أين الإسلاميون من الثورة السودانية؟ (تحليل)
عقب صلاة الجمعة الماضية في مسجد الخرطوم الكبير، تعرض إبراهيم السنوسي (82 عاما)، القيادي في حزب “المؤتمر الشعبي” ذا التوجه الإسلامي، إلى الطرد بواسطة المصلين الغاضبين.
وكان السنوسي المنتمي للحزب الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل ،حسن الترابي، يشغل منصب مساعد الرئيس في حكومة عمر البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية في 11 أبريل/ نيسان الجاري.
وقال شهود عيان إن السنوسي حاول مخاطبة المصلين ودعاهم للقبول بالمجلس العسكري بقيادة عبد الفتاح البرهان الذي تولى المسؤولية بعد سقوط البشير، لكن مصلين قاطعوه بالهتاف المحلي الذي يندد بـ”الجماعة الإسلامية”: “أي كوز ندوسو دوس”، ثم حصبوا زجاج سيارته بالحجارة لدى مغادرته.
وتطلق لفظة “كوز” محليا للإشارة إلى “الجماعة الإسلامية” التي أسسها الترابي منذ ستينيات القرن الماضي، ونفذ بها انقلابا في عام 1989 قاده العميد -وقتها- عمر البشير، وحكم به البلاد لمدة ثلاثين سنة تحت مسمى حزب “المؤتمر الوطني”، الذي أعلن عن تأسيسه في العام 1992.
وحادثة السنوسي في المسجد جاءت ردا على موقف قيادة حزب “المؤتمر الشعبي”، التى استمرت في حكومة “الوحدة الوطنية”، التي شكلها البشير، حتى إعلان عزله في 11 أبريل/ نيسان الجاري، رغم مطالبة قواعد الحزب بالانسحاب من تلك الحكومة قبل ذلك بكثير.
ففي المقابل، شارك العديد من شباب حزب الترابي في الاحتجاجات ضد البشير، وكثير منهم أبدى غضبه على واقعة قتل أحد كوادر حزبهم المعلم أحمد الخير بمدينة كسلا على يد قوات الأمن إبان هذه الاحتجاجات التي أسقطت البشير.
ومنذ الستينيات، اتخذت جماعة الترابي عدة مسميات: الإخوان المسلمون، جبهة الميثاق الإسلامي، الجبهة الإسلامية القومية، ثم المؤتمر الوطني، لينشق عنه الترابي إثر خلاف مع البشير في 1999 ويؤسس حزب “المؤتمر الشعبي”.
وعقب رحيل الترابي في 2015، عاد “المؤتمر الشعبي” ليشارك في الحكومة بعدة مناصب وزارية.
وبينما يجادل البعض بأن فترة حكم البشير محسوبة على الحكم العسكري أكثر من كونها محسوبة على الإسلاميين، ينظر آخرون إلى أن فترة حكم البشير كانت بمثابة فترة حكم للتيار الإسلامي، وبالتالي فإن الثورة على نظام البشير تطال بالضرورة هذا التيار.
وفي وقت سابق، قال المؤرخ السوداني البروفيسور عبد الله علي إبراهيم إن الإسلاميين الحاكمين “اكتفوا بالإشارة إلى أعدائهم ليتولى جهاز الأمن بقية المهمة”، رغم نفى الكثير من القيادات الإسلامية في السودان لذلك، والتأكيد على أن “الحركة الإسلامية” استلمت الحكم بالفعل في العام 1989، لكن الحكم تحول شيئا فشيئا ليصبح في قبضة الرئيس وحده، وأن المعاناة في البلاد طالت الإسلاميين كما طالت غيرهم من التيارات.
من جهته، قال الكاتب والباحث في شأن الإسلام السياسي، خباب النعمان، للأناضول، إنه كان يتوقع “سقوط التجربة الإسلامية في الحكم من واقع انسداد الأفق أمامها بغير النفط والموارد الاقتصادية”.
ومنذ انفصال جنوب السودان في 2011، يعاني السودان حالة تضخم وارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السيولة النقدية والسلع الاستهلاكية الأساسية.
وفي العام 2013، انشق على البشير أبرز قادته الفكريين الإسلاميين، غازي صلاح الدين، إثر تعامل الحكومة الفظ مع هبة شعبية قتل فيها أكثر من 200 قتيل طبقا لإحصائيات غير رسمية.
وأسس صلاح الدين “حركة الإصلاح الآن”، لتكون بمثابة “المعيار العصري” للإسلام السياسي وتبعه البعض من الإسلاميين الشباب الذين يَرَوْن أنفسهم أكثر انفتاحا وليبرالية على المستوى السياسي، حسب غازي نفسه الذي تحدث في 2013 في منتدى عقد بمنزل أحد الإسلاميين من حزب “المؤتمر الوطني”.
الآن يجد الإسلاميون أنفسهم في وضع حرج بعد سقوط حكومة البشير وعدم قبول من طرف كثير من المتظاهرين، رغم تسجيلهم حضورا في الاحتجاجات التي قادت لعزل البشير.
فقبل عزل البشير، زار المراقب العام لجماعة “الإخوان المسلمون” في السودان، عوض الله حسن، المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وظهر في صور، وهو يخط بيديه لافتات تطالب بإطلاق سراح المعتلقين؛ ما أن يعني مشاركة هذا التيار الإسلامي في الثورة على نظام البشير.
وبعد عزله، أصدرت بيان من الأمانة السياسية للإخوان المسلمين، بيانا رحبت فيه بتلك الخطوة، مؤكدة أن “هذه الثورة المباركة لا تستطيع جهة أو حزب احتكارها أو توجيهها بل الكل مشارك دون إقصاء إلا من يدان قضائيا”.
كما أن غازي صلاح الدين، الذي يتولى ائتلاف من عدة أحزاب كانت ذات تقارب مع البشير، هو وجه إسلامي آخر كان حاضرا بقوة في الثورة، ومن خلفه بالتأكيد الكثير من أنصاره من شباب الإسلاميين.
وقد التقى صلاح الدين، الخميس، رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن عمر زين العابدين، وأبلغه أن المرحلة الراهنة تستدعي محاربة فكرة الإقصاء بين القوى السياسية.
ويقول النعمان إن “تجربة الإسلاميين التي سقطت في السودان عبر ثورة سلمية متحضرة ليس أمامها سوى خيارين، الأول إعمال النقد والمراجعة والثاني الإنكار وإنتاج خطاب ما ورائي يقوم على تسويغ نظريات المؤامرة”.
وتوقع خباب الغلبة للخيار الأول؛ حيث يتم إنتاج تيارات “ما بعد إسلامية”، تتجاوز أخطاء المرحلة السابقة.
(المصدر: وكالة الأناضول)