أيكفي الدعاء؟!
بقلم د. عبدالله المشوخي (خاص بالمنتدى)
كان الفاروق رضي الله عنه يتعوذ من عجز الثقة، وفي يوم رأى إبلًا قد فشا فيها الجرب فسأل صاحبها عن إهماله لعلاجها فقال: “عندنا عجوز تدعو لها بالشفاء”، فقال له: “هلا تجعل مع الدعاء شيئًا من القطران؟”.
هكذا علمنا الفاروق الملهم رضي الله عنه، أن الدعاء على أهميته لوحده لا يكفي، بل لابد من الأخذ بأسباب العلاج، وذلك بإضافة القطران وهو مادة سائلة لعلاج الإبل المصابة بالجرب.
حال أمتنا اليوم تجاه ما يحدث في المسجد الأقصى كحال صاحب الإبل الجرباء عندما اكتفى بعلاجها بدعاء العجوز، فأمتنا تكتفي بالدعاء وتلقي بمسؤولية حماية الأقصى والذود عنه على كاهل أهل فلسطين.
قد يقول قائل: “وكيف ننصر أقصانا والأنظمة العربية تحول بيننا وبين نصرته؟”، والإجابة على ذلك أن نصرة الأقصى بمقدور كل فرد فينا حسب موقعه وقدرته.
فالتاجر ينصره بالدعم المادي ومقاطعة البضائع اليهودية.
والخطيب والواعظ ينصره بفصل الخطاب من فوق المحراب.
والمعلم والأستاذ ينصره من خلال المحاضرات والمقررات وتوعية الطلاب.
والإعلامي ينصره بالمقالات ونقل الأخبار وسائر الأحداث التي تفضح صلف اليهود وهمجيتهم.
والوالدين ينصرونه بتعليم أبنائهم بمكانة الأقصى الدينية وغرس محبته في القلوب.
وعامة الناس ينصرونه بالمسيرات والاعتصامات لاسيما أمام السفارات ورفض كافة أشكال التطبيع، ومن خلال الفضاء الالكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونشر الحسابات المختصة والموثوقة والمؤثرة.
كذلك لأهل الفن دور في نصرته من خلال الأفلام والمسلسلات والأناشيد الحماسية… الخ.
فكل إنسان يستطيع نصرة المسجد الأقصى حسب طاقته ووفق تخصصه ليصبح الأقصى رمز الأمة وكرامتها وعزتها، حينها يخشى اليهود من غضبة الأمة وانتقامها.
أما أن يقتصر دور الأمة على الدعاء فقط فهذا مخالف لسنن الله الثابتة في هذا الكون وذلك بترتيب النتائج على الأسباب.
وعلى سبيل المثال أمر الله سبحانه وتعالى مريم وهي في حالة ولادة غير طبيعية أن تهز جذع النخلة {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا}.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي في شأن ناقته : (اعقلها وتوكل).
إن محو الأسباب – كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – نقص في العقل كما ان الإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع)
لهذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بكافة الأسباب ومنها الدعاء.
ففي غزوة بدر حدد الموقع ونظم الجيش وحمسهم للقتال ثم توجه إلى الله بالدعاء.
وفي غزوة الخندق حفر الخندق ونظم الجيش ووضع الخطة ثم توجه إلى الله بالدعاء.
وعندما استنصره عمرو بن سالم الخزاعي على مظاهرة قريش لبني بكر وغدرهم قال: نصرت يا عمرو بن سالم ولم يكتف عليه الصلاة والسلام بالدعاء على المشركين بل جهز جيشا وتحرك به نحو مكة.
هكذا شأنه صلى الله عليه وسلم في كل المواقف والأحداث يأخذ بالأسباب ويبتهل إلى الله بالدعاء.
لهذا ينبغي على الأمة أن تحذوا حذو الرسول صلى الله عليه وسلم فتبذل كل ما في وسعها لنصرة إخوانهم في فلسطين انطلاقا من قوله تعالى : {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}.
في الختام، أسأل الله العلي العظيم أن يجمع شمل الأمة الإسلامية ويوحدها تحت راية الحق من أجل تخليص الأقصى وتحريره من دنس اليهود اللهم آمين يا رب العالمين.