامت ثورة إسلامية أخرى بقيادة علي خان الذي أعلن استقلال البلاد، غير أن روسيا والصين تعاونتا على إحباط هذا الاستقلال، وقام الروس وعملاؤهم باختطاف قائد الثورة، إلى أن حصلت تركستان الشرقية على الاستقلال الذاتي سنة 1946، وتم تعيين مسعود صبري رئيسًا للحكومة، إلا أنه وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1949، اجتاحت الصينية الشيوعية هذه المنطقة واحتلتها. وتم تصيين تركستان وسلخها من الهوية الإسلامية ووجد الاحتلال الصيني أن أكبر عائق أمامه في إحكام سيطرته على تركستان وأهلها، هو تمسكهم بالإسلام فعمل على محاربة عقيدتهم ومارس عليهم أساليب كثيرة من التضييق والاضطهاد. فقتل أبناء تركستان ظلماً ففي عام 1952 فقط أعدمت الصين 120 ألف شخص في تركستان الشرقية، معظمهم من علماء الشريعة، ذكر ذلك برهان شهيدي والي تركستان الشرقية ذلك الوقت، وهدم المساجد ومنع الصيام وإهانة العلماء وأئمة المساجد.
في الفترة من 1949م وحتى 1979م هدم الاحتلال الصيني 29 ألف مسجد في تركستان الشرقية، ومن عام 1997م حتى الآن أغلقت الصين 1200 مسجد في تركستان الشرقية، وحولت بعضها إلى مقرات للحزب الشيوعي أو مكاتب. وتم ارسال 54 ألف موظف ديني من تركستان الشرقية للعمل في معسكرات الأشغال الشاقة، وقاموا بجمع الأئمة وإجبارهم على الرقص للحط من قيمتهم ومكانتهم، وتم التهجير القسري لفتيات مسلمات من تركستان إلى داخل الصين، والتغيير الديموغرافي بتوطين صينيين في تركستان وحرمان أبناء تركستان من الوظائف، وتحديد النسل الإجباري وإجراء عمليات إجهاض أجنة بشكل إجباري، ومنع السفر واعتقال الآلاف فنادراً ما تجد أسرة ليس فيها معتقل، وتم إفساد البيئة واستنزاف الثروات ونشر الأمراض نتيجة للتجارب النووية الخطيرة في منطقة لوب، إضافة لمراقبة الهواتف إجبارياً عبر تطبيق يعمم على الجميع استخدامه فيظل الشخص تحت مراقبة دائمة، ومنع التعليم الإسلامي وتضييق حدود استخدام اللغة الأويغورية والتي تكتب بحروف عربية.. وأصدرت السلطات الصينية قراراً في أواخر عام 2016، يتضمن استدعاء الطلاب الأويغور الذين يدرسون العلوم الإسلامية في الخارج، وقطع دراستهم، وهددت من لم يستجب منهم بإيذاء أسرهم واعتقال ذويهم، وهو ما اضطر نسبة كبيرة من الطلاب للعودة خوفاً على أسرهم وأقاربهم فواجهوا اتهامات بنشر أفكار إرهابية ومن ثم القبض عليهم ومواجهة عقوبة بالسجن 15 عاماً ويزيد، ومصادرة المصاحف وسجادات الصلاة وتزييف التاريخ، ومنع الزواج الشرعي.

المحرمات الثلاثة

في الفترة الأخيرة نشرت السلطات الصينية تعميماً، يطالب المسلمين في تركستان الشرقية، بتسليم كل ما يتعلق بالإسلام من مصاحف وسجادة الصلاة، باعتبارها ضمن المحرمات الثلاثة على المسلمين هناك وهي تشمل الأنشطة الدينية، والمواد المطبوعة.
على الجانب الأخر، نجد المعاناة في إقليم أراكان الذي كان قبل 350 عاماً دولة مسلمة مستقلة ثم جاءت حقبة الاحتلال البريطانى للمنطقة التي استمرت قرابة 125سنة (1824-1948م) وإقليم أراكان هو إحدى ولايات بورما بعد أن ضمتها إليها قهراً 1784م وهو يقع في جنوب الغربي لبورما على ساحل خليج البنغال وتشكل سلسلة جبال أراكان الممتدة من جبال الهملايا حاجزاً طبيعياً بين أراكان وبين بورما مما يجعل هذه المنطقة ذات بعد جغرافي وإستراتيجي عن أراضي بورما كما تنفصل عنها من النواحي المناخية والثقافية، وتقدر مساحة إقليم أراكان بحوالى 37 ألف كيلو متر مربع وتشتهر أراكان أوديتها وانهارها وغاباتها الكثيفة وهي غنية بثرواتها الزراعية والحيوانية والسمكية ولكن أهلها يعيشون في فقر شديد بسبب السياسات الظالمة التي تنتهجها حكومات بورما.
تقع دولة بورما (ميانمار حالياً) جنوب شرق آسيا وعدد سكانها أكثر من 50 مليون نسمة، ويقع إقليم أراكان (راخين) جنوب غرب بورما، ويبلغ عدد المسلمين حوالى 5 ملايين نصفُهم في إقليم أراكان ذى الأغلبية المسلمة، وفي بورما أكثر من 140 عرقية أكبرها (البورمان) وهم الطائفة الحاكمة ثم المسلمون (الروهينجا) الذين تعدهم الأممُ المتحدة أكثرَ الأقليات اضطهادا في العالم، وصل الإسلام إلى أراكان أيام (هارون الرشيد) عن طريق التجار العرب حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 ملكاً مسلماً من عام 1430م حتى 1784م عندما احتل البوذيون أراكان وضموها إلى بورما، ودمروا كثيراً من الآثار الإسلامية وقتلوا العلماء واضطهدوا المسلمين خلال فترة احتلال دامت 40 سنة انتهت بقدوم الاستعمار البريطاني عام 1824م.
فى عام 1942م تعرض المسلمون لمذبحة وحشية من البوذيين المسلحين من قِبَل البورمان والمستعمرين فقتلوا أكثر من 100 ألف مسلم، وشردوا مئات الآلاف خارج الوطن، وفي عام 1948م منحت بريطانيا الاستقلال لبورما شريطة أن تمنح لكل العرقيات الاستقلال عنها بعد 10 سنوات، ولكن البورمان استمروا في احتلال أراكان، ثم استولى العسكريون الفاشيون على الحكم فى بورما بعد انقلاب عسكرى عام 1962م فأذاقوا المسلمين كل أنواع الظلم والاضطهاد من القتل والتهجـــير والتشريد (طردوا أكثر من 300 ألف مسلم إلى بنغلاديش) والتضييق الاقتصادي والثقافي ومصادرة أراضيهم وسحب الجنســـية وتدمير الآثار الإسلامية ومنع المدارس الإسلامية من التطوير أو الاعتراف الحكومي لشهاداتها.
عام 1978م طردوا أكثر من نصف مليون مسلم مات منهم قرابة 40 ألفًا من الشيوخ والنساء والأطفال حسب الأمم المتحدة، وفي عام 1988م طردوا أكثر من 150 ألف مسلم، وفي عام 1991م تم طرد قرابة نصف مليون مسلم بعد إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة انتقاماً من المسلمين الذين صوّتوا مع المعارضة، وفي عام 2001 قام البوذيون بتحريض من الرُهبان بأعمال الشغب ضد الروهينجا ولم تتدخل القوات الحكومية إلا بعد عدة أيام حدث خلالها دمار واسع في ممتلكات المسلمين وهُدمت عدة مساجد.
عام 2011م بدأت حملة إعلامية مكثفة مدعومة من الحكومة تطالب بقتل المسلمين، وفي حزيران/يونيو 2012م حاصر 300 بوذى حافلةً بها 10 مسلمين وقتلوهم جميعاً ومن ضمنهم كانت امرأة مسلمة تم اغتصابها قبل أن يشعلوا النيران ويحرقوا الجميع ثم اندلعت الاعتداءات، ومع تدفق عشرات الآلاف من الروهينجا نحو بنغلاديش المسلمة أغلقت بنغلاديش حدودها في وجه الروهينجا على حدودها، وفى عام 2012 بدأ بعض الروهينجا في تنظيم (حركة اليقين) المقاومة حيث شنّ مئات المسلمين هجمات منسقة على شرطة ميانمار، وقد دعمهم مئاتٌ من القرويين المسلحين بالسكاكين وأدوات الزراعة، وبعد ذلك كثّف الجيشُ عملياته بشكل كبير وارتكب انتهاكات عسكرية واسعة النطاق ضد المدنيين الروهينجا بما في ذلك الاغتصاب والقتل والتهجير، وكان آخر التطورات هو إعلان (جيش تحرير روهينجا أراكان) أو ما كانت تعرف بحركة اليقين عن قرار بالتحرّك للدفاع عن القرويين الروهينجا بعد اشتداد هجمات جيش ميانمار عليهم وارتفاع عدد القتلى إلى 3 آلاف خلال الأيام القليلة الماضية.
نعم مأساة تركستان الشرقية وأراكان فضحت دعاة الديمقراطية وأظهرت حقيقة أدعياء حقوق الإنسان فحينما يضطهدون المسلمين فإن الآذان تصم والعيون تعمى والألسنة تخرس مايزال حتى اللحظة المجازر والمذائح التي تجاوزات كل حدود في أراكان فلم ترحم عصابات البوذيين طفلاً رضعياً أو شيخاً مسناً أو إمرأة عجوز وتنقل لنا الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية أبشع الجرائم أى هولوكست مسلمي أراكان ولكن المستغرب أن هذه الجرائم ترتكب تحت سمع وبصر النظام العالمي الجديد.. ليشهد الجميع على سقوط العدل على المداخل. فأين الضمير العالمي من محنة مسلمي تركستان الشرقية والروهينجا؟.

(المصدر: تركستان تايمز)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى